مقالات
ماذا تبقَّى من الشرعية الرخوة!!؟
الحرب في اليمن عبر التاريخ كانت من الأمور غير المفهومة على كل مؤرَّخ مهما كان ضليعاً في قراءة حركات التاريخ بشقيه المأساة والملهاة؛ باعتبارها أحجية غير مفهومة وغير واضحة بين من ومن، بسبب التداخل غير المنطقي والمنطقي معاً.
هذه الحرب، التي بدأت بحرب دول ما يسمى بالتحالف مع ما يسمى بالشرعية ضد الحوثيين، المتحالفين مع ما تبقى من نظام علي صالح، ثم بحرب الحوثيين على اليمنيين داخل الحرب الأولى، حرب داخل حرب داخل حرب، وحصار داخل حصار داخل حصار.
وها نحن اليوم والحرب والحصار يدخلان 3000 يوم ليس على تعز وحدها بل على كل المدن، وإن اختلفت طرائق الحصار. ففي تعز الحصار يأخذ شكل الحروب المتعارف عليها، وهو قطع كل ما يتعلق بالحياة واستمرارها عن ملايين من سكان تعز وأريافها، من جميع الجهات، وحصار من نوع آخر، وذلك باستحداث أكبر عدد من النقاط الأمنية بين المدن اليمنية، مثل النقاط التي بين تعز (الحوبان) وصنعاء، حيث تستهلك هذه النقاط الأمنية ما يقارب أربع ساعات من التفتيش والتوقف، وهذا الوقت جزء من الحصار المفروض على المدينة، ويتحول إلى جزء كبير من وقت المواطنين اليمنيين المسافرين.
فإذا كان حصار وحرب الحوثيين على تعز، وغيرها من المدن اليمنية، طريقة من طرق الحرب القذرة، فماذا نسمي استسلام القوات والمدن المُحاصَرة لهذا الحصار الظالم، أو اكتفاء الشرعية الرخوة بمناشدة العالم لإجبار الحوثيين على رفع الحصار؟ هذا ضرب من ضروب الخبل وبيع الوهم لليمنيين، أو انصراف هذه القوات المحسوبة على الشرعية إلى ممارسة الجبايات بكافة أنواعها وأشكالها، ونهب الأراضي، ومناصرة طرف على آخر، والدخول في صفقات تجار الحروب من كل صنف ولون في المدن المحاصرة، بدلاً من العمل على رفع الحصار بالقوة العسكرية، وما يسمى بكسر الحصار، وماذا نسمي النقاط العسكرية المنتشرة من خارج عدن إلى داخل مدينة تعز، التي استهوتها طوال السنوات الماضية عمليات الجبايات على كل صغيرة وكبيرة طوال الطريق الممتد من الجنوب إلى تعز المدينة؟
بمعنى أوضح وأدق أن تعز ليست ضحية الحرب والحصار والحوثيين والتحالف ورخاوة الشرعية وضعفها فقط، بل ضحية الكثير ممن يدّعون أنهم حُماتها ومحرروا أجزاء منها، أي أن حاميها حراميها أيضاً، ولذلك عندما يقيمون الفعاليات حول الحصار يجب وضع النقاط على الحروف، وأن تعز وغيرها مُحاصَرة بحماتها وفسادهم وضعفهم أكثر من محاصرة الحوثيين لها، وهي معادلة استهوت الحوثيين منذ البداية.
فإذا كانت تعز قد عادت إلى أحضان الشرعية الرخوة منذ البداية، فلماذا لا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم.. الخ، ولا حياة آمنة في شوارعها ومساكنها وبين سكانها؟!! لماذا لم يجعلوا من تعز مثالاً أو نموذجاً يُحتذى ويُقتدى به، بل تحولت إلى مثار للسخرية من فساد القائمين عليها بكل توجهاتهم، وتحولت -للأسف- رغم صمود شبابها - المتمترسين فوق الجبال والتلال - الأسطوري، وهم أمل تعز واليمنيين جميعا في مقاومة العدوان الداخلي بكل أشكاله، اليوم مثالاً للفوضى تضرب تفاصيل كل حياتها اليومية والإنسانية.
السخرية الكبيرة في الموضوع أن الذين يحاصرون تعز ملأوا التويتر ومواقع التواصل، يوم أمس، شكوى من حصار دول التحالف، أو ما يسمونهم بتحالف العدوان، مع أن العدوان واضح ومحدد، ويعرفه الجميع، لكن الآلة الإعلامية لدبهم، وقدرتها على فبركة القتل والهمجية، هي تخصصهم الذي برعوا فيه براعة منقطعة النظير، إلى حد جعلوا من الشرعية عاجزة ومقصوصة الأجنحة وغير قادرة حتى على التحليق أو الطيران لإنقاذ نفسها من كمية الضربات الموجعة التي تتلقاها، بداية من تنصلهم من اتفاق استكهولهم بخصوص الحديدة، واليوم غير قادرين على تصدير برميل نفط أو دبة غاز.
الجميع في الشرعية الرخوة متفقون على شيء واحد، وهو مناشدة العالم والدول والمنظمات والجن والإنس ممارسة الضغوط على الحوثيين للرضوخ للسلام، وللجنوح للسلم، وللسماح لهم بتصدير النفط للخروج من النفق الاقتصادي المظلم.. بعد هذا كله ماذا تبقَّى من الشرعية الرخوة غير المناشدات؟
نحن على يقين أن كل هذا الضعف في الشرعية لن يقابله أي انتصار للحوثيين الانقلابيين؛ لأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم وسلالتهم، ولا يمثلون كافة شرائح اليمنيين وتنوّعهم الكبير، ولا يوجد منتصر في حروب اليمن، وهذا الذي أثبتته حركات التاريخ التي أشرنا إليها في السطر الأول.