مقالات

ما وراء حرب الإبادة في السودان

03/11/2025, 06:36:11

يشهد السودان حربَ إبادةٍ يحاول صُنّاعها تقليدَ ما يجري في غزة، حتى في الحصار والتجويع وقتل الأطفال.

السودان متسع كقارة، وله جوار مع سبع دول، وقبلًا مع تسع دول.

صراعاته معقدة، متشابكة، ومتداخلة الهويات القومية: العربية، والأفريقية، والزنجية.

ديانته متعددة أيضًا: الإسلام، والمسيحية، والمحلية.

اللغات واللهجات شديدة التنوع والتعدد، وثرواته الزراعية جديرة بوصفه «سلة غلال العالم»، وثرواته الحيوانية كثيرة. وكانت قبل انفصال الجنوب نفطية، ولثرواته المعدنية دخل في حرب الإبادة الحالية. والبرهان وحميدتي ليسا أكثر من “شقاة”.

حرب الإبادة التي يخوضها حميدتي والبرهان والجيش المعبأ بالكيزان، الآتين من زمن البشير، ومعطف الجبهة القومية الإسلامية.

ودقلو زعيم المرتزقة «الجنجويد» الذين أسسهم البشير لقمع انتفاضة دارفور في 2013، ولمواجهة احتمالات انقلاب العسكر.

صحيح أن حرب الإبادة في دارفور يتولى كِبرَها مرتزقةُ الجنجويد بحصارها لسنةٍ ونصف، وكان تشكيلها في العام 2013 لقمع الانتفاضة، وارتكبت حينها جرائم التقتيل والاغتصاب والتطهير العرقي.

تبدأ المأساة من انقلاب الجبهة القومية الإسلامية عام 1989، ولكن المأساة أن انقلاب الجبهة الذي قاده البشير كان الانعطافة الأخطر في تحويل العقيدة إلى وطن، وإلغاء المواطنة والتنوع والتعدد، والتمهيد لانفصال الجنوب، وزرع بذور الفتنة والاحتراب في أرض السودان الطيبة.

تتركز الأنظار الآن والرأي العام الدولي على جرائم حرب الإبادة التي يخوضها الجنجويد مدعومين من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ولكن نقطة ضعف الجيش أنه ملغوم بمجاميع غير قليلة من فلول الجبهة: كتائب الظل، وقوات الدفاع الشعبي، والأمن الشعبي، والأمن الطلابي، وكتائب التائبين؛ وحتى البرهان نفسه وبعض قيادات الجيش منتمون للجبهة، وهو ما يفسر عزوف الشعب عن مساندتهم، والتحاق البعض بدقلو، رغم أن البرهان ودقلو وجهان لعملة واحدة، فهما ذراعا البشير في قمع الانتفاضة الشعبية منذ العام 2013، وقد تشاركا في قمع الاعتصام أمام القيادة العسكرية عام 2019، وقتل فيها أكثر من مائةٍ وعشرين.

وبدون التقليل أو الاستهانة بحرب الإبادة في دارفور، وجرائم التجويع ونهب المساعدات الغذائية وتهجير الآلاف وتقتيل الأطفال والتطهير العرقي، فإن ما يفسر عزوف الشعب السوداني عن مساندة الجيش معرفته بماضيهم البشع وبتوجهاتهم الفاشية.

المحنة في السودان منذ الاستقلال عام 1956 هي عدم الاعتراف والانفتاح على فسيفساء المجتمع السوداني وتشريكه في الحكم.

وربما كان الحزب الشيوعي السوداني هو من يمتلك إدراكَ التنوع والتعدد واحترامَ حق الأقليات، ولكن الصراع كان يدور في مكان آخر، وعن قضايا أخرى.

صحيح أن انتفاضة أكتوبر 1964 أبرزت جانبًا من طبيعة الصراع السياسي، والذي بدأ منذ مؤتمر الخريجين عام 1938، وأصبح النضال من أجل الحريات الديمقراطية والحقوق المدنية هو الجذر الأساس، كما يرى الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد.

ورغم الأهمية لهذه القضايا العظيمة، فإن معاناة وقضايا الإثنيات كانت بعيدة عن هموم كل الأحزاب والنخب في الاستقلال.

فقد كانوا منتقصين في المواطنة، ولكنهم في ظل انقلاب الجبهة القومية تم إنكارها، لأن “وحدة العقيدة أهم من وحدة التراب”، كما كان يردد حسن الترابي.

ويظل موقف الحزب الشيوعي والحزب الجمهوري بزعامة الداعية الإسلامي الشهيد محمود محمد طه مائزًا.

يشير الباحث منصور خالد في كتابه النخبة السودانية وإدمان الفشل إلى أن الأحزاب التقليدية ضالعة في التحريض على الحرب، ويستثني الحزب الشيوعي، وحزب محمود طه الذي قتله النميري بفتوى الترابي.

الباحث حيدر إبراهيم علي يشير في بحثٍ له بعنوان السودان إلى أين؟ إلى أن “المهتمين بالشأن السوداني يجمعون على أنه بلد شديد التعقيد، وعصيٌّ على الفهم والتنبؤ بحكم التناقضات والمفارقات التي لازمته منذ النشأة”.

ويرى أن السودان بقي أسير الثنائية: الحديث والتقليد، المبثوثة في مكونات الواقع.

ويرى أن التحدي الأكبر الذي يواجه السودان هو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحقق الوحدة الوطنية بإرادة عقلانية، بالتنوع الثقافي، مع تحقيق تنميةٍ منتجة عادلة ومتساوية (المستقبل العربي، عدد 423).

غضب مني بعض الزملاء عندما عقدت مقارنة بين اليمن والسودان، فاليمن عندهم لها صفة الألوهية، ليس كمثلها شيء.

والحقيقة أن الدولة في السودان منتقصة بسبب تفردات جهوية وقومية وطائفية، وغياب مشاركة ألوان الطيف السوداني.

أما الدولة في اليمن فمندمجة في القبيلة، وصورة من صورها، والرئيس بيدق من بيادق القبيلة، وفي الصراع بين الدولة والقبيلة ينحاز إلى القبيلة وينزل على حكمها.

قضية حسن مكي مع الشيخ الشايف خير مثال، وحينها كان الدكتور حسن مكي قائمًا بأعمال رئيس الوزراء، وزعيم المؤتمر الشعبي العام نائبًا عن الرئيس.

الحديث عن الدولة العميقة في اليمن خرافة، فالقبيلة هي نفي الدولة، وهي العمق.

حرب حميدتي والبرهان على رؤوس الشعب. ولم تعد حرب الإبادة في السودان من حول بناء الدولة أو الحداثة أو حتى اقتسام الحكم أو التفرد ونهب الثروات، وإنما وصلت إلى الإبادة وتدمير الكيان والشعب، والعودة إلى ما دون الدولة والوطنية.

والمأساة أن الوسطاء ليسوا بريئين.

وإذا ما استثنينا حرب الإبادة غير الموجودة في اليمن، فإن التشابه في حرب اليمن والسودان وارد، فالحرب هناك وهنا على رأس الشعب الضحية.

مقالات

إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الاستخباراتية: بين الدمج والتحديث في مواجهة الحوثيين

أفادت مصادر مطلعة أن القيادة اليمنية بصدد إصدار حزمة من القرارات الهامة خلال الأيام القادمة، تهدف إلى إعادة تشكيل عدد من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، في إطار توجهات إصلاحية ترمي إلى تعزيز الأداء المؤسسي وتحديث البنية الإدارية.

مقالات

غزة واستمرار الإبادة

لأكثر من عامين كاملين دفع الكيان الصهيوني بمكنته العسكرية مسنودةً وممدَّة بأقوى قوة أمريكية، وبالطيران الأوروبي، والسلاح، في مواجهة غزة ذات الكثافة السكانية، والرقعة الضيقة، والمحاصرة برًّا وبحرًا وجوًّا، على مدى سبعة عشر عامًا.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.