مقالات
متوالية مصائب اليمن!
بعد مرور كل هذه السنوات، لايختلف اثنان، ولا ينتطح عنزان على أنَّ الشرعية الرخوة سبب رئيسي في بقاء الحال في اليمن عصيًا على التغيير في اليمن "شمالاً وجنوباً شرقاً و غرباً "، شرعية رهنت كل أوراقها بيد السعودية والإمارات، وارتهنت وتعايشت مع الفساد والمفسدين بكل الطّرق وبكل أسف، وغرقت في الفساد العظيم، وماتت الوطنية في نفوس كل من ينتمي لها، أو ينضم إليها، أو يهاجر إلى فسادها، حتى أولئك الذين كانوا بأوزان من العيار الثقيل ويمتلكون أسماء وطنية رنَّانة وتاريخاً طويلاً مع المبادئ والقيم، تم نسيان كل ذلك في سبيل الريال السعودي، والدولار الأمريكي، والدرهم الاماراتي.
إنه أمر مبكٍ ومضحك للغاية، يجسّد صورة المأساة والملهاة معاً بصورتها التي ارتبطت عبر التاريخ بمآسي الكثير من الشعوب التي وقعت أسيرة فئة ضالة مضلة وفاسدة حتى النخاع، وحتى مشاش العظام.
قبل أيام قرأت قصة طريفة لعجوز عراقية، أخذ المسوؤل الحزبي زوجها الشايب غير القادر على القتال، أو الحرب، إلى مقر الحزب، وطلب منه الالتحاق بجبهة الحرب صباح اليوم الثاني، وملأ له جونية فيها ملابس القتال، وعدة الحرب (بندقية وقنابل وغيرها)، فعاد الرجل العجوز إلى البيت، وأحس بالورطة الكبيرة التي وقع فيها. وفي صباح اليوم الثاني، طلب من زوجته الذهب بالجونية إلى المسوؤل الحزبي، وتسليمه إياها، وبينما كانت العجوز تخبر القائد بأن زوجها رجل عجوز، وأنه ليس رجل قتال بهذا العمر، فسألها القائد عن الوطنية والقيم والمبادئ، قالت له العجوز، وهي تدفع باتجاهه بالجونية: "والله هاي كل اللي كلت عليها داخل هذي الكونية".
وهذه الصورة البسيطة المختصرة تجسيدٌ للحال الذي وصل إليه اليمنيون، بعد أن أصبحت الوطنية هي شعارا من أجل الحصول على المزيد من المال والإثراء الرهيب، الذي وصلت إليه حكومة كان يفترض بها -كما تروج في وسائلها الإعلامية- استعادة الدولة المغتصبة.
وبدلاً من استعادة الدولة، تم بيع الدولة بثمن بخس على السعودية والإمارات، وارتهان القرار اليمني بيد دول أكبر مصالحها هي إبقاء اليمن ممزقاً متحارباً مقسماً فاسداً، وإبقاؤه موطناً للفساد الكبير، وتغذيته بقادة فاسدين، وتفريغه من رجالات الدولة الحقيقيين، وتعيين بدلاً منهم رجال ـ وهم لا يستحقون أي من صفات الرجولة والانتماء لهذا الوطن للأسف ـ جاهزين للبيع والهجرة والرحيل والاغتراب هم وأولادهم، حيث الترف وحياة الرفاهية، وممارسة ألاعيبهم السياسية، والظهور على الشعب بالمناسبات والأعياد الوطنية بسيل من الأكاذيب والأوهام عبر خطابات كتبت بأقلام إماراتية وسعودية، ورعاية أمريكية وبريطانية ورقابة روسية.
لاشك أن اليمن الحر لو كان يملك رجال دولة حقيقيين لكانوا من اليوم الثاني في جبهات القتال والتضحيات لاسترداد الدولة من الانقلابيين، ولو كانت تراهم السعودية والإمارات رجال دولة لاحترمت رغبتهم ووطنيتهم، لكنها رأت فيهم مجموعة من المرتزقة والخونة والبياعين؛ فكانوا عز الطلب.
هذا الارتزاق هو الذي جرأ على اليمنيين أرذل مخلوقات الله، فأصبحت الشرعية، وهي من اسمها براء، اسما على غير مسمى، هي السبب في هذا الجمود الكبير الذي يسمى بحالة اللا سلم واللا حرب، يمن ممزق كنتونات، وعملة منقسمة، ومتهاوية، وحياة صعبة، وتعليم على وشك الانقراض، وصحة مفقودة، حيث أصبح المريض أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، ومن غضب الله على اليمنيين أنه تم تسليع كل شيء في البلاد؛ من الإنسان إلى الحجر والشجر.
اليمنيون يعيشون برحمة الله في متوالية عبثية بين الموت والموت... الخ.