مقالات
مجلس القيادة الرئاسي والأسئلة التاريخية (3/2)
السبب الثالث: نستطيع القول إنه إذا كان مجلس القيادة الرئاسي قد تشكل من أغلبية أعضاء كانوا يقفون في الواقع على رأس تشكيلات عسكرية في المناطق المحسوبة على الشرعية، ضف إلى ذلك أنه احتوى مجلس القيادة على عضوية طارق وعيدروس، اللذين كانا يمارسان فعلهما السياسي والعسكري خارج سلطة الرئيس هادي، ثم أصبحا - على إثر مؤتمر الرياض - عضوين في مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح رأس سلطة الشرعية المعترف بها دوليًا.
كل ذلك قطع الشك باليقين، فيما يتعلق بأن الشرعية ذاهبة إلى تحول إيجابي يقوم في الأساس على توحيد التشكيلات العسكرية في المناطق المحسوبة عليها، كما أن تشكيل لجنة عسكرية تنظر في مسألة دمج التشكيلات العسكرية، وفيها شخصية عسكرية وطنية “هيثم قاسم طاهر”، عزز من مسألة أن ما يجري هو توجه فعلي نحو تحقيق الشروط الموضوعية والجاهزية القتالية المتعلقة بمسألة انتصار الشرعية عسكريًا، إذا لم يتم تحقيق السلام في اليمن عن طريق الحوار السياسي.
وعطفًا على ذلك، كان خطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وتصريحات أعضاء مجلس القيادة، وحتى رئيس مجلس النواب بعد مؤتمر الرياض، تعزز الاعتقاد السائد لدى الكثيرين بأن الشرعية قد أصبحت تسير في خط ثابت نحو الجاهزية السياسية والعسكرية المطلوبة في معركة الحرب والسلام في اليمن، خصوصًا وأن الحركة الحوثية كانت يومها متعالية على طاولة الحوار السياسي، بناءً على اعتقادها أنها الأقوى عسكريًا، وأن قوتها العسكرية في تصاعد نوعي، لا سيما بعد أن حصلت على سلاح الجو الذي طال عمق المملكة العربية السعودية وأجبرها على التراجع، الذي بدت معه تقدم نفسها وسيطًا للحل في اليمن، وليس طرفًا في الحرب مع الحركة الحوثية.
إذاً، هذه الأسباب الثلاثة تتحدث بشكل أو بآخر عن معطيات وتحولات سياسية وعسكرية بدت - بمقياس الفكرة الوطنية - مطلوبة داخل معسكر الشرعية، وفي نفس الوقت قابلة للتحقيق وليست مستحيلة في ظل سلطة مجلس القيادة الرئاسي، خصوصًا وأن تشكيل هذا الأخير كان - في نظر الكثيرين - نتاجًا للمراجعات المتعلقة بأسباب الفشل، الذي استفادت منه الحركة الحوثية. هكذا كانت القراءة التحليلية المتفائلة حول مخرجات مؤتمر الرياض.
ناهيك أن مثل هذا التحول السياسي، الذي بدأ قريب المنال في ظل مجلس القيادة، فإن تحقيقه في الواقع لن يمنح السلطة السياسية المنتقلة من الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي شرعيتها فقط، بل سوف يمنح أعضاء مجلس القيادة الرئاسي “بأشخاصهم” شرعية القيادة التاريخية وشرف صناعة التاريخ في اليمن، على اعتبار أن شرعية هؤلاء، إذا لم تكن بموجب الدستور أو المرجعيات المتفق عليها، فإنها سوف تكون بموجب حضور الفعل السياسي والعسكري الذي يخوض معركة التأسيس للفكرة الوطنية.
قد يكون من غير المنطقي الآن، وبعد سنوات مضت، أن نثير مسألة الشرعية الدستورية لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، لكن استمرار الفشل في تولي المسؤولية الوطنية، وتخييب آمال وتطلعات الشعب اليمني في ظل سلطتهم السياسية حتى اليوم، سيظل مكمن الأسئلة التاريخية، القائلة - بعضها على سبيل المثال -: هل كان فعلاً هؤلاء الثمانية في مستوى صناعة التاريخ في اليمن؟
وحتى نشفق على أعضاء مجلس القيادة، نقول: إن ما كان وما زال مطلوبًا منهم ليس صناعة التاريخ بمعيار وقدرات المناضلين كونياً مثل نهرو أو غاندي أو مانديلا أو جيفارا، أو عبد الناصر، بل بمعيار أبناء جلدتهم الذين صنعوا تاريخ الثورة والجمهورية في شمال اليمن وجنوبه، مع أن الظروف الموضوعية وحتى القيادية التي كانت محيطة بأبطال الستينيات كانت - في واقع الحال - أسوأ بكثير من الظروف المحيطة بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
فعلى مستوى الظروف الموضوعية، لم تكن اليمن قد شهدت وعيًا اجتماعيًا أو نظامًا معرفيًا يتعلق بالمسألة السياسية والوطنية مقارنة بما هو عليه اليوم، ناهيك عن الفارق في مخرجات التعليم التي ستجعل الشباب وقطاعات واسعة من اليمنيين في صف أعضاء المجلس إذا ما توجهوا نحو مستقبل الشعب السياسي في اليمن.
حتى الأحزاب السياسية لم تكن قبل ستين عامًا قد أصبحت تنظيمات سياسية راسخة وذات قواعد جماهيرية وازنة، مقارنة بأحزاب اليوم، ولم تكن موحدة سياسيًا خلف هؤلاء القادة كما هي اليوم على استعداد أن تقف خلف أعضاء مجلس القيادة إذا تعلق الأمر بتقرير مصير ومستقبل هذا الشعب على أساس الفكرة الوطنية.
أما بالنسبة للظروف الموضوعية المتعلقة بمسألة القيادة السياسية، فعلى سبيل المثال، لم يكن علي عبد المغني وعبد الله جزيلان وقحطان الشعبي أو عبد الفتاح إسماعيل وفيصل عبد اللطيف، يقفون على رأس السلطة السياسية، مقارنة بأعضاء مجلس القيادة، ولم يكن أحد منهم على رأس ألوية عسكرية ضاربة مثل ما هي اليوم تحت إدارة أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
صحيح أن عبد الرقيب عبد الوهاب وبعض رفاقه كانوا قادة لوحدات عسكرية، لكن المعركة المتعلقة بفك حصار السبعين كانت تعترضها ضغوطات وتعقيدات تفوق قدرتهم العسكرية ومواقعهم القيادية.
فالانقلاب السياسي على خط الثورة كان قد حدث في رأس السلطة، والجيش المصري انسحب من شمال اليمن، ودول الجوار الغنية بالنفط طوقت العاصمة صنعاء بجحافل وسلاح الإمامة، حتى بدت كل المؤشرات السياسية والعسكرية تؤكد بأن الإمامة سوف تنتصر على الجمهورية بقوة السلاح، ومع ذلك رفع عبد الرقيب عبد الوهاب ورفاق دربه شعار “الجمهورية أو الموت”، ومن أرض المعركة خُلقت المعطيات السياسية والعسكرية التي انتصرت للجمهورية.
علي عبد المغني ورفاقه، وقحطان ورفاقه، وعبد الرقيب ورفاقه لم يتوقفوا عند مسألة الخطابة والتصريحات، ولم ينتظروا الإذن من الخارج، بل خاضوا على أرض الواقع معركتهم العسكرية التي انتصرت للجمهورية وهزمت الإمامة والاستعمار، مع أنهم لم يكونوا على رأس السلطة المعترف بها دوليًا، مقارنة بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ولم يكونوا يملكون شرعية وصلاحيات استغلال موارد البلاد في سبيل الانتصار للمشروع الوطني.
صحيح، كما قلنا سابقًا، ما زالت هناك فرصة سانحة أمام مجلس القيادة الرئاسي لخوض معركة وطنية تُخرجه من قفص اتهام الأسئلة التاريخية، وهي معركة وطنية مطلوبة اليوم، وليس غدًا، لكن الواقع يقول: إنه مع استشراف مقولة “الضرب في الميت حرام”، أصبحت تتهاوى كثير من الآمال والتطلعات المعلقة على دور مجلس القيادة الرئاسي!
فعلى سبيل المثال لا الحصر، من فشلوا منذ سنوات في صناعة مجرد لائحة تنظم وجودهم السياسي والقيادي على رأس سلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، (أتحدث عن اللائحة المنظمة لمجلس القيادة الرئاسي)، فكيف سينجحون باسم الشرعية في خوض معركة وطنية هدفها الإطاحة بسلطة الانقلابيين التي أصبحت، بعد الإطاحة بصالح، تملك وحدها القرار والقيادة، ناهيك عن دعمها من حليف استراتيجي لا ينتقص من سيطرتها السياسية والعسكرية على الأرض؟