مقالات
محاولات قتل الثقافة!!
عادت الكتب اليمنية إلى الصدور بقوة، خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد أن كادت تتوقف، وكانت قد تباطأت بسبب الحرب الممنهجة على الكتاب والكاتب والعقل والثقافة، وطريقة التفكير والحياة اليمنية عامةً، كانت حرباً بائسة وممنهجة على إنتاج العقل اليمني، في الوقت الذي تهافت السلاليون لطباعة الكتب، التي تخص طائفتهم، وتدعو إلى تمجيد معتقداتهم المزيفة، وتاريخهم الملغوم بالدم والدمار والجماجم، وللأسف هناك دُور نشر كثيرة ومكتبات غيّرت شرائحها الوطنية، وتحولت بين عشية وضحاها إلى سلالية نتنة، تتسابق على طباعة كتب مكانها مزابل التاريخ؛ باعتبارها كتبا صفراء من الطراز المفخخ، التي بقيت منفية ومنبوذة من كل دُور النشر الحرة والتفكير النظيف، مع العلم أن هذه الكتب تصدر برعاية سلالية، ودعم مادي غير محدود من الأفراد والجماعات المتوردة.
ولكن هناك، في الجانب الآخر، شباب يمني نظيف التفكير، متحررو العقل والضمير، يشتغلون في مجال الطباعة والنشر داخل وخارج اليمن، تعملقوا، خلال السنوات الماضية وسنوات الحرب، إلى أهم دُور نشر الكتاب اليمني، وبالتالي تحرر الكاتب والعقل والضمير اليمني من وطأة رقابة بشعة، وانطلقوا ينشرون الكتاب والفكر والأدب والإبداع اليمني بكل قوة وعنفوان وجمال، وأصبحت هذه الدُّور تشارك في كل المعارض العربية تقريباً، وبعضها يستعد للانتقال إلى العالمية بداية بلندن؛ مثل دار نشر عناوين "بوكس" التي مقرها القاهرة.
خلال السنوات الماضية، قامت هذه الدَّار مع دار "أروقة" أيضاً، بتحقيق نجاحات غير مسبوقة، ونقلت الكتاب اليمني والكاتب من المحلية إلى العربية الواسعة في كل ما يتعلق بالثقافة اليمنية، ومنح المثقفين اليمنيين مجالاً واسعاً للنشر بدون أي رقابة غير رقابة ضمير المؤلف.
ورغم كون مقراتها في القاهرة إلا أنها أوجدت طرقا ووسائط لا يصال الكتاب بشقيه الورقي والإليكتروني إبى اليمن بكل يسر وسهولة من خلال بعض التطبيقات، وبكبسة زر واحدة، وبأسعار معقولة جداً، ومختلف العناوين، سواء التي تقوم هي بطباعتها أو الكتب التي تصل إلى اليمن بأسعار غالية؛ بسبب حداثتها وجاذبيتها وموضوعاتها العصرية في شتى الفنون والآداب والتخصصات ومجالات العلوم، ومن هذه التطبيقات وأحدثها تطبيق "قرطاس".
وقد يفضل البعض الكتاب الورقي على الكتاب الإليكتروني لأسباب كثيرة تخص كل قارئ، وفي مقدمتها حميمية الكتاب الورقي، إلا أن الضرورات تبيح المحظورات، وخاصة أن العصر الذي نعيشه وما يليه هو عصر إليكتروني بكل المعاني.
قبل أيام تم نُشر عدد كبير من الكتب والدواوين الشعرية، التي تكفلت بها مؤسسة خاصة؛ رغم رداءة الطباعة والأغلفة إلا أن كثيراً من متون هذه الكتب هي توجه طائفي كامل، وعناوينها سلالية، ومع ذلك حضر وزير ثقافة صنعاء -كما نُشر- وظل لوقت طويل يشدد على الرقابة ثم الرقابة على طباعة الكتب، وهذا يؤكد على أن العقول العفاشية تم فرمتتها لتتناسب مع الوضع القائم، والأمر الواقع بكل أسف، فتم إلغاء الآخر، وتهميشهم، ودفنهم بكل الأحوال، في الوقت الذي تم فيه تحويل كل كوادر وزارة الثقافة إلى متسولين في الفعاليات، يبحثون عن الفتات بشكل مخزي.
ولكنهم يبدون عاجزين أمام تحولات الثقافة، وهذا الضخ العظيم، وتحولات العقل اليمني، وطرائقه الحداثية في التفكير، فلا يوجد قوة في العالم استطاعت أن تقف أمام أسباب الحياة العقلية، وتفكير الناس، وثمار ثقافاتهم، وقراءاتهم الواسعة.
وهنا في داخل اليمن، أيضاً، برزت دُور نشر عديدة تطبع الكتاب في أبهى صورة، وتقدمه للناس بجودة، لا تقل عن نظيراتها في الدول العربية والمتقدمة، مثل دار نشر "مواعيد" على سبيل المثال لا الحصر، وهناك دُور نشر كثيرة تعمل بصمت وجودة وإبداع.
لذلك، فإن محاولات إيقاف النهر الهادر للثقافة اليمنية، أو محاولة نشر الخوف، أو التخويف من صناعة الكتاب، وفرض وسائل رقابة متعددة، لم تعد مجدية أمام عالم مفتوح.
وكل محاولات تفخيخ المناهج، أيضا، لم تعد مجدية؛ لأن التثقيف لم يعد حكراً على المنهج المدرسي، فقد تفوقت الكثير من الوسائل والمنابر الإعلامية، فهناك قنوات على مدار الجزء من الثانية، وهناك الإنترنت، الذي شعاره "ثقف نفسك بنفسك"، وهناك سيل الأقمار الصناعية، ومن خلال كل ذلك نستطيع أن نقول إن "العقل اليمني في لحظة من اللحظات سنكتشف أنه ما زال بخير".