مقالات

مدوّنة استبدادية لتملّك الوظيفة العامة!!

12/11/2022, 15:30:31

في كل مرّة، يُقدم فيها الحوثيون على خطواتهم الأحادية لإدارة المناطق التي يسيطرون عليها وفق تصوّراتهم الأيديولوجية،  يحفّزون الجميع على رفض خطواتهم التي تشير إلى كونهم جماعة تجريفية؛ تريد تنميط المجتمع وحكمه وفق تصوّرات عقلية لا ترى أبعد من وعيها الخارج من بطون الكتب البالية، والتربية العصبوية التي تعمل خارج دواليب السياسة. 

بالأمس، أحدثوا تغيّرات جوهرية في مناهج التعليم الأساسي لتتماشى مع إستراتيجيتهم في بناء جيل ملقّن يعطّل عقله المتسائل، ويستبدله بوعي استسلامي يقبل كل ما تروّجه الماكينة الإعلامية للجماعة، وخطباؤها في الجوامع والدورات الثقافية والمعسكرات الصيفية، واليوم يطلقون "مدوّنة السلوك الوظيفي" للعاملين في قطاع الخدمة العامة من الموظفين المنقطعة مرتّباتهم، منذ سنوات طويلة، ويعملون بالسخرة تقريباً.

أول ما يثير الانتباه في "مدوّنة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة" طابعها الديني الصرف، فصارت في محتواها أقرب إلى خطبة دينية بالية منها إلى مدوّنة سلوكية تتحسس الآفاق الإبداعية في عالم الإدارة الحديث. 

وتبعاً لذلك حددت مرتكزاتها الأساسية، بعد القرآن الكريم والهدي النبوي، على: عهد الإمام علي لمالك الأشتر، ودروس ومحاضرات دينية، وخطابات ومحاضرات زعيم الجماعة، إلى جانب الهوية الإيمانية التي تحدد من خلالها المواطنين الصالحين من غيرهم وفقاً لولاءاتهم.

 الاعتسافات الكثيرة للنصوص القرآنية والأحاديث التي تظنّها الجماعة صحيحة الإسناد، في تعريف كل شاردة وواردة في محتوى المدوّنة، يجعل منها تخريجاً أحادياً لا يتجاوز وعي من أنتجه، ويدل على أنه لم يختلط بمنجز العصر ولا يؤمن به في الأصل، ولم يزل يعيش تفاعلات وصراعات القرن الهجري الأول، ويريد من الجميع الانتقال إليها.

 تدّخلها، عبر منصوصات المدوّنة، في خصوصيات الأفراد الدينية والتفتيش في نواياهم واحدة من الاستبدادات القاهرة، التي تمارسها الجماعة ضد المجتمع من خلال هذه الوثيقة، حينما اعتبرت الالتزام بالفرائض الدينية وتجسيد القيم الإيمانية واحدة من المسؤوليات الأساسية للموظفين العاملين في وحدات الخدمة العامة (ص21).           

 استوقفني رأي للصحفي أحمد الحاج، في صفحته على "فيس بوك"، عن هذه الجزئية حينما قال:

"عطفا على ما ورد بمدونة السلوك الوظيفي.. لا يجوز ولا يحق شرعا وقانونا، وكذلك وفقا للقوانين والمواثيق الدولية لأي كان التدخل وتوصيف شكل العلاقة بين الخالق وعباده.. ثم إن التدين والتقرب إلى الله أمر شخصي بين الشخص وخالقه.. أما دور الطرف الثالث يبقى في الإطار المدني، والممثل بالدولة، التي تنظّم العلاقات الدنيوية بين المواطنين وطالما أننا نعيش غياب الدولة، يجب بقاء أي اجتهاد بعيدا عن العلاقة بين الشخص وخالقه لأنها علاقة خاصة جدا جدا..."، وهو تكثيف بليغ للتعامل مع هذه الجزئية على سبيل المثال.

بالعود إلى بنود وفقرات المدوّنة سيلحظ القارئ في بند ضمانات تطبيقها (ص13) أنه ستتم المساءلة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب فيما يتعلق "بالالتزام من عدمه" بما جاء في المدوّنة، وإن جميع الموظفين وكذا المتقدمين لشغل وظائف جديدة، في سلك الخدمة العامة، ملزمون بتوقيع تعهد خطي يتمثل فيه الشخص المعني كل ما ورد فيها، ويُحفظ هذا التعهّد في ملف الموظف.

 وأهم هذه الالتزامات حمل الروح الثورية والمشاركة في إحياء المناسبات الدينية والوطنية (ص20)، التي تحددها الجماعة وفق أجندات خاصة، ومواقيت زمنية تحمل أبعاداً طائفية وسياسية تخصها وحدها دون غيرها من شرائح المجتمع.

لم تكتفِ الجماعة بذلك بل الزمت كل المنخرطين في سلك الوظيفة العامة تبنِّي مواقف الجماعة السياسي ضد خصومها السياسيين ومخالفيها المذهبيين حينما اعتبرت الالتزام بمبدأ الولاية (ص 21) من المسؤوليات العامة للموظفين، إلى جانب سعيهم المستمر للارتقاء الإيماني من خلال التفاعل الجاد مع الدورات الثقافية والبرامج التربوية (ص21)، التي تنظمها للمسؤولين والموظفين لتعريفهم بالهوية الإيمانية، التي بواسطتها تسعى خلق مجتمع مذعن، يتقبل كل خرافاتها في مسألة الحق الإلهي في السيطرة والحكم.

 جاء في الصفحة 29 من مدوّنة السلوك، وفي بند ضوابط التعامل مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يلي: "عدم الإدلاء لوسائل الإعلام أو النشر في وسائل التواصل الاجتماعي بأي معلومات أو تقديم أي وثائق، أو مستندات، أو التعليق، أو التصريح، أو المداخلة في أي مواضيع خاصة ذات علاقة بوحدات الخدمة العامة وتخالف التوجّه العام والمصلحة العليا للدولة"، وخلاصة ذلك أن على جميع الموظفين الإذعان والقبول بفساد مسيّري المؤسسات من متنفّذي الجماعة، وعدم فضح ممارساتهم التي تثبتها مستندات ووثائق، وإنَّ على الأفواه أن تغلق والألسن أن تخرس والأعين أن تغض عن أي تجاوزات في الوظيفة العامة في مسلك استبدادي فاضح.

وصل تغطرس الجماعة إلى توجيه رسالة للجميع مفادها أنها صارت تتملك الوظيفة العامة بأدوات قهرية شتّى - بعد أن كانت تشكو سابقاً من تجريف النظام السابق لملكيتها العامة وحصر مواقعها الحساسة بمواليه الكثر - وأنها بواسطة ضوابط المدوّنة ولوازمها ستعمل على التخلص من مخالفيها، وستحل بدلاً عنهم كتائب من الموالين، وعلى راسهم أولئك المتخرجون من الدورات الثقافية، وحسُن إيمانهم بفكر الجماعة ومشروعها الاستبدادي.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.