مقالات
من يوميات غزة
في مدينة الخراب، حيث الأيام تتناثر مثل حبات رملٍ،
يتسرب الزمن بين الأصابع كالماء، صامتًا، متحشرجًا،
وأقدام الناس الهائمة على طرقات هلكت تهمس:
"هنا، كل شيء يَذوي، وكل ذبولٍ هو أغنية خفية لحياةٍ أخرى."
بائع الخبز يتنفس شهيقه الأول والأخير عند الفجر،
يخرج من بابه الخشبي كأنه يفتح صدره للعالم،
يحمل قسوة يومه على كاهل مجبول بالرماد،
يبتسم كأن الرغيف نافذةٌ صغيرة لسماء وعدته أنها ستأتي،
يمرر الرغيف ساخنًا، كأن الحياة قد خُبزت لتُؤكل، وتُنسى.
تحت الشمس الحزينة، تجتمع النساء في زوايا باردة،
أصواتهن منخفضة، كما لو أنهن يهمسن للحصى المتناثر،
يمددن الغسيل فوق الحبال، أعلامًا مهشمة،
يعلقن عليه حكايات بيوتٍ انهارت، وأحلامٍ نسجت من بقاياها خيوط،
خيوطٌ تَسكن في نسيج أقمشة مهترئة، تنتظر الليل كي تنام.
وفي المساء، يعود الأطفال، يحملون أجسادهم المتعبة كقالونات،
في أيديهم قصصٌ عن شمسٍ خجولة غابت عن مدينتهم،
عن حجارة تُرمى على خيامهم كقصائد غير مكتملة،
عن نورٍ يأتي من بعيد، كأن الليل نفسه يتلو صلاة خافتة لهم:
"هذا هو الضوء، حافظوا عليه كأنه سرٌ، كأنه نجاة."
هنا، في المدينة المحطمة، كل حجرٍ هو شاهدٌ على صمتٍ لم يُروَ،
كل نافذةٍ تفتح على عالمها المشروخ،
تروي عن حياةٍ تتأرجح بين غفوة وصحوة،
وعن شمسٍ تستريح فقط في أحلام الصابرين.