مقالات

ميكيافيلية صنعاء.. العفو العام "عفو السيد على العبد"

11/10/2024, 06:52:09

في القرن السابع عشر، وفي العصور القديمة أيضًا، كي لا يغيب علينا القول بتشكل الفعل الحضاري ضارب العُمق في التاريخ، كان السياسيون مشغولين جدًا في هّم الحقوق والحُريات، وذلك من خلال تعريف ومناقشة العلاقة الكائنة بين كلٍّ من الفرد والدولة، التي بدورها أنتجت في آخر المطاف مفهومي "المواطن" كأساس لبناء الدولة المدنية و"المواطنة"، التي أصبحنا بعد انهيار الدول الديمقراطية في عالمنا العربي، لا نعرف عنها سوى التسمية، ونتعامل معها بمرثاة كجزء من أطلال وميراث الدول السياسية، التي انقضت إثر تقاسم المليشيات الطهرانية كيانات الدول عبر الوطن العربي في كلٍ من لبنان والعراق وسوريا واليمن.

في عالم اليوم، تختلف معاني هذه الأفكار، ويساء فهمها. ففي صنعاء، التي أسقطت فيها جماعة الحوثي الدولة، وأفرغتها من مفهومها السياسي لصالحها الخاص، تُعتبر المواطنة حالة ترف لا معنى لها في حياتنا كما هو "يمن اليوم "، وعلاقة الفرد -إن لم تكن محكومة ومتصلة بشخص "السيد" طاعة وخضوعًا وولاء- فهي غير ذات قيمة ومشبوهة، وعليه يكون هذا الفرد "اللا ولائي" غير معرف، إلا عن طريق التهم التي قد تُنسب إليه في لحظة بركانية ما، كما حدث أخيرًا.

تزامنًا مع الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، شنّ الحوثيون في صنعاء حملة اعتقالات واسعة لم يسلم منها المثقفون والناشطون وكُتاب الرأي، والحزبيون، كلٌّ في إطاره الأيديولوجي، ولا حتى الأطفال أنفسهم "حاملو العلم اليمني"،   الأمر الذي جعلني بين حقوق المواطن وواجباته أهرب من الأسئلة المعروفة أجوبتها البديهة؛ عن ما وراء الأسباب الرامية لحملة الاختطافات الواسعة، إلى التعليق الماس والضروري عن شوط آخر من مقايضتنا -نحن اليمنيين- حقوقنا.

في اللا دولة، الكيان غير الرسمي الملموس والمعترف به  من قِبل الشعب ثمة ما يكون هنالك متغيّرات شديدة العصف والتمزيق بالمجتمعات، تأتي هذه الحالة من اعتبار المجتمع "حظيرة إنسانية أقل درجة" وحيوانات "في حظيرة عنز يحكمها الأسد"، الراعي "الأسد / السيد"، له حق التصرف، ما لم تكن موالية له في ابتياعها، وذبحها أنَّى شاء.

إن لفظ "المشرف" في جماعة الحوثي -غير رنينه اللغوي- ينبهنا دومًا إلى أعلى هرمه، فالوساطة التي يمكن حدوثها لإخراج اليوم "سجين" ما، أو فلنقل صاحب قضية، أو البحث عن أيٍّ كان من الحقوق، كحق الوظيفة والراتب والرأي والعمل السياسي، لا تتم، في صنعاء، العاصمة المسجونة، ما لم تمر عن طريق الفلتر الذي هو "المشرف" الحوثي في الجماعة، أو بتصريح من "مكتب السيد".
ويملك هذا القرار، الذي أهمه قرار عبدالملك الحوثي على رأس الجماعة، رجال ثيوقراط حوثيون آخرون، قريبون، ومن السلالة ذاتها، إلى قائدهم.

أحال الأمر أعلاه المواطن اليمني، ومنذُ عام 2014م، حتى عامنا هذا 2024، للبحث عن مجموعة أسماء "مشرفين" للحصول على حقوقه، وربما زادت الكارثة إلى أن وصل الأمر بالبعض لدرجة مشاركتهم  السلطة، والانتساب لدوائرهم الحكومية، والالتزام بمدوّنة السلوك الوظيفي، والصرخة، ودخول دورات ثقافية، مرّة ومرّتين وثلاث إلخ..

كان اليوتيوبر المعروف يمنيًا وعربيًا "مصطفى المومري" قد وقع في السجن مرّتين، أنقذه في الأولى اتصال لاسلكي من قِبل محمد علي الحوثي، رغم مبالغة القضاء في التُّهم المنسوبة إليه، حتى ظنّ الجميع أنه لن يخرج، ثم أخرجه في الثانية هو وإلى جانبه "أحمد حجر وأحمد علاو وحمود المصباحي" عبدالملك الحوثي، وذلك تحت مسمى "العفو العام"، بعد أن أصدرت محكمة عليهم حكمًا بالسجن ثلاث سنوات، ردًا على مقاطع الفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، رغمًا عن التّهم المنسوبة إليهم، كتهمة التعاون مع التحالف في إثارة الفوضى في صنعاء، وقذف الوزراء والقُضاة خاصتهم.  

يُقرأ "العفو العام" شخصيًا كحالة استثنائية تتجاوز كل قانون، وكل حكم مستفتى به برلمانيًا، أو صادرًا قانونيًا من قِبل أي محكمة، فالعفو المقترن بشخصه، وهو عبدالملك الذي يفوق القانون، في اللا دولة، جزء مقدّس، لا يضمن استقلالية القضاء، ويحتكم كل من في الدولة - من قضاة
ووزراء وأعضاء نواب وقادة عسكريون- طوعًا وقسرًا له.

عرفت الوساطة في اليمن من القبيلة في عرفها وعقدها الاجتماعي التقليدي إلى مسألة الإمضاء في شبه الدولة اليمنية حالة من ضمان بعض الحقوق، وفك النزاعات وخلق التمايز، الذي يعتبر هذا الأخير "التمايز" الشكل السلبي منها، حتى جاء الحوثي، إلى الدولة، وأوجد له مسميات لوساطة ثيوقراطية وولائية، استخدمها لغرض هيمنته، وإنتاج الفوارق المجتمعية والدينية، والتمايزات العِرقية داخل المجتمع اليمني.

إن صنعاء اليوم مجموعة أسماء حاكمة، لرجال لا يتحدثون السياسة إلا عن طريق الدين، ويربطون ذلك بآيات قرآنية، ويرتهنون لقائد يرون أنه من غير الجدير، ومن المحرم تفسير القرآن لرجل غيره، وعليه يكتسبون مشروعية حكمهم من تعاليمه، وقداستهم باعتبار أنهم "رجال السيّد" أو "رجال الرجال"، و"أنصار الله"، و"المؤمنون"، و"أولياء الله"، وغيرها كثير من هذه التسميات المتعالية.

لا يعرف المواطن اليمني المغلوب على أمره، سياسيًا وقانونيًا، طريق الدولة، والأدهى أن البعض منهم يذهبون لمعرفة قائمة أسماء لم تكن في عهد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، التي تشارك بعض قياداته الحوثيين السلطة، ولذلك عدة أسباب؛ أهمهما أن القرار والتغيير تحكتره جماعة الحوثي، وليس أي أحد غيرها، مهما كانت العناوين السياسية من قبيل "حكومة الشراكة"، و"الحوثي وشركائه"، و"المؤتمر وشركائه"، وما إلى ذلك.

باختصار: تحاول جماعة الحوثي اليوم جاهدة لفت المواطن اليمني، وتقييده بالولاء عن طريق البحث عن "العفو العام"، و"مناشدة السيد"، و"الدورات الثقافية"؛
بحيث يغدو من السهل فهم أن طابع المنقذ البطل والرجل الأهم والأفضل، في علاقة غير تراجيدية بين المشرف والمواطن اليمني، حتى على مستوى الحارات والقرى "المجتمعات الضيّقة" الصغيرة، تكمن في طريقها، وتتجلى واضحة في شخص عبدالملك الحوثي، فهو نهج دائم يعمل على تضخيم سلالية ذاتها.

وتقابلنا سياستان، الأولى  ميكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة"، والأخرى "برجماتية"، يعمل بهما أي أحد طالما هو يريد الحصول على شيء في نفسه، وهذه هي أهم النقاط الحرجة للمليشيات التي تسمي نفسها "دولة"، التي من خلال ما توضحه علاقة الفرد بالسلطة الحوثية في طبيعة ما قبل حتى سياسية واجتماعية وإنسانية،

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.