مقالات
هنا بدأت رحلتي
أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.
الحياة هذه رحلة طويلة، مهما أدركنا أننا وصلنا؛ نجد أنفسنا أول الطريق. لقد خرجت عن المسار وذهبت بعيدًا في هذه الليلة اللطيفة.
غدًا أول يوم في الربيع، كل هذا وأنا أحاول الخروج من الأجواء التي صنعتها لنا الكاتبة Tülin Erkan
لقد صحبتنا عبر نصوص من كتابها إلى المطار، حيث يدور عملها الروائي "آكل العسل".
بدأت الفعالية عند الثامنة مساء، كانت مبتهجة بحضورنا، ودائما لم يكن مفاجئًا لها قدوم كاتب من بلد بعيد؛ فقد اعتادت على تعدد الأصوات في منزلها منذ أن كانت طفلة. سمعت الإنجليزية من جدتها، والفرنسية من والدتها، ثم التركية من والدها، وهو ما جعلها -كما تقول -تعيش التنوع على أكمل وجه، وهو ما أظهره إعلان قدومها إلى البلدة التي أعيش على مسافة منها.
حين كانت طفلة قال لها أحد معلميها: لابد أن تفعلي شيئًا بموهبتك في الكتابة، وها هي اليوم تفعل.
لم تعرف معنى كلماته إلا حين كبرت.
في طفولتي قال معلم حصة التعبير إنه لم يعد هناك درجات للتعبير في محصلة الطالب، بمعنى أن تعبيرنا كان مجرد كلمات لا قيمة لها نهاية العام الدراسي.
ذهبت درجات التعبير لصالح الإملاء فلا يهم أن تتحدث بشكل جيد، ولكن أن تكتب بشكل صحيح هو المهم.
قالت تولين: كوني متعددة الأوجه فذلك بمثابة ثروة؛ لأنه يسمح لي بمراقبة العالم من وجهات نظر مختلفة، وهذا أيضًا ما أود تحقيقه في كتاباتي.
قدمت شرحًا مفصّلًا لعملها وكانت هناك صورة.
تلك الصورة جعلتني أتذكر تفاصيل عدة، فموقع روايتها كان المطار، ونحن جميعًا نتداخل مع لحظات الوداع والترحيب، إنها -وفقا لتعريف مؤلفة Honeyeate -اللامكان، وأعتقد أنه تعريف دقيق
خاصة لمن يعيشون وضعًا مضطربًا، ولم يعرفوا بعد أي طريق يختارونه.
درست الكاتبة المطارات جيدًا، المفردات المستخدمة فيها، طريقة العمل فيها، القسوة، الحزم، البكاء، مشاعر المسافر، آمال المنتظر، لحظة الافتراق، وحميمية اللقاء.
يتنقل رأسي بين الأخبار المبهجة بهذا اللقاء وأخبار لا تبدو جيدة لي، ومع ذلك علي أن أمضي، ألّا أطيل النظر في المخاوف؛ فالطريق هو الطريق.
وكما كتبت تولين في إهداء نسخة من كتابها لي "هنا بدأت رحلتك".
وبينما يسافر أبطالها عبر المطارات، سافر بطل قصتي عبر قدميه مجتازًا وحول الطين وبروج الخوف ونجوم السماء. وهذا هو الفارق أيضًا، إذ لم يجد "رأفت" في كتابي ما وجدت "سيبيل" في كتاب تولين، لكننا جميعًا نروي حكاية السفر، الحكاية التي علقنا فيها وسنبقى فيها عالقين للأبد.