مقالات

ورحل القلم السهل الممتنع..

26/09/2024, 13:28:35

من الأقدار الغريبة أن يرحل الكاتب الفذ حسن عبد الوارث، يوم الخامس والعشرين من سبتمبر 2024، وصنعاء معجونة عجناً بل "اليمن كلها"، واليمنيون يحاولون القيام بما يتطلبه منهم أضعف الإيمان؛ وهو استذكار ثورتهم التي تحاول قوى الظلام والرجعية والكهنوت سلبهم إياها بكل خفة وتحدٍ وغطرسة وبلطجة.

كل عام يحاول اليمنيون إثبات إيمانهم بثورتهم، التي نقلتهم إلى المستقبل، في الوقت الذي مرت عشر سنوات على إعادة قوى الظلام إياهم إلى الإمامة بكل وجهها البشع من الفقر والظلم والجوع.

لقد كان حسن عبد الوارث، منذ أيام، في غيبوبة، لكنه قد عاش وكتب وعبّر عن هذه اللحظات هنا في هذا الموقع بقلمه الفاتن والساخر والعميق وثقافته الواسعة، التي بدأت من فجر الشباب وحتى الرحيل المؤلم  يوم أمس.

لا شك ولا تشكيك في أن موهبته الفذة، وتاريخه الطويل مع عتاولة القيادات الاشتراكية المثقفة، قد جعلا منه مطّلعا على أدق تفاصيل التجربة الاشتراكية في الجنوب، وفداحة الثمن المدفوع.

ومنذ ما بعد الوحدة، انتقل إلى صنعاء، وأدار صحيفة "الوحدة"، التي كان لها جمهورها الواسع في عهده؛ بسبب الحضور النوعي للأقلام المخضرمة، وتبنيه كثيرا من المواهب الواعدة، الذين يدينون له بفضل تقديمهم والأخذ بيدهم إلى سُلم الصحافة درجة درجة، حتى تمكنوا من مهنة الكتابة وخوض غمار ربة الصون والعفاف (الصحافة) بكل فنونها.

وفي الحقيقة، لا أكتب هذا عن علم عميق بتفاصيل حياة حسن عبد الوارث  الإبداعية والصحفية والمهنية، فلا شك أن هناك أقلاما أقدر منا على ذلك، ولكننا هنا نكتب -كقُراء ومهتمين ومحبين، وما أكثرهم- لهذا الإنسان المبدع والموهوب، الذي تحول إلى مدرسة صحفية لها طريقتها الخاصة وشخصيتها القوية في كتابة العمود، وهو أحد الفنون الصحفية المهمة، ولعل الصحافة قد أخذت حسن عبد الوارث من الأدب والنقد والشعر.

ولقد ألِف صنعاء وألفته، وأحبها بصدق، وناسبه هواؤها وفصولها بكل تقلباتها، التقيت به -قبل فترة- في بيت الثقافة، وتبادلنا أطراف الحديث حول الحياة في صنعاء وعدن، فتحدث بصراحة عن فقدانه الأمل بعودة عدن، التي أحبها ونشأ فيها، وصدمته مما وصلت إليه، وأنه يعتقد بأن عودته إلى عدن أصبحت مستحيلة، وقد ذاق لذاذة العيش في صنعاء، رغم كل المنغّصات.

رحل حسن ومازال كائنا مستأجِرا مثل كثيرين غيره من الذين أدركتهم حِرفة الأدب، ولم يحجز لنفسه ثروة أو بقعة أو بيتا، ولم يستغل بداية سنوات الوحدة، التي أُثرى فيها الكثيرون من القادمين من الجنوب، ما عدا حسن، وتبادلنا هموم السكن بالإيجار، وتمنّى لو أنه يجد نفسه في بيت يمتلكه ليطمئن على أولاده، وأن ينام أو يموت مطمئنا في بيته، ومن بيته إلى القبر، يا له من حلم متواضع يحسده عليه الكثيرون من السائرين على خطى الحرف والكلمة.

تابعت كتاباته هنا في "بلقيس" بكل شغف، وانبهرت بطريقة دخوله في الموضوع وخروجه منه، وكثافة السخرية المريرة التي ينضح بها في كتاباته، واصطحبنا إلى صنوف وألوان الثقافة بمختلف اتجاهاتها وأربابها؛ مازجا لها مع روح النكتة السياسية، وقدرته الفذة على رسم ابتسامة عريضة مع كل موضوع يتفنن في أساليب التشويق والعرض والتكثيف اللغوي.

نتمنَّى أن نجد كتابات منصفة وعميقة حول هذا المبدع، الذي رحل في غمرة سكرتنا ب26 سبتمبر، ففقدنا نشوتنا، وسحر هذه الثورة العظيمة التي يدين لها كل اليمنيين، الذين أصبحوا فيما هم عليه قبل أن يتوقف الزمن، وتُبَنشر عجلة التاريخ بفعل مسمار الواحد والعشرين (النكبة).

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.