مقالات
يتطهَّرون بدمائهم
قليلة - بل نادرة - هي المرات التي عجزتُ فيها عن الكتابة في أمرٍ ما، مثل ما حدث لي في الأسبوع الماضي، لحظة قرأت خبر اغتيال الصحفية الشابة الحامل في شهرها التاسع.
وزاد الأمر فداحة ما نُشر مع الخبر من صور للشهيدة وزوجها وابنهما الصغير في لحظات بهجة فائضة.
لعمري إذا فاضت البهجة لدى امرئٍ في هذا البلد، فهو النذير المُستطير!
ويزداد الوجع حين تعرف أن الشهيدة كانت في طريقها إلى حيث كان يجب أن تلد جنينها.
لستُ أدري من ذا الذي يُمكنه أن ينجو من اغتيال أو انفجار في عدن؟ فالجميع ثمة في هذه المدينة الحزينة مرشح للقيد على قائمة الموت، حتى الشحاذ على قارعة الطريق والجنين في رحم أُمه.
والحق أن هذه الفجيعة لا تقتصر اليوم على عدن وحدها، بل اليمن كلها صارت هدفاً يومياً مباشراً للموت، بسبب أو بدونه، حتى في غياهب البحر تطاولت يد الموت حتى بلغت نحر الصياد في هذي البلاد.
وقد صار جميع الأطراف المتقاتلة في اليمن - محلية وخارجية - رموزاً للقتل لا القتال فحسب، إذْ ليس مهماً تحت أيّ بند تُقتل، ولأيّ سبب، وبأيدي مَن بالتحديد، فطالما أنك يمني - أو بالأصح مقيم في اليمن- فأنت مقتول لا محالة.. ومن دون قبر غالباً.
...
إن قتلانا منذ 2011 - بل ما قبلها ببضع سنين - ثم بوتيرة أعلى منذ 2014، على أيدينا أنفسنا، قد تجاوزوا قتلانا على أيدي عساكر بريطانيا وتركيا والبرتغال.. ونحن نقتلنا بنشوة وحماسة تفوق نظيرتها في قتلنا الغازي الأجنبي.. ولا أدري السرّ الكامن وراء هذه الظاهرة الفادحة.. لاسيما أننا تجاوزنا حدود الحقارة والخسّة باقترافنا قتل الأسرى من أخوتنا، في الوقت الذي نُكرّم ونُعزّز الأسرى الأجانب ونسلّمهم إلى دولهم زائدي الوزن!
واليوم يخُيم الموت في كل بيت، ويُقيم الحزن في كل قلب، ويهيم القتل في دروبنا دون تمييز أو تحذير.
وليس بالضرورة أن تكون سياسياً أو صحفياً أو ناشطاً شعبوياً أو نخبوياً، بل المهم أن تكون يمنياً فقط ليس إلاَّ، كي تكون مرشحاً للقتل لحظة خروجك من المنزل، بل من الحمَّام.
فكُن على وضوء وطهارة طوال الوقت حتى تقابل وجه ربك الكريم وأنت طاهر، برغم أن دمك سيطهرك إلى الأبد.