مقالات

اجترار الإبداع والحرب على الموسيقى..!

09/11/2025, 18:02:20

قد نختلف مع الكثيرين حول هويتنا الفنية اليوم، إذ تبدو هوية ممزقة كما هو حال اليمن في ظل الحرب والكهنوتية.

الفن والطرب والألحان تجمع الناس في كل الأزمنة، وفي كل بلاد ما عدا اليمن.

منذ سنوات طويلة، توقّف الإبداع الشعري والموسيقي والصوتي، فأصبحنا نعيش على ماضينا الخالد أو على ما يقدمه المقلِّدون، وما أكثرهم.

المواهب ما زالت تتوالد وتتواجد، سواء على مستوى العزف أو الصوت، لكن يبقى اللحن هو المعضلة الكبيرة التي تدفع كل المواهب إلى التقليد والانضمام إلى حفلات وقاعات الأعراس التي تدر دخلًا ممتازًا، ويكفي أن تكون مقلدًا.

فأولاد علي عبدالله السمة -على سبيل المثال- لديهم مواهب، ولكنهم اكتفوا بتقليد الموروث الفني لأبيهم، وأصبحوا رواد صالات الأعراس والمخادر.

لم يحاول أحدٌ منهم التحرر من التقليد والتبعية، ليس في أعماقهم الطموح الذي يصقل شخصياتهم ويجعلهم مبدعين ولهم أسلوبهم الخاص، لذلك بقوا وسيبقون سجناء لإبداع والدهم حتى الموت.

وإذا كنا سننجر إلى ضرب الأمثلة فهي كثيرة، ولن ننتهي من المقال على أية حال.

ولكن سنكتفي هنا برصد بعض الأسماء التي تقلد أيوب طارش، ولم تستطع أن تكون لها أسلوبها الخاص.

بعضهم يجيدون العزف إلى أبعد الحدود؛ مثل وليد الحكيمي الذي اكتفى بالأعراس في إب، والعيش على ما تركه أيوب والسمة والآنسي وغيرهم.

هناك أيضًا شاب اسمه محمد الصلوي عاش زمنًا طويلًا وما زال عالة على فن وأسلوب أيوب، ويتقاضى مبالغ كبيرة قتلت حاضره ومستقبله.

في الوطن العربي هناك بعض المطربين يقلِّدون غيرهم، لكن من خلال عدد محدود من الأغاني، لكن في بلادنا بسبب تعقيدات الحقوق الفكرية نشاهد بعضهم يقلد، ويقدّم كل ما قدّمه أيوب طارش دون حياء أو خجل، على سبيل المثال الآنسي أو السمة أو الحارثي… إلخ.

هؤلاء بمجرد تقليدهم لمطرب يغرقون في التقليد إلى درجة أنهم لم يستطيعوا المغادرة، وعاجزون عن أن يكون لهم أسلوبهم الخاص، مكتفين بتقديم ما يجيدونه من تقليد في الأعراس والمخادر، وهم يجنون أرباحًا طائلة بسبب ذلك.

والمثير للدهشة أن هذا التقليد قتل الروح المبدعة لديهم، وقتل أي طموح مستقبلي، وبذلك انعكس كل ذلك على الكلمة والأغنية الشاعرة، وعلى اللحن والصوت، وهذا يؤكد الفقر الإبداعي الطربي في المجتمع اليمني في الوقت الحاضر، إضافة إلى ما سببته الحرب من انعكاسات سلبية على الشعر واللحن والغناء والثقافة عمومًا.

لقد عاش فؤاد الكبسي، صاحب الصوت الجميل والوجه الوسيم، الذي نشأ في بيئة فنية صنعانية حد الثمالة، عالة على موروث الفنان علي الآنسي وألحانه وغيره.

وما زال المقلدون يتناسلون بدون حياء أو خجل من مبدعي الشعر والألحان وأرباب الغناء اليمنيين الذين أثبتوا مواهبهم وتعاملوا مع الشعراء والملحنين، وصارت أسماؤهم تُكتب بماء الذهب في سفر الفن والطرب اليمني الخالد.

المطرب الموهوب العاجز عن الطموح ودراسة ما ينقصه سواء في الموسيقى أو المقامات، عليه أن يتوقف قليلًا مع تجربته المتواضعة ويطرح على نفسه عددًا من التساؤلات:
هل هذا ما يريده فقط، مجرد التقليد وتوظيف ما يقلده في المخادر والأعراس، والحصول على تلك المبالغ التي تجعله ثريًّا وليس فنانًا؟

في الحقيقة برزت نماذج شعبية استطاعت التعامل مع شعراء شعبيين، ووظفت الفنون الشعبية والألحان مع مواهبها وحققت نجاحات أكثر من بعض أصحاب المواهب الحقيقية الذين قتلوها بالتقليد.

لقد حاولنا هنا الالتفات إلى بعض نماذج المقلدين، ولكن هذا لا يمنع أن الظروف السياسية الحالية استطاعت قتل كل المواهب، وإلغاء الغناء من مخيلة اليمنيين، واستبداله بزوامل همجية تمجد الدم والحرب والقتل والدمار، وتحارب العلم والمعرفة والفن الذي يرتقي بالنفوس والأرواح والمشاعر.

ولذلك، طوال السنوات السابقة، عشنا لحظات عصيبة مع أعداء الفن والحياة والموسيقى، وما زلنا، ويؤسفنا أننا سنظل كذلك ما لم نتحرر من التقليد ونحاول خلق أساليبنا الخاصة التي تميّزنا عمّن سبقنا، ومن سيأتي بعدنا.

 

مقالات

ممدوح الحميري.. المدينة والصبر والمعنى

الصبر عند ممدوح الحميري كان حياة كاملة. حمل آلامه وأوجاعه بصمت، واستمر في الحركة والعمل رغم كل الصعاب. مرضه لم يمنعه من الحضور الدائم والوقوف مع الناس وفيهم، لم يظهر ضعفًا، وظل حاضرًا في منابر المساجد والأزقة والجبهات، يذكرنا بحاجة الحياة إلى الثبات.

مقالات

رحلتي الجهنمية إلى عدن - ٢- (سيرة ذاتية -٢١-)

عند وصولنا آخر منحدر في "نقيل سُمارة" اصطدمت سيارتنا بسيارة بيجو قادمة من أسفل النقيل، ولا أذكر ما الذي حدث بعد ذلك. أذكر فقط أنني وجدت نفسي راقدًا فوق سرير في مستشفى بمدينة إب، وكل عضو من أعضاء جسدي يكاد يصرخ من شدة الألم.

مقالات

الهارب من الجحيم متهم في المخا

في المخا تُعامَل كلّ نفسٍ هاربةٍ من بطش الميليشيا كما لو أنها خيانةٌ تمشي على قدمين. وكأنّ النجاة من الجحيم أصبحت جرمًا يستوجب العقاب، لا حقًّا من حقوق الإنسان والوطن. بيدَ أنَّ من أبسط مقوّمات الانتماء أن يُتاح لليمني أن يعود إلى حضن أرضه، مهما تلطّخ ماضيه بظلال الخديعة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.