مقالات

الإرهاب وفلسطين

31/10/2023, 10:47:22

ليست هناك مفردة راعبة وواضحة المعاني والدلالات كالإرهاب، ومع ذلك، عجزت الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن التوافق على تعريف قانوني جامع مانع لهذه المفردة، وفعلها الشنيع المريع.

المفردة شائعة الاستعمال، شديدة الخطورة والضرر، وأكثر شيوعًا وإرعابًا في حياة الأمم والشعوب والجماعات والأفراد في عصرنا. مصدر تلكؤ الدول الكبرى؛ كونها الأكثر إرهابًا، والأقوى طغيانًا وتجبرًا ونشرًا للإرهاب في كل بقاع الأرض، ووضع الأمم والشعوب تحت تهديدها الدائم. سيطرتها الكلية على وسائل الاتصال والإعلام تمكِّنها من إلصاق التهمة بضحايا إرهابها.

لنأخذ مثلاً واحدًا القضية الفلسطينية: شعب عربي احتلت إسرائيل جزءًا من أرضه في 1948، وأقامت دولة اغتصاب قائمة على الفصل العنصري، والتمييز العرقي، والحرب المستدامة ضد فلسطين، والدول العربية المجاورة. حركات التحرر الوطنية، قومية أو يسارية أو إسلامية، تُتهم بالإرهاب، وتوظف وسائل الاتصال، ومكنات الإعلام بالغة القدرة لتسويق التهمة، وفرضها.

فحركة تحرير فلسطين (فتح) إرهابية، والجبهة الشعبية إرهابية، والمقاومة الإسلامية حماس إرهابية، وكل الفلسطينيين إرهابيون منكور وجودهم، بل كل حركات التحرر الوطني العالمي إرهابية. الشعب الفلسطيني كله حيوانات بشرية. الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت. الإرهاب معروف جيدًا مهما تعددت معانيه وماصدقاته وشموله.

قد يفسر الإرهاب بالإكراه، والفعل العنيف، والتخويف بمختلف صوره وأشكاله، والتهديد أيًا يكن مصدره، والإقلاق من أي نوع... و...و إلخ، لكن احتلال أراضي الغير، وشن حرب إبادة ضده، هي أبشع معاني الإرهاب.

الأنظمة العربية ضد شعوبها، ومنذ القرن السابع عشر وحتى اليوم وإلى ما شاء الله، كان الاستعمار القديم والجديد هو أرقى أشكال الإرهاب، وهو إرهاب ضد الأمم والشعوب والجماعات والأفراد، وإذا كان الاستعمار جريمة الجرائم؛ فإن الاستعمار الاستيطاني هو الأكثر إجرامًا وتقتيلاً للشعب المستعمر- بفتح الميم-. شيء رعيب عندما يتحول الضحية إلى جلاد.

اليهود الذين عانوا القمع والإرهاب والإهانة حد الإذلال في أوروبا والغربية تحديدًا، وصلت إلى مجزرة الهولوكست على يد هتلر في الحرب العالمية الثانية. كان اليهود رمزًا للجشع والربا وعبادة المال، كما عند ماركس في كتيبه (المسألة اليهودية)، وأنموذج شيلوك عند شكسبير. يشير المفكر الفيلسوف اسبينوزا، وهو من أصل يهودي شأن ماركس، إلى تعرض اليهود للبغض الشامل بانقطاعهم كليًا عن الشعوب الأخرى، وعداوة الآخرين. خير ملك إسبانيا اليهود بين قبول ديانته أو النفي، وكان النفي، أما في البرتغال، فرغم القبول بالتحول فعلاً إلى المسيحية، فقد بقيت معاناتهم وعزلهم.

إسحاق دويتشر - أحد أهم تلاميذ تروتسكي، وهما يهوديان، وكلاهما ماركسي- يعالج في كتابه (اليهودي اللايهودي)، ويتساءل من هو اليهودي؟ ويقول: إن مجرد الحاجة إلى طرح سؤال مَنْ هو اليهودي يبعث في النفس شعورًا غريبًا بأنني على وشك أن أناقش أحد المواضيع المتداولة في عدد كبير من الروايات من كافكا، إلى ينجل دنس: هويات مفقودة، أو أناس يصعب تحديد هويتهم. ويشير: "لم يكن من قبيل المصادفة أن تتخذ صورة اليهودي في ذهن المسيحي شكلاً رمزيًا مثل شيلوك، أو فاجين ذلك الرمز الذي يظهر في الأدب العالمي في روايات وترجمات عديدة.

وحقًا، فإن الآداب العالمية لكبار روائيي العالم رسموا صورة للرمز اليهودي مسيئة. لقد عانى اليهود كعقيدة وجنس من القمع والاضطهاد في مختلف المناطق التي وجدوا فيها، وبالأخص في أوروبا، وحتى في البلدان العربية. كانت النظرة الدونية، والانتقاص موجودة، وتعرضوا للترحيل في مراحل مختلفة في اليمن، ولكن ما حصل في البلدان العربية لا يقارن بحال بما تعرضوا له في أوروبا- هذه البلدان التي تدعم قمعهم وإرهابهم الفاشي للشعب الفلسطيني.

في كتاب إسحاق دويتشر، وهو لا يخفي التعاطف مع اليهود ضد القمع والزراية في أوروبا والاتحاد السوفيتي وروسيا القيصرية. يتناول قصة الهولوكست. يقول بالحرف ص 32: "وإنها لمأساة حقيقية مروعة أن يكون هتلر هو أكبر مجدد- والتشديد له- للهوية اليهودية. وهذه تعتبر أصغر الانتصارات التي حققها بعد موته.

لقد كانت مذبحة أوستويتز بمثابة السرير الهزاز والمرعب للوعي اليهودي الجديد، وللأمة اليهودية الجديدة. وإنه لأمر غريب مؤلم أن يفكر أولئك الذين أكدوا على اليهودية وبقائها بأن إبادة ستة ملايين يهودي قد أعطت الحياة لليهودية.

لقد كنت أفضل أن تهلك اليهودية مقابل أن يحيا ستة ملايين رجل وامرأة وطفل؛ فمن رماد الموتى أطلت العنقاء اليهودية فيا له من انبعاث!".. انتهى النص.
ويتوقع أن تؤدي انتصارات إسرائيل المتكررة إلى نهاية إسرائيل، مقارنًا بين مذابحها ضد الفلسطينيين والعرب بانتصارات هتلر.

ويقينًا، لقد تقمصت روح هتلر قادة إسرائيل من اليمين واليسار. ويخلقون من مذابح النازي نهجًا لمذابحهم ضد الفلسطينيين، مضيفين إلى مذابح النازي والجرائم الاستعمارية لأمريكا في الفيتنام واليابان في كوريا، والصين، وفرنسا في الجزائر وأفريقيا وجرائم بريطانيا في العديد من بلدان العالم، مستعيدين تجارب الاستعمار الأوروبي، وحكم البيض في جنوب أفريقيا، وجرائم بلجيكا في غينيا.

في الحرب الحالية على فلسطين - كل فلسطين- وليس على غزة فقط، تتجاوز جرائم الحرب إلى الإبادة، وإفناء الحياة. أمريكا وأوروبا الاستعمارية تتشارك مع إسرائيل في كل الجرائم- حرب الإبادة، وتدمير المدن والقرى الفلسطينية، وتقتيل الشعب وطرده من أرضه، وذلكم أبشع صور الإرهاب. الموقف العربي الرسمي مخذول من ألفه إلى يائه.

قال أحد الرؤساء الأمريكان: إنه التقى بالعديد من الملوك ورؤساء العرب، ولم يكلمه أحد عن القضية الفلسطينية. ليس مطلوبًا من أصدقاء أمريكا وأوروبا من الحكام العرب أن يعلنوا الحرب، ولا بقطع العلاقات معهم، أو يعيدوا النظر في التطبيع؛ فذلك فوق قدرتهم، فهل يمتلكون الشجاعة ليطلبوا من أمريكا وأوروبا أن يراعوا حرج موقفهم مع شعوبهم وأمتهم والمخاطر التي تتهددهم؟  

حرب 1948، 1967 أشعلت المنطقة كلها، وأيقظت الأمة 1952 في مصر، والثورات الوطنية في سوريا، والعراق، وتحرير الجزائر، وسبتمبر وأكتوبر في اليمن، ونشأة وازدهار التيارات القومية والماركسية، وحركات التحرر الوطني الفلسطيني: فتح، والجبهة الشعبية، وعشرات المنظمات والأحزاب ممن كانت قضيتها الأولى والمركزية تحرير فلسطين.

 تختزل الحرب وكأنها بين إسرائيل وحماس، أو بين إسرائيل وغزة، وإنما هي ضد الشعب الفلسطيني كقضية احتلال استيطاني، ونظام فصل عنصري، وإصرار على تهجير ما تبقى في الضفة والقطاع إلى مصر والأردن، وتوزيعهم على الدول التابعة. قادة الدول العربية المعادين لشعوبهم وأمتهم لا يدركون عمق الترابط المصيري بين الأمة؛ فحرق البو عزيزي نفسه في شارع من شوارع تونس؛ أشعل المنطقة كلها.

لم تبدأ الحرب في الـ7 من أكتوبر، وإنما هي قائمة وممتدة منذ 1948، والكوبتسات قواعد أساسية للاحتلال، وهي منظمات عسكرية وأمنية. إسرائيل الدولة الوحيدة التي أنشأها قرار أممي، وتزدري الأمم المتحدة ومجلس الأمن، رافضةً القرارات الأممية، وكأنها دولة فوق القانون، أما مصدر عدوانيتها، فدعم القطب الوحيد، وأوروبا. هم قادة الجيش استعادة خرافة الجيش الذي لا يقهر، وهم نتنياهو الخلاص من مسؤولية الفشل، وتحرص أمريكا على تحقيق الانتصار في واحدة من أهم معارك القطب الواحد، والسيطرة على المنطقة.

حرب غزة والضفة إبادة جماعية، وانتقام جماعي، كما أن التشارك الأمريكي والأوروبي جريمة حرب، والخذلان والغضب الرسمي العربي يرقى إلى الهوان، ويدمغ الديمقراطيات الغربية، ويفضح الديمقراطي والجمهوري الأمريكيان اللذان يختلفان على كل شيء، ويتفقان على حماية نظام الفصل العنصري في إسرائيل. يقتل كل يوم ما يقرب من ألف غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين، وتدمر غزة ويمنع منها الماء والغذاء والدواء والوقود، وكلها جرائم حرب وضد الإنسانية، وترقى إلى الإبادة.

تدمير المدن في الضفة والقطاع، وتشريد السكان، وقطع وسائل الاتصالات، ومصادرة حرية الرأي، وقتل الصحفيين، كلها جرائم حرب في القانون الإنساني، واتفاقية جنيف، ونظام روما الأساسي. الـ7 من أكتوبر، وأخذ الأسرى من عسقلان وأشدود، لا يعني إرهاباً في ظل الحصار والحرب، وحماس حركة تحرر وطني كما وصفها الرئيس التركي.
حرب الإبادة ضد الفلسطينيين كشفت سوأة الديمقراطيات في أمريكا وأوروبا، ودللت أن الفاشية والنازية لم تمت، وأن الإعلام الغربي بالغ القدرة ليس بعيدًا عن الأنظمة.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.