مقالات

الأسود يليقُ بنا

07/05/2023, 06:21:54

خلال الأعوام الثمانية الماضية، تسطَّرت في أكُفِّ الكثيرين الكثير من الخطوط السوداء، وتبعثرت في أرواحهم الكثير من الخيوط السوداء، ونُحِتَ في صلصالهم الكثير من الوجع الأسود.

لقد صار الأسود يليقُ بنا، كما قالت بنت الحاج مستغانمي.

خلال أعوام ثمانية فقط!، تلك الكمية من السواد تحتاج الشعوب الأخرى لأعوام ثمانين أو ثمانمائة، كي ترى ما رأيناه - نحن - خلال أعوامنا الثمانية، وتعيش ما عشناه، وتعرف ما عرفناه. 

المعرفة لا تحتاج إلى سلام فقط، لا تحتاج إلى سلام قط. كي تتحقق المعرفة الحق، نحتاج إلى حرب وجوع وخوف وحُكّام خبراء في لغة الإشارة وطباع الضباع.

سألني بعض أصدقائي المُقيمين في بعض بلاد العالم الحُر، عمّا يُجبرني على البقاء في وطن تكتنفه المآسي والمظالم و الويلات؟

أجبتهم بأنني أدمنت الحلم بالحرية والعدل والأمان، من دون أمل في أن يتحقق هذا الحلم!

أن تُدمن الحلم المستحيل، خيرٌ ألف مرة من تحقيقه. فإذا تحقّق هذا الحلم، ستضطر إلى الهث وراء حلم آخر، سيكون - هو الآخر - مستحيلاً أيضاً. فالإدمان على الأحلام المستحيلة مرض يستعصي علاجه. وهذا وطن يعاني كثيراً من تفشّي الإصابة بهذا المرض.

.

.

خلال الأعوام الثمانية الماضية، وجدتُ ستة من أساتذتي، إما يموتون بالسكتة القلبية أو الدماغية، وإما ينكسرون عميقاً في أغوارهم النفسية أو العصبية، وإما يشحذون في الطرقات أو المقاهي أو على موائد اللئام.

أحد أساتذتي - كان من أوائل خريجي الصين يومها - نزيل أصيل في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، تجده مُحدّقاً مبتسماً دائماً لجدران الغرفة التي يقيم فيها منذ عدة سنوات، قال لي زميله الحميم في الغرفة إنه يبدو سعيداً جداً، لولا أنه دائماً ما يتهم هند رستم بأنها خانته مع شكري سرحان، وآخرين لم يعد يتذكّر أسماءهم.

قلت لزميله ذاك: إن ذلك أهون كثيراً من واحد صاحب قديم ظل لزمنٍ طويل يتهم ميخائيل جورباتشوف بأنه خان الاشتراكية العلمية مع رونالد ريجان.

نحن - اليمنيين - خاننا كثيرون مع كثيرين. خاننا حُكّامنا مع آخرين، أغلبهم حُكّام دول شقيقة وجارة وصديقة. وخانونا مع أفكار دخيلة وأموال دنيئة ومخططات حقيرة. وخاننا رفاقنا وزملاؤنا وأهلنا وناسنا لمجرد الرغبة في الخيانة. 

في هذي البلاد للخيانة طعم لذيذ ونكهة مميزة، المهم أن تُجيد ممارستها بطريقة احترافية!

.

.

خلال الأعوام الثمانية الماضية، وحتى هذه اللحظة، لا يزال الآسود يليق بنا، كما قالت بنت الحاج مستغانمي.

ثمة أُناس يحكوننا، لم يقرأوا أية رواية لأحلام بنت الحاج، لكنهم معجبون جداً بعنوان روايتها هذا. ولهذا يُطبقونه - حرفياً - على حياتنا اليومية، ليس في السياسة فقط، إنما في كل شيء.

ذات يوم بعيد، قال جدّي القديم العظيم -الذي لم أعد أتذكّر اسمه ولا رقم موبايله-:

- ثلاثة ما لهم أمان: البحر.. السلطان.. والزمان.

وهو لو عاش إلى اليوم لأدرك أن لا أمان - في هذا اليمان وفي هذا الزمان - لأشياء أخرى كثيرة أيضاً.

أما البحر فلا أمان له في كل زمان ومكان، ولهذا ينزل أبناء جدّي وأحفاده إلى البحر - حتى هذا اليوم - وكل واحد فيهم يتمنطق بجنبية.

وأما السلطان، فالله جلّ جلاله - زات نفسو - قد حطّ من السلطان في مُحكم كتابه، أ كان دخل قرية أو دخل العاصمة، أ كان دخلها على صهوة فرس مُلجمَة أو على متن دبابة مُطهّمة.

وقال سقراط يوماً، أو ربما القائل كان علي حيرو، لا أتذكّر بالضبط أيّهما: اللي ما يجي بعصا موسى، با يجي بعصا فرعون.

مقالات

اغتصاب مدينة!

للمدينة ذاكرة لا تمحو ولا تُمحى؛ ذاكرة المكان والزمان والناس والأشياء والمشاعر والألسنة.

مقالات

الرؤية الرومانسية للمصير...!

"يبدو المجال واسعًا لدراسة الشعر الذي ارتبط بالمصير الإنساني، والتعرف على وجود رومانسيته باعتبار الموت أحياناً يكون ملاذاً آمناً أكثر من الحياة، وهو ما أثبتته الحروب والصراعات والأمراض اليوم، وكما قال المتنبي: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكُنَّ أمانيا".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.