مقالات

"الإيمان والتاريخ"

11/04/2025, 16:52:33
بقلم : زهير علي

يتوجَّب علينا في تعاطينا مع التاريخ أن ندرسه ولا نقدّسه، فالأحداث التاريخية عموماً، والتاريخ بوصفه علما، لا يمكن أن يمدنا سوى بمعلومات وتصوّرات نسبية، أي جزئيات لا تُشكّل في حدٍِ ذاتها ما يمكن أن نطلق عليه مسمى "الحقيقة"، فهو يُتيح لنا معرفة نسبية لا تتضمّن اليقين القطعي، وشأنه في هذا شأن كل العلوم والظواهر الإنسانية والاجتماعية، فما بالكم حين تكون الظاهرة التاريخية التي نتناولها، غير مؤيدة بأدلة مادية وتاريخية كافية لتأكيدها، لا من حيث النقوش والآثار، ولا النصوص التاريخية المكتوبة، وأعني هنا تفاصيل السيرة النبوية وعصر الخلفاء من بعد النبي، وحتى العصر العباسي الذي بدأ فيه التدوين في تجربتنا العربية.

ولا أقصد هنا نفي جزء أساسي من تاريخنا العربي - الإسلامي، فهذا الإدعاء محض هُراء، وتحيّز إيديولوجي فج من قِبل البعض، و لا يقبل به عاقل أو باحث جاد، ولا دليل يؤيده، فهذا التاريخ جزء أساسي من سرديتنا وقصتنا، التي تتضمن تفاصيل وحبكة منطقية لا يمكن تجاهلها، ومن الصعب النظر إليها بهذا الاستخفاف، خاصة وأن كل فِرق الإسلام واتجاهاته، وورثة قصته يتفقون على الخطوط العريضة لقصته، كما أنها مرحلة لها أثر تكويني فينا لا يمكن أن يأتي من لا شيء، ويستطيع أن يلمسها ابن الحضارة العربية أكثر من الدارس الغريب الذي قد لا يهتم سوى بنقش هنا أو عُملة معدنية هناك قد تحمل دلالات مختلفة، ويترك أي دليل آخر، فضلاً عن ما قد يملكه من تحيّزات، ربّما تجعله يقرأنا كجزء شذ عنهم فقط، مثل أولئك الذين يرون أن تاريخ الإسلام المبكر ليس سوى تاريخ هرطقة مسيحية فقط!، وأن محمداً وخلفاءه، بمن فيهم معاوية، كانوا مسيحيين مهرطقين!!

فضلاً عن الأدلة التاريخية الواضحة حتى من خارج السياق العربي، التي يمكن أن يجد فيها المهتمون بحق مصادر تاريخية غربية مسيحية ذكرت النبي محمد، وبعض الخلفاء، بمن فيهم معاوية أيضاًً كأحد قادة الإسلام، ومنها مصدران يعودان إلى القرن السابع الميلادي، وهي مصادر متزامنة إلى حد كبير مع تلك الفترة، فضلاً عن آثارنا الدِّينية، ومخطوطات القران التي تعود إلى الفترة نفسها تقريباً؛ مثل مخطوطة صنعاء ثم بيرمنجهام.

وهناك أيضاً ذكر في أحد المصادر الغربية قبل عصر التدوين عندنا لرسالة معاوية الشهيرة التي توجّه بها لحاكم الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، التي بمجرد الاطلاع عليها يدرك القارئ بوضوح اتجاهه المحمدي الإسلامي في توحيده الخالص لله، وموقفه غير المؤيد لإلوهية المسيح، ومنهجه المتأثر بالقرآن في دعوة أهل الكتاب إلى كلمة سواء، والتذكير بتوحيد إبراهيم النَّقي، باعتباره قدوة مشتركة بينهم.

ولكن، كل هذا وغيره يعد ضمن الدراسات التاريخية التي لا تؤدي الحقائق المذكورة فيها إلى إمكانية إدِّعاء معرفة الصورة بتفاصيلها، وإنما تثبت لنا أن قصتنا التاريخية في هذه المرحلة ليست أكذوبة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تثبت لنا أن كل تفاصيلها، التي تم تدوينها في وقت لاحق، صحيحة وقطعية.

أما فيما يتعلق بالإيمان والاعتقاد فهو بلا شك لا يحتاج إلى كل ذلك اليقين بشأن تفاصيل التاريخ، وإنما يتجاوزها؛ كونه يبدأ ويتأسس على ذلك الإيمان بالله أولاً، وهو إيمان لا علاقة له بأي خصوصية أو قصة تاريخية، ومن ثم يأتي بعده تصديق أفراد صالحين حملوا على عاتقهم تذكير الناس بالتوحيد وأهمية العمل الصالح، وأن هناك غاية للوجود تعطي لنا ولهذا العمل معنى، أما غير ذلك من الأمور المتعلقة بتجربتنا التاريخية والدّينية، فيفترض أنها لن تضيف أو تغير شيئا يُذكر في جوهر المعتقد.

ورغم ما للتاريخ من أثر علينا حتى اليوم، إلا أن مجمل الأثر السلبي الناتج عنه في سياقنا العربي متعلق بتحويل التجربة والقصة التاريخية إلى جزء من العقيدة، وهو ذاته البُعد الذي تحوّلت فيه السياسة إلى عقيدة، ورفع الرواية التاريخية الظنية إلى مرتبة اليقين، بل والقداسة، وكأنّ التاريخ أصبح معبوداً إلى جوار الله، وهنا مأساتنا التي تظهر في الجمود الفكري، وفي توفير وقود لإشعال الفتن الطائفية، التي كانت ولا تزال تعبيرا عن مشكلات سياسية في جوهرها، ويتم فيها استخدام الدين كمحرك تماماً كما حدث في الماضي.

وأظن أن جزءا مما نحتاجه لتجنّب حِدة الخلافات باسم الدين والطائفة هو التخفف من يقين تفاصيل القصة التاريخية، والنظر إليها نظرة نسبية، وأن ندرك أن التاريخ يعنينا من حيث العِبرة والدراسة، ويمثل تجربة بشرية لا علاقة لها بجوهر العقيدة المتجاوزة، وليس له أي قداسة.

مقالات

دستور طارق!

ربما ليس علينا الآن تذكير اليمنيين بطارق صالح، مدرب قناصة الحوثي والقائد الميداني ذي الوجه الشاحب الذي كان يقاتل، بإخلاص، كتفاً بكتف مع مجرم الحرب أبو علي الحاكم تحت قيادة عبدالملك الحوثي.

مقالات

وسائل التواصل الاجتماعي .. كيف شوَّهت صورة اليمن أمام العالم؟

بعد أن لم يعد لدى اليمن برلمانٌ واحدٌ ينعقد بانتظامٍ لمناقشة أحوال البلاد وقضاياها المصيرية، ولا صحافة تتمتع بقدرٍ معقولٍ من الحرية والاستقلالية، لا بأس من أن تصبح بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ساحةً لتناول تلك المسائل والهموم.

مقالات

طارق صالح: من عبء على الحوثي إلى عبء على الشرعية

حين استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، بدت الحاجة إلى أدوات صالح العسكرية والبيروقراطية ضرورة مرحلية. كان كمن يفتح لهم أبواب القلعة التي سيتحول لاحقًا إلى أسير داخلها. بقيت الحاجة لصالح إلى أن نجحت العصابة الحوثية في تجريده من أوراقه، وإلحاق أدواته بها، وإعادة تكييف أتباعه داخل الجهاز الإداري والعسكري للدولة، وربط مصالحهم بها مباشرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.