مقالات
الثورة مشهد أخير
تدارك القوم خطواتهم الأولى في درب الشوق والشوك والشره، غير أنهم لم يتداركوا لاحق الخطوات، حيث كانت الخطى لا تدري أهي تتجه قُدُماً أم القهقرى؟
وتوالت الخطوات تترى.. حتى بلغ المقام بالأقدام مهالك الطريق التي بدت تتوشَّى بالسراب، كلما امتدت صوب مفترق طرق لا يدري مُدركه أهو يؤدي إلى ذهاب أم إلى أياب؟
وتساقط اللاهثون في الدرب العسير، لا يدرون إلى أين المسير، ولا يتراءى لهم ما يكون المصير؟
ثم أطلَّ المشهد الأخير: حرب الأخوة الأعداء... وليلٌ أحلك من كابوس الفقير!
.
.
.
لمن كل هذي القناديل؟
ولمن كل هذي الزنابيل؟
تذوب الطوائف في وعاء الباطل، كما تذوب الأحلام في صندوق وضاح.
وذابت كل المشاريع (كل المشاريع صغيرة بالطبع، فلا مشاريع كبيرة في الأفق) في قهوة الخلافة: عائلية وطائفية وسلالية وقبلية و"مُخضّرية"!
وكم على كاهلك من حروب يا أُمّ القرون؟
واليمنيون يمارسون الحرب، كما يمارسون الحب: سرعة في الأداء.. وفداحة في المنجز!
وتطاول الدهر اليماني حتى بلغ قرن الكون.. يُقال له: قرن الشيطان.. ويُقال له: قرن الثور.. ويُقال له: قرن اليونيكورن!
.
.
.
لا تسلني يا ولدي عن الثورات.
أخاف عليك يا ولدي من الفتنة.. ومن اللعنة.
عرفتُ يا ولدي ثورات بعدد أجرام السماء وجرائم الدهماء. وعرفها أبي، وجدّي. وأخشى عليك أن تعرف احداها.. وآخرها.
لا أدري اليوم يا ولدي إنْ كانت ثورة.. أم ثغرة؟
فالثورة يا ولدي - كما علّمني أبي، كما علّمه جدّي - تأتي بذرة، فزهرة، فثمرة..
الثورة لا تأتي أبداً يا ولدي: قشرة!
وقالها درويش يوماً: "ما أكبر الفكرة.. ما أصغر الثورة".
الثورة يا ولدي لا تحتضن الضباع وتفترس الظباء..
الثورة يا ولدي لا تلتحف القهر الآدمي، وتفترش العُهر السياسي..
الثورة يا ولدي لا تتكلم لغةً هجرتها اللسان منذ ألف ألف عام..
والثورة يا ولدي ضوء منارة... لا دكان تجارة!
هل تمتد ذراع الثورة يا ولدي إلى سقطرى... أم تقف عند سُمارة!
.
.
.
هل حاولَ الشعراءُ ترسيمَ الحدودِ
بينَ خطِّ النارِ
في اللغةِ
و خطِّ الماءْ؟
هل حاولوا وضعَ العلاماتِ المضيئةِ
في
تضاريسِ
الدفاترِ
دونما أسماءْ؟
هل حاولوا صونَ السيادةِ
في خليجِ الشعرِ، يوماً
واْرخبيلِ العشقِ
واْنهارِ السماءْ؟
ما حاولَ الشعراءُ...
لكنْ
هم أقاموا
بينَ فاصلةٍ وساكنْ
فإِذا الحروفُ
عبيدُ قاموسٍ
خسيفِ السطرِ
داكنْ
وإِذا السطورُ إِماءْ.