مقالات

الدولة الوطنية وسؤال الجمهورية في اليمن (2-2)

29/08/2022, 13:15:14
بقلم : فهمي محمد

عندما اندلعت ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م، كان اليمنيون في شمال اليمن يعيشون في ظل حكم الملكية الإمامية، التي تدّعي حقها الإلهي في احتكار مقاليد السلطة السياسية والدّينية، وعندما تمكّنت الثورة من إسقاط الملكية الإمامية لصالح النظام الجمهوري، كانت الجمهورية كمحتوى سياسي واجتماعي وحتى اقتصادي وثقافي لا تعني في واقع حال اليمنيين سوى "نجاح ثورة سبتمبر" في بناء كيان الدولة الوطنية الديمقراطية من نقطة الصفر، على اعتبار أن تجربة النظام الإمامي في شمال اليمن كانت تفتقد على جميع الأصعدة للحد الأدنى من أي وجود عصري يعبِّر عن شروط الدولة الوطنية وهذا الافتقاد الكلي في الشروط السياسية والاجتماعية الموضوعية لفكرة الدولة الوطنية يعود في الأصل إلى فكرة الإمامة المذهبية التاريخية الممانعة أيديولوجياً وميثلوجياً لفكرة الدولة الوطنية في شمال اليمن، أكثر من كونه يعود إلى طبيعة النظام السياسي الملكي الذي تأسس شكلياً في اليمن بعد أن تم التخلّص من الوجود العسكري العثماني، ما يعني أن فعل التغيير الثوري في سبتمبر لم يدرك بشكل دقيق أن جذر المشكلة اليمنية لا يكمن يومها في قدرة الثورة على التعاطي الإيجابي مع جدلية التغالب السياسي والعسكري بين الملكية والجمهورية كأنظمة سياسية، وانتصارها لمسمى الجمهورية، بقدّر ما يكمن جذر المشكلة في حقيقة افتقاد اليمنيين لوجود الكيان السياسي والاجتماعي والقانوني للدولة الوطنية، وهو كيان قابل للوجود في ظل الملكية والجمهورية على حد سواء، كما هو الحال في بريطانيا وامريكا، الأمر الذي كان بالإمكان تأسيس كيان الدولة الوطنية بعد خروج العثمانيين (ولو في حده المقبول) في ظل سلطة الملكية التي حكمت كامل التراب الوطني في الشمال، لولا خضوع هذا الأخير لسلطة الإمامة السياسية والأيديولوجية = {مشروع الأئمة السلاليين}، الذي يمثل في واقع الحال أحد نماذج العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن.


ما يعني في النتيجة الأولى أن إشكالية الممانعة السياسية والأيديولوجية لقيام الدولة الوطنية في عهد المملكة المتوكلية الهاشمية في الشمال كانت قائمة جذرياً مع فكرة الإمامة السلالية، ومع سلطتها السياسية المذهبية، وليس مع الملكية بحد ذاتها، وهذا الإدراك لإشكالية الإمامة السلالية مع فكرة التغيير الوطنية في اليمن لم يفطن إليه حتى رموز حركة 48 عندما ذهبوا في ميثاقهم المقدّس إلى تكريس فكرة الإمامة السلالية تحت مبرر مبدأ الشورى مع أن مبدأ الشورى النظري سوف يفقد دوره السياسي العملي، في ظل قدرة الإمامة السلالية على ادّعاء حقها الإلهي في تولّي مقاليد السلطة الأمر الذي كان يعني استحالة قيام دولة المؤسسات، ناهيك عن الدولة الوطنية الديمقراطية في ظل الخصوصية السياسية والأيديولوجية للمملكة المتوكلية الهاشمية، التي تأسست في شمال اليمن على مثلوجيا الإمامة السلالية وحقها الإلهي في تولي الحكم، أي أن جدلية الممانعة والتغيير في ظل الملكية، التي تأسست بعد خروج العثمانيين، كانت تعني في الحقيقة أن فكرة الدولة الوطنية هي البديل لفكرة الإمامة السلالية، والعكس كان هو الحاصل، لهذا كانت ثورة سبتمبر في الزمان والمكان ضرورية الحدوث ولازمة في اليمن، لكن السؤال الكبير يقول هل كان ثوار الـ26 من سبتمبر 1962م، ورجال سلطة الثورة يدركون إشكالية التغيير في الشمال، التي تعني الانتصار السياسي المستقبلي لفكرة الدولة الوطنية الديمقراطية على حساب نقائضها السياسية الموضوعية سواء في عهد الملكية أو الجمهورية؟ أم أن وعيهم السياسي خاض معركة الانتصار السياسي للجمهورية اليمنية على حساب الملكية المتوكلية وعلى بيت حميد الدين بالذات، بما يجعل هؤلاء فقط خصوم الفكرة الثورية في شمال اليمن؟

في اعتقادي أن فشل اليمنيين، منذ ثورة سبتمبر، في مسألة الانتصار السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي والاقتصادي لمفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية على حساب نقائضها هو الذي ظل، حتى الوقت الحاضر، يطرح بالإنابة عنه سؤال الجمهورية على محك المستقبل، سواء على مستوى المحتوى السياسي والاجتماعي أو على مستوى الجغرافيا الوطنية، بعد تحقيق الوحدة اليمنية وهذه الإنابة في طرح السؤال، وإن كانت تعبّر عن الهزائم المتكررة لمشروع الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن حتى بعد تحقيق الوحدة اليمنية، فإنها في الوقت نفسه تعبِّر عن خصوصية الثورة السبتمبرية مع فكرة التغيير الثورية في شمال اليمن، كما سوف نوضح ذلك.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.