مقالات
الدولة الوطنية وسؤال الجمهورية في اليمن(1/2)
منذ ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م، التي أعلنت للمرة الأولى قيام النظام السياسي الجمهوري في تاريخ اليمن، وحتى عام 2022/م، الذي أصبح فيه اليمنيون بشكل عام أمام سؤال الجمهورية، نستطيع القول إنه -خلال هذه الفترة المقدرة بستة عقود من عمر اليمنيين وهي فترة وإن تميّزت بغزارة الأحداث السياسية والصراع البيني إلا أنها في المحصلة النهائية أصبحت خالية من تراكم الوعي المجتمعي النوعي فيما يتعلق بثقافة الفكر السياسي الحديث، أي ثقافة الدولة والديمقراطية والوطن الكبير، بعكس بقية الشعوب التي خاضت تجربة الحروب والصراعات السياسية، ولكن ذلك دفعها بشكل إيجابي إلى مسألة الوقوف على سؤال المستقبل- أصبح طريق الوصول إلى السلطة السياسية يقوم على عد الرؤوس وليس على قطعها، أو هكذا يقول الباحث علي خليفة الكوري في تعريفه للديمقراطية الحديثة.
سؤال الجمهورية المخيف والمتجدد الآن أمام اليمنيين، وإن كان يمتد جذرياً - في طرحه السياسي والاجتماعي - إلى سبعينات القرن الماضي، خصوصا في شمال اليمن، إلا أنه ظل بدون إجابة سياسية حتى مع دخول اليمن الموحّد عصر الألفية الثاني الذي أصبح شاهدا على قدرة الكثير من شعوب العالم على نجاعة إجاباتهم السياسية والاجتماعية القادرة على التعاطي الناجح تجاه أسئلة الفكر السياسي الحديث ومتطلبات الإنسان في هذا العصر، الأمر الذي جعل من سؤال الدولة والجمهورية والقبول بالآخر بالنسبة لهؤلاء مجرد أسئلة بديهية لم تعد محل خلاف، لأنها تتعلق بمصالح الشعوب بعد أن أصبحت هذه الأخيرة هي مصدر السلطة وصاحبة السيادة الوطنية.
هذا الامتداد المعقّد والمتوارث من أحداث قرنين، بخصوص وجاهة سؤال الجمهورية، الذي أصبح اليوم متشعبا أكثر من اللازم على المستوى السياسي والاجتماعي مع سيطرة مشروع الحركة الحوثية الانقلابية في الشمال، ناهيك عن سؤال «الجمهورية اليمنية» على المستوى السياسي الجغرافي الوحدوي بين الشمال والجنوب مع بروز مشروع الانتقالي في جنوب اليمن، لا يعكس حقيقة فشل اليمنيين جميعاً في تقديم إجاباتهم الناجعة، بما يعني إسقاط مشروعية طرح سؤال الجمهورية المركّب على طاولة الحاضر فحسب، بل يعني أن هذا السؤال سيظل قائماً ومطروحا على طاولة الأجيال المتعاقبة، طالما وهو بمنطق الخصوصية اليمنية التاريخية الصراعية، نتيجة طبيعية مترتّبة على هزيمة مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية منذ ثورة سبتمبر وحتى اليوم، رغم نجاح الفعل النضالي في صناعة الفرصة التاريخية السانحة أمام اليمنيين خلال تجربة الثورة والسلطة الممتدة خلال سته عقود.
بمعنى آخر، تحقيق نجاعة الإسقاط الجذري لسؤال الجمهورية المقلق من على طاولة الفعل السياسي، سواء في الحاضر أو المستقبل، سيظل مرتبطا بقدرة اليمنيين على تحقيق الانتصار التاريخي لفكرة الدولة الوطنية الديمقراطية، وبدون تحقيق مثل هذا الانتصار الوطني سيظل الخرق السياسي والاجتماعي والجغرافي، وحتى الثقافي في سؤال الجمهورية، يتسع على الراقع، في مستقبل اليمنيين.
الفكر السياسي الحديث لا يجعل من فكرة الدولة والجمهورية مسألة سياسية متلازمة بالضرورة في أي مجتمع، أي ضرورة "تحايث" الوجود السياسي في الزمان والمكان لفكرة الدولة والجمهورية، على سبيل المثال: بريطانيا ملكية وليست جمهورية، لكن الدولة الوطنية الديمقراطية موجودة فيها منذ قرون، وعلى العكس من ذلك سنجد في العالم الثالث جمهوريات عديدة خالية من أي وجود لمعنى الدولة الوطنية الديمقراطية، إلا أن خصوصية تجربة الثورة والسلطة في اليمن منذ سبتمبر وأكتوبر جعلت من فكرة الدولة وفكرة الجمهورية حالة سياسية تكاد تكون متلازمة، وإن كان ذلك ظل خارج وعي الكثير من النخب السياسية اليمنية بخصوص إشكالية هذا التلازم السياسي، الذي تتطلبه فكرة التغيير تجاه الخصوصية اليمنية، لا سيما وأن حضور الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن سيجعل منها -أي الدولة- حالة سياسية واجتماعية وقانونية موضوعية ضامنة لاستمرار المشروع الوطني للجمهورية اليمنية، ماذا يعني ذلك؟