مقالات
السلطة واليمنيون (3)
إن انقسام البلد لم يكن ناتجا عن الاختلافات بين المناطق، أو بسبب وجود هويات متصارعة، أو عرقيات، وإثنيات، وتمايزات تشجّع على الانفصال، لكنه بسبب فشل الحكام، وعدم وجود حكومة وطنية قوية وقادرة على ضمانة مشاركة جميع اليمنيين في السلطة والثروة، وبروز قيادات يمنية ضعيفة، وعاجزة عن خلق إجماع وطني.
في ظل الصراع على السلطة، بين عدد من القوى والأطراف، غابت اليمن وتضاءل دورها، "وبالرغم من تعدد الإمارات في اليمن وتقطّع فتراتها، وبالرغم أيضاً من طابعها المذهبي والإقليمي أحياناً إلا أن شعور الشعب اليمني بوحدته الوطنية وتمسّكه بها ظل راسخاً ومستمراً، بحيث لم يجرُؤ أي ملك أو سلطان شيعي أو زيدي أو شافعي أو قرمطي أن يرفع شعار المذهبية كأساس للحكم أو المواطنة والولاء، بل كانوا يتحاربون كل يريد أن يحكم يمناً موحداً واحداً"، [علي بن علي صبرهثة "نحو أيديولوجية عربية"، ص152].
وأحيانا، بروز بعض القوى، التي تقدّم مصالحها الضيّقة في السلطة من خلال تركيز طموحاتها في التربّع على حكم ما تحت يديها ولو كان حصنا جبليا معزولا سواء في الشمال أو الجنوب، أضعف اليمن وأنهك قواه، وساعد على تفككه.
تؤكد التجربة التاريخية لليمن في عهد التشطير، وفي ظل الانقسام، أنها لم تمنح اليمن الاستقرار، أو ضمنت له الاستقلال. ولو كان التشطير ضامنا للاستقرار، والتنمية، بالاعتماد على نزاهة القوى السياسية، فلا اعتقد أن هناك أصدق وطنية، ونزاهة، وتضحية، ونظافة لليد، وصيانة للمال العام، من تلك النخب والقيادات السياسية التي عرفها جنوب الوطن بعد الاستقلال، أو شمال اليمن في الستينات، وبعد الانتصار في حصار السبعين، بغضّ النظر عن توجهاتهم السياسية، ومع ذلك فقد كانت طموحاتهم للارتقاء بالوطن، وتوقهم لتقدّم اليمن، وتطوّره مرهون لديهم بقيام الوحدة بين شطريه، ووجود اليمن تحت راية واحدة.
إن أثقل ما ينزل على الضمير الوطني من سدول الظلام، هو تنازل الساسة والنَّخب عن الأهداف العظيمة للشعوب باسم الضرورات، والتبرير للمواقف التي تناقض المبادئ التي ضحّت من أجلها المجتمعات طوال عقود من تاريخها في سبيل الوصول إلى المستقبل.
إن السياسة، التي تستسلم للواقع في ظل المنعطفات المصيرية التي يمر بها وطن من الأوطان، سوف تدفن تطلّعات الشعب الذي تدّعي التعبير عنه في أول الطريق.
كما أن الشعوب، التي لا تتعلم من أخطائها ولا تواجهها، تظل رهينة الفشل، وتستحق ما ينزل بها من مآسٍ.
تقوم الدولة الحديثة على فكرة العقد الاجتماعي، ومتى تم الرفض والاحتكام إلى هذا العقد، الذي بموجبه جرى الحصول على السلطة، فذلك لا يعنى إلا رفض الاعتراف بفكرة الدولة.
لذلك، فإن التبريرات للأخطاء، التي تتناقض مع جوهر وفكرة الدولة، يُراد منها تطبيع المجتمع على التعايش مع أوضاع اللادولة، وخلق انطباعٍ في الذهن بأن السلطة المسنودة بالقوّة العارية هي الدولة.
تشير عملية إنشاء المجلس الرئاسي واختيار أعضائه إلى أمر واضح، هو التفاهم التام بين الرياض وأبوظبي حول اليمن، فيما يخدم مصالحهما، كما يبدو على الأطراف والأعضاء الممثلة فيه بأنها لا تخوض صراعها من أجل تحقيق طموحات شخصية في المقام الأول، وإنما على مصالح قوى وأطراف إقليمية تعبّر عنها.
وفي ظل وضع كهذا من الصعب حصول أي تغيير في الوضع يمنح الناس التفاؤل، إذ أن التغييرات يجب أن تنطلق من تحقيق مصالح اليمن واليمنيين جميعا، ووضعها في المقام الأول، وعدم إلحاقها بمصالح الخارج وأهدافه.
لا أظن أحدا بإمكانه أن يستبشر أو يأمل بما جرى من تغيير ونقل للسلطة، إلا متى انعكست التغييرات على أرض الواقع، ولامسها الناس في حياتهم المعيشية، في الجانب الاقتصادي والأمني، ومتى تمت إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيلها لخدمة المجتمع، ورافق ذلك توحيد الكيانات، والتشكيلات القتالية المتعددة، ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، والتأكيد على صيانة مكتسبات ثورتي سبتمبر وأكتوبر، من حفاظ على النظام الجمهوري، والوحدة اليمنية، أما دون ذلك فاعتقد أن مطالبة الناس بالتفاؤل هو من أبطل الباطلات.