مقالات
الوجه الغبي للرأسمالية السلالية!!
هناك مشهد عبقري كتبه لينين الرملي، وقدَّمه الممثل محمد صبحي في مسرحية بعنوان "تخاريف"، عندما يتعهد الديكتاتور بأن ينفذ ذلك الجزء من الرأسمالية، الذي يختص بجمع المال من الناس، ثم يتناسى الجزء الخاص بإعطائهم خدمات في المقابل، يجمع الضرائب، ولا يرصف الشارع، ويتقاضى أرقاماً فلكية في فواتير الكهرباء؛ ورغم هذا يسود الظلام، و، و، هي إذن مزيج من الرأسمالية الإمريكية والفهلوة واللصوصية؛ بحيث تكون النتيجة وطناً مسخاً بلا معالم.
فعندما تستولي على الوطن جماعة نشأت على الحروب، ونشر المجاعة، وإدعاء الإصطفاء الإلهي من الوهلة الأولى، ولا تعرف شيئاً عن قيم الدولة ولا عن حقوق المواطنين تكون النتيجة عابرة للقارات من حيث الظلم والنهب والسلب لكل المقدرات والخيرات، جماعة نشأت خارج العصر فوجدت نفسها في غفلة من الزمن والتاريخ على رأس مؤسسات دولة، وفي رحاب بنك مركزي بداخله خمسة مليارات دولار تبخرت في أيام؛ تكون النتائج ما نراه اليوم في اليمن.
إذا راجعنا خطابات أكبر رأس في هذه الجماعة، منذ سقوط صنعاء بأيديهم، لن نجد له كلمة واحدة يخاطب بها الناس والمواطنين عن حقوقهم ورواتبهم وأسباب معيشتهم، كانت وما زالت وستظل خطاباته كلها خطابات حروب ودم ودمار وجماجم وتأله.
لا يوجد في رؤوس هؤلاء الناس أي فكرة عن الدولة، ولا عن مؤسسات الدولة، ولذلك تحولت موسسات الدولة التي كانت قائمة إلى أوكار للمشرفين
والجباة على مستويات متعددة، وما بقي من تلك المسميات في كل الوزارات التي كانت قائمة وما تبقى منها سوى المباني ومجموعة من الموظفين، الذين يأتمرون بأمر المشرف عليهم، ولذلك هناك سلسلة طويلة من المشرفين الجباة عن جباة عن جباة، وليسوا هداة عن هداة عن هداة كما يكذبون، على مستوى المدينة والمديريات والوزارات والحارات والمدارس والمستوصفات والمستشفيات، وكل المؤسسات الخدمية التي كانت تقدم خدمات مجانية أو شبه مجانية تم تقاسمها بشكل عبثي.
شمل ذلك كل ما يتبع الوزارات بدون استثناء، والإدارات بدون تحديد، ولقد أخذت وزارات بعينها نصيب الأسد من الجبايات؛ مثل وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، وهلم جراً.
ولذلك كل ما يقال عن مسؤوليات هذي الجماعة تجاه المواطنين والموظفين يضربون به عرض الحائط؛ لأن البشاعة التي ينطلقون منها ليست وليدة أعوام، بل وليدة قرون طويلة ومتوارثة من جيل إلى جيل، ولقد تمكنت أمثال هذه الجماعة من حكم اليمن عدة مرات؛ وللأسف الشديد أن حكم بعضهم امتد لمئات السنين من الظلم والطغيان والجبروت والحروب والقتل والدم والسيف والتأله، وادعاء الاصطفاء الإلهي الزائف، لكنهم في النهايات والحتميات التاريخية يدفعون أثماناً باهظة لتألههم على الشعب، ومازال شعر الزبيري يسبر أغوار هؤلاء، ومنها قوله في قصيدة:
"تتوخَّى بأن تكون شريك الله فيهم أو أن تكون الله".
ولذلك لا نستغرب من المفتي التابع لهم، شمس الدين شرف الدين، قوله "إن المرتبات تُفسد العقيدة"، فلم يُبق هذا البني آدم شمساً ولا شرفاً للدين بعد مقولته هذه، وقبلها وبعدها، وهو المُناط به أن يكون نقطة التوازن بين الظالم والمظلوم.
إصرار هذه الجماعة على تجويع الناس أو قتلهم؛ جوعاً ومرضاً وجهلاً، هو أمر ليس جديداً عليهم بل هو من أخص خصائصهم، وبدونه لن يستطيعوا الحياة، حتى إن البعض منهم، الذين كنا نعتقد أنهم عقلاؤهم، ظهر للناس أنهم أكثرهم جنوناً على السلطة والمال والتأله، فحين نغوص في نفسياتهم العميقة، من خلال السنوات المريرة التي تجرعها الشعب والمواطن والموظف والجندي، أنهم جاءوا للانتقام من كل شيء حولهم، والانتقام من التاريخ، ومن معتقداتهم الغريبة، ومن اليمنيين، ومن البشر والحجر.
يتعاملون مع اليمنيين وكأنهم أعداؤهم وليسوا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات في رقعة جغرافيا تسلموا رقابهم وحياتهم، فحين كانوا يصرخون للعالم كله بمظلوميتهم هم اليوم أبعد ما يكون عن رؤية مظالم الناس، ولذلك رفضهم المستمر تسليم رواتب الموظفين والقيام بواجبهم كدولة تحت مبررات واهية، من العدوان إلى الحصار، هي أكاذيب تاريخية، وليس وليدة اليوم، هم يعتقدون اعتقاداً راسخاً وبمنتهى الإيمان أن هذا كله آتاهم إياه الله، فلم يكتفوا بالخُمس بل إنهم في الطريق إلى مصادرة الدولة بكلها بناسها وجغرافيتها وقد صادروها فعلاً، وكما لن يجنحوا للسلم إلا بكسر شوكتهم عسكرياً لن يسلموا من موارد الدولة للموظفين فلساً واحداً.
فخلال السنوات، التي مضت كأوجع السنوات، التي عاشها اليمنيون وهم يناورون ويدارون في مسألة الحقوق والواجبات، حتى إذا سُلمت إليهم ثروات اليمن فرضاً وجدلاً شمالاً وجنوباً، لن يدفعوا فلساً لمعلم أو موظف، ولن يرصفوا طريقا، ولن يبنوا مدرسة ولا مستشفى، ولن نبالغ "إذا قالوا لليمنيين يوماً ارفعوا أيديكم إلى السماء لتمطر عليكم مرتبات وطرقات ومدارس ومستشفيات...الخ ، لأننا في عدوان ومش وقت.!