مقالات

اليمنيون والقبول بالتعدد (1)

10/06/2022, 10:10:08
بقلم : محمد صلاح
المصدر : خاص

تكيّفت حياة سكان اليمن وأعمالهم بظروف البيئة الجغرافية المحيطة بهم، وقد نتج عن علاقات التفاعل المتبادل الكثير من السِّمات والخواص، التي طبعت بميسمها على الشخصية اليمنية.

فقد كان لتنوّع الأقاليم تأثيره الظاهر، ليس في تشكيلة الاقتصاد، وطبيعة النظام السياسي وحسب، بل امتد إلى أغوار عميقة في النفسية اليمنية. 

وما يعنينا هنا هو انعكاس التنوّع على طبيعة اليمنيين، وتشكيل رؤيتهم للحياة، كما ظهر على صفحات التاريخ، من قبول بالتعدد والتنوّع، وقد رسّخ من ثقافة التعدد تعاملهم مع الثقافات والحضارات المختلفة، عبر ممارسة التجارة التي اضطلعوا القيام بها منذ أقدم العصور، فكان لدورهم التجاري، الذي قاموا به أكبر الأثر في قبولهم بالآخر المختلف، كما أن تفاعل ذلك مع طبيعة التكوين الجغرافي ومؤثراته ما يفسر انتشار الملل، والمذاهب بعد الإسلام في بلادنا "انتشاراً لم يماثلها فيه أي قطر من الأقطار العربية الأخرى" [أحمد عبدالله عارف، "مقدمة في دراسة الاتجاهات الفكرية والسياسية في اليمن"، ص..].

فالتضاريس الصعبة، والطبيعة الوعرة، التي ينظر إليها الكثيرون، بأنها جعلت من اليمن ملجأً وملاذاً للفرق المنبوذة والمطاردة، لم تكن هي العامل الأساسي في تواجد اتباع الملل، والمذاهب، بل إن السبب في المقام الأول كان لطبيعة المجتمع اليمني، الذي عُرف عنه القبول بالتعدد، الذي أنتج التسامح، وتم ترسيخه في الثقافة، والحياة الاجتماعية طوال قرون.

 فالبيئة الجغرافية، بما فيها من تنوّعات، إلا أنها كانت تحتاج إلى مغالبة ومجالدة في استصلاحها، كما أن الزراعة في المدرجات الجبلية، إضافة إلى الاعتماد على الأمطار في ري المحاصيل.. إلخ لا تجعل من اليمن من مناطق الوفرة، والفائض في الثروة، ولا تمنح السكان الحياة الرغيدة، وإن كانت في الوقت نفسه توفّر الاحتياجات الضرورية لهم، وفي ظل ظروف اقتصادية كهذه، وبيئة تحتاج إلى جهد كبير وعمل دؤوب، فإنها جديرة بأن "تشكّل -ومن باب أولى- تربة خصبة وبيئة مناسبة لنمو الاتجاهات والمفاهيم العقلانية، كمقوم أساسي بالضرورة في حياة المجتمع وتراثه وحضارته بصفة عامة" [د. حمود العودي، "التراث الشعبي وعلاقته  بالتنمية في البلاد النامية دراسة تطبيقية عن المجتمع اليمني"، ص316].

إن الكتابات، التي تحاول أن تهيج وتروّج لصراعات مذهبية وطائفية عاشتها بلادنا، إنما تبحث عن محركات لديمومة الصراع، فضلا عن أنها أوهام لا سند لها، إذ أن تاريخنا اليمني وصراعاته سياسية لا طائفية.

كما أن هذه الكتابات تتجاهل ما يمتاز به مجتمعنا من انسجام مكوّناته من أتباع المذاهب المختلفة، والتعايش مع أصحاب الميولات والرؤى المغايرة، والانفتاح على الثقافات القادمة من الخارج، والأفكار والدعوات الجديدة.

فعلى سبيل المثال، عرفت بعض المناطق الجبلية النائية في أعالي اليمن تواجد العديد من الفرق، والمذاهب المختلفة، خلال القرنين الرابع والخامس واوائل القرن السادس الهجري، حيث تزاحمت أربعة مذاهب، أو سبع فرق هي: الإسماعيلية،  والأباضية، والشافعية من أهل السنة، والزيدية، وكانت الأخيرة تنقسم إلى ثلاث فرق: الزيدية المخترعة، والحسينية أتباع الحسين بن القاسم، والمطرفية، ودار بين أتباع هذه الفرق جدل، ونقاشات ومناظرات عديدة، وخصوصا بين المطرفية، والأباضية، والمطرفية والمخترعة، والمطرفية والحسينية، لكن السياسة المقاتلة، والقاتلة، كانت ترى في الجدل العلمي والمعرفي خطرا على مشروعها، فكانت تنال من الجميع، بل نالت بالسيف ممن تنتمي وإياه إلى مذهب واحد، أكثر مما نالت ممن تختلف معهم.

وتشير سير علماء اليمن على تتلمذ أتباع كل مذهب على أيدي علماء المذهب الآخر، الأمر الذي نتج عنه بروز مدرسة الاجتهاد اليمني، التي قادت وعبّدت الطريق أمام دعاة النهضة العربية مطلع القرن العشرين، الأمر الذي يؤكد على تآلف المنتمين، وتقبّلهم لبعضهم البعض، مهما اختلفت وجهات النظر. 

ولقد كان المجتمع يرعى كل تلك الفرق، لكن السياسة العقيمة، والسلطة العاجزة عن إدارة التنوّع في البلد، وخشيتها من اضمحلال فرصها في الحصول على السلطة، ظلت دوما وأبداً هي المحرك الأساسي والرئيسي للفتن والصراعات.

فالهجر العلمية في أعالي الشمال كان يتآلف فيها أبناء المدرسة المعتزلية ذات المشارب المتعددة، وكل ذلك قائم في ظل احتضان الأهالي، ورعايتهم، ودعمهم، بعيدا عن أي سلطة، الأمر الذي يؤكد احتضان المجتمع للمعرفة، وحماية روّادها من المنتمين للفرق ذات الرؤى المتعددة، ولم يكن يكسر كل ذلك التآلف إلا النخب السياسية الانتهازية، التي تسعى لاحتكار السلطة، والمعرفة، والمغتربة عن المجتمع، والمتقوقعة حول أوهامها في التفرّد.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.