مقالات

اليمنيون وفلسطين في ثلاثينات القرن الماضي 2-3

25/05/2021, 16:47:09
بقلم : محمد صلاح
المصدر : خاص

كان اليمنيون، سواء في الشمال أو في الجنوب، يستشعرون الخطر من أهداف الاحتلال البريطاني في جنوب الوطن، وبالخصوص أهدافه في مدينة عدن، إذ كانت شبيهة بالسياسات الاستعمارية في فلسطين والقدس الشريف، حيث سعى المستعمر البريطاني بالتآمر مع الصهيونية لتسهيل هجرات اليهود من مختلف أصقاع العالم، ونقلهم إلى أرض فلسطين، لخلخلة الطبيعة الديمغرافية لسكانها، بهدف تهويدها، والقيام بممارسة سياسات التنكيل والتشريد في حق الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم، وحرمانهم من تولّي المسؤوليات، والوظائف العامة، ونفي الزعماء والقيادات العربية إلى الخارج لتسهيل سيطرة اليهود على فلسطين.

وكانت السياسات الاستعمارية للاحتلال البريطاني، في جنوب الوطن، قد فتحت أبواب الهجرة الأجنبية إلى مدينة عدن على مصراعيها، حيث عمل الانجليز -كما يقول الدكتور علوي طاهر- "على تشجيع الهجرة الأجنبية إلى عدن لذوبان الجنس العربي، وإيجاد خليط من السكان ذوي ميول مختلفة، ومصالح متباينة، يرتكز عليهم الاستعمار إلى جانب ما يحدثونه من خلل في صفوف الوطنيين من أبناء الوطن. 

وقد كان من نتائج تلك السياسة أن وفد إلى عدن أعداد من الجنسيات المختلفة، أتى بهم الإنجليز من مستعمراته المختلفة، أو من دول (الكومنولث)". [علوي عبدالله طاهر واقع التعليم في اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 ص 16، مجلة الإكليل، عدد 1، السنة الخامسة، وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، 1987].

وقد تنبهت إلى ذلك مجلة "الحكمة اليمانية"  التي كانت تُصدر في صنعاء في آخر الثلاثينات وأوائل عام 1941م، وكان يرأس تحريرها أحمد بن عبدالوهاب الوريث، في أحد أعدادها، لمخاطر السياسة البريطانية، وأهدافها وأطماعها، والتشابه بين ما تتخذه من سياسات في فلسطين، وبين تصرفاتها في جنوب الوطن، إذ "ربطت في مهارة بين سياسات بريطانيا في شمال الوطن العربي أي فلسطين، وجنوبه أي اليمن، للتدليل على أطماع انجلترا في المنطقة" [سيد مصطفى سالم مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941 وحركة الإصلاح في اليمن ص116]. 

كانت النّخب المستنيرة في مدينة عدن، خلال الثُّلث الأول من القرن العشرين، تدرك أهداف المستعمر البريطاني، ومحاولاته المستمرة في نزع الهُوية العربية، واليمنية عن المدينة، كما يقوم بذلك في فلسطين، ومن هنا فقد سعى رجال عدن لمواجهة هذه الأطماع من خلال إنشاء الأندية الأدبية والثقافية في المدينة.

وقد تم ذلك من خلال النصائح التي قدّمها الزعيم التونسي، وأحد روّاد النهضة العربية، الشيخ عبدالعزيز الثعالبي، الذي قدِم إلى اليمن في أغسطس من عام 1924، وزار فيها عدداً من المناطق اليمنية، والتقى بالمثقفين والأُدباء والسلاطين والأُمراء في عدن ولحج، كما التقى بالمسؤولين، والإمام يحيى في صنعاء.

وفي زيارته الأولى لمدينة عدن، نصح الزعيم التونسي رجالاتها لمواجهة حالة التخلّف والأطماع البريطانية بالقيام بتأسيس نوادٍ، وجمعيات أدبية، وثقافية لنشر الثقافة الإسلامية والعربية بين الشباب، وهذا ما تحقق بعد ذلك.

كما عمل الشيخ الثعالبي على تقريب وربط النّخب العدنية بعدد من مثقفي العرب، والصحافة العربية، وكان من أهمها على الإطلاق صحيفة "الشورى"، ورئيس تحريرها محمد علي الطاهر، الذي عمل على نشر أخبار اليمن، وإتاحة الفرصة للأقلام اليمنية بالكتابة على صفحاتها.

ظلت الصحيفة تغطِّي أخبار النشاطات الثقافية والأدبية للمثقفين والأُدباء في عدن، وإشهارها على المستوى العربي، وسعت لإبراز دور هذه الأندية، بقيادة الرائدين الكبيرين الأستاذ محمد علي لقمان، والشيخ أحمد سعيد الأصنج، الَّذين قاما بافتتاح عدد من الأندية الثقافية في 'عدن' و'التواهي' و'الشيخ عثمان'.

وفتح الجريدة للكُتاب اليمنيين، وكانت مقالات الأستاذ لُقمان تُنشر على صفحاتها، ومن خلالها طارت شُهرته في الآفاق، بحيث دفعت الأمير شكيب أرسلان إلى كتابة مقالة في الصفحة الأولى لجريدة "الشورى" اوائل عام 1931، أطنب فيها على كتابات لُقمان، التي كانت تتناول -آنذاك- أوضاع الصومال، وذلك قبل أن يكتب الأخير كتابه الذائع الصيت (بماذا تقدّم الغرب)، وقام الأمير أرسلان بكتابة مقدّمته بعد ذلك بعام.

كما قام الطاهر بتشجيع الكُتاب والأُدباء في عدن على نشر كتاباتهم وإبداعاتهم، ومن ذلك قِيامه بحضّ الأديب العدني، وأحد القيادات الأولى للتنوير في اليمن (الأستاذ أحمد محمد سعيد الأصنج) على طباعة مقالاته، حيث طلب الأخير رأيه في ذلك، فقام الأول بطباعتها في مطابع صحيفة "الشورى" عام 1934م، وكتب المُقدمة للمقالات التي جُمعت في كتاب بعنوان: نصيب عدن من الحركة الفكرية الحديثة، وقد ألمح المفكّر الفلسطيني في مقدّمته إلى أهمية الدور الذي لعبه الأُدباء والمثقفون العدنيون في الحفاظ على هُوية المدينة اليمنية، حيث قال عن عدن وأهلها وأبنائها الأُدباء إنه لولا "قوة العروبة المتأصلة في أهلها، الذين هم أصحاب الجزء النائي من الوطن العربي الأكبر، لما بقيت عربية حتى اليوم. وقد قيّض الله لعدن، في السنوات الأخيرة، عصبة طيّبة من الشبان المفكِّرين المستنيرين، فنهضوا بمحيط عدن نهضة حازمة، شعر الجميع بوجودها، ولمس الكل آثارها. 

فقد ألِفوا الجمعيات، وأقاموا الأندية، وعمّروا حلقات الأدب، وملأوا صحف الشرق العربي بنفثاتهم ومباحثهم". [أحمد محمد سعيد الأصنج نصيب عدن من الحركة الفكرية الحديثة ص5].   

كما سخَّر الطاهر جرائده، التي كان يصدرها، لنقد نظام الإمامة، وللحديث عن توْق اليمنيين للوحدة في المناطق التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني في جنوب الوطن، حيث جاء في مقالتين متتابعتين لأحد الكُتاب العرب، تحت عنوان "حول المشكلة اليمنية": "لو طاف سائح في كل البلاد المحمية لوجد أن كل الناس في هذه البلاد يودون من صميم أفئدتهم أن يلتحقوا باليمن، ويسلموا للإمام، ولكنهم يخافون من سطوة أمرائهم الذين تحميهم بريطانيا، وهؤلاء مرتبطون بهذه الدولة، لأنها تغدق عليهم النعيم وتحميهم من إقامة الحق عليهم"، جريدة "الشورى" عدد 23 – 4 – 1930م.

وفي الوقت ذاته، كان يجرد الطاهر قلمه لمواجهة الأقلام المأجورة التي كانت تروِّج للسياسات الاستعمارية في اليمن.

ومن خلال العلاقة التي نشأت بين النُّخب العدنية، والمجاهد الطاهر والزعيم التونسي الثعالبي، ارتبط لُقمان والأصنج، على وجه الخصوص، وكل أهالي عدن بالقضية الفلسطينية، وعملوا على مساعدة رجالها وأبطالها، في جمع التبرُّعات لإغاثة أهلها، ودعم الثوار، ومساعدتهم، ومساندتهم عبر الطاهر الذي كان أحد قيادات فلسطين في الخارج.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.