مقالات
اليمنيون ينتظرون زلزالا!
بعد هذه السنوات السوداء العجاف، التي طالت وامتدت، ينتظر اليمنيون شيئا يشبه أو يتفوق على الزلزال لتحريك هذا الركود والجمود، الذي أوقف حياتهم عند نقطة الصفر أو على الحافة.
ما حدث لليمنيين لم يحدث في أي بلاد على مدار التاريخ المعروف وغير المعروف، التاريخ المنظور وغير المنظور، حروب وانقطاع للرواتب لعشر سنوات كبيسة بائسة، وتكاثر للمليشيات والانقسامات والعصابات المتحاربة على مستوى البلاد، والمدن والمديريات، والضواحي والنواحي بلا أفق، ولا أمل من الخلاص من هذا الوضع المعقّد، الذي يزداد تعقيدا كل يوم وساعة وشهر وسنة.
حصار وكانتونات بين المدن، انهيار شبه كلي للتعليم العام والجامعي والنظام الصحي، تراجع مشاريع تنموية إلى ما تحت الصفر، ودخول لاعبين جدد على الخط؛ مما يربك جميع الحسابات والتحليلات والقراءات، بشكل عجز معه عن تفكيك ما يحدث، وما سيُحدث فطاحلة الساسة والخبراء في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية.
لم يكن يخطر في ضمير أي يمني أن تقع اليمن في هذا الفخ التاريخي اللعين، الذي تتجاذبه قوى دولية وقحة، وقوى إقليمية أكثر وقاحة وشهوة استعمارية عارمة اعتزمت الانقضاض على الجغرافيا اليمنية الساحلية وتفكيكها، وإنشاء قوات موالية، مختلفة الأسماء والولاءت، وضخ الأموال لإبقاء اليمن في حالة فوضى عارمة، وتحجيم ما تسمى بالشرعية في حالة عجز مستمر وفساد عارم، وإغراقها في حال من الفراغ والتيه والتقسيم.
ولذلك، تتكالب قوتان إقليميتان هما السعودية والإمارات على تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت؛ ليصب في ابتلاع مساحات جديدة وشاسعة من الأرض اليمنية، وبسط نفوذها على مناطق محددة الأهداف، ودعم كل قوة ناشئة؛ زيادة في التقسيم والتفتيت والتدمير الاقتصادي المنظم والممنهج.
السعودية لا يهمها الزمن الذي ستستغرقه الفوضى في اليمن ما دامت فوضى تحت السيطرة،
لا يهمها جوع اليمنيين، وانهيار اقتصادهم، وتشظيهم.
اليمن بالنسبة للسعودية حديقة خلفية لتعليم أجيال من الساسة السعوديين لعبة السياسة.
اليمن ملعب خلفي، واللعبة بيدهم -حسب ما يعتقدون- حتى يثبت العكس. السعودية يزعجها يمن مستقر، بل يرعبها.
السعودية اليوم -بعدما حدث في لبنان وسوريا- غير السعودية التي كانت قبل قليل، والحوثيون يغرسون صواريخهم ومسيّراتهم في خاصرتها.
السعودية تراهن على عامل "الزمن والوقت" ليصب في مصلحتها، وينتظم في إطار مخططاتها.
السعودية تدرك حجم الفساد في الشرعية، وتدرك حجم الانقسامات بين أعضاء مجلس الثمانية الضعفاء في كل مواقفهم المتناقضة، ومصالحهم المتفرقة بين الإمارات والسعودية، ولذلك تركت الاقتصاد هناك ينهار إلى حدٍ ما.
وتستمتع وهي ترى الشرعبة ببنك مركزي خاوٍ على عروشه، وشرعية غير قادرة على دفع الرواتب، ورئيس مجلس موالٍ للسعودية مذعور من التواجد في عدن، وغير مسموح له من الإمارات، وبالتالي من بيادقها الانتقاليين.
الإمارات لا يهمها كذلك أي شيء، لا يهمها وحدة اليمن، أو اقتصاده، وكل ما يهمها هو ميراثها من الحقد على كل ما هو يمني متوحِّد، سواء الأرض أو الإنسان، تحت مبرر محاربة الإسلاموية، وعيونها تتجه من البداية إلى السواحل والموانئ وجزيرة سقطرى، وإلى تحويل هذه السواحل الطويلة إلى سواحل خاملة وتحت أوامرها.
عُمان في الشرق تترصد، وتلعب وتصطاد، وتضمر أسوأ مما تظهر.
اليمنيون يرزحون تحت وضع قاتم لا يختلف بين صنعاء وعدن وحضرموت.
اليمنيون جميعا متهمون بالتواطؤ مع الآخر، لمجرد انتقالهم من أجل لقمة العيش بين المدن اليمنية.
اليمن منقسم نقديا واقتصاديا ومعيشيا، والتعليم يتعرض لتقسيم ممنهج من جانب الأئمة الجدد، مع العلم أنهم يستعدون الآن لتغيير مناهج الصف الثاني والثالث الثانوي للمرة الأولى.
اليمنيون منقسمون نفسيا، ولم يعد مزاجهم الوطني واحدا، وأصبحت قلوبهم شتى، وتبعياتهم شتى، تشظٍ في كل مجالات الحياة.
السعودية لم تفعل للسوريين شيئا، بل انتظرت قوة إقليمية أخرى للقيام بما حدث، تركيا مثالا.
السعودية تتمتع بالخبث والدهاء والمكر، الذي يكفي لتمزيق الوطن العربي كله، وهو مكر الجبان، لكنها ضعيفة أمام ترامب وجشعه، وأمام إيفانكا.
لا يستطيعون مقاومة الإغراء، فيقدمون مئات المليارات؛ مثل الرز لوالد إيفانكا، لكن عندما يتعلق الأمر باليمنيين، واليمن يتحولون إلى يهود خيبر، بُخلاء إلى أبعد الحدود.
الزلزال في اليمن ليس بعيدا، الذي جعله يتأخر هو فساد الشرعية من الألف إلى الياء؛ من العليمي إلى البركاني، الشرعية بحاجة إلى إعادة ترتيب حقيقي من التحالف اللعين، ووضع رجل واحد قوي، وتوحيد قوى الجيش، وهدف واحد يتفق الجميع عليه، سواء قوى إقليمية أو دولية؛ لاستعادة الدولة من الانقلابيين والانفصاليين، وزعماء الحروب، ودعم اقتصادي حقيقي لبنك مركزي حقيقي، وأن تعود السعودية والإمارات إلى رشدها، وتترك ضلالها الحاضر، وطموحاتهما اللعينة.