مقالات
ثلاثون عاما على رحيل "شاهد الورد والغبار"!!
قبل ثلاثين عاماً تماماً رحل الشاعر توفيق الزكري، عن ثلاثين عاماً فقط "1963 - 4 مارس 1993" بعد أن شكَّل حضوره السريع والشاهق حالة خاصة في الشعرية اليمنية المعاصرة.
بعد عشرة أعوام من رحيله، صدر ديوانه الوحيد الذي حمل عنوان "شاهد الورد والغبار"، وكان لي شرف تقديمه وقتذاك، وهنا استعادة لبعض ما جاء في مقدمة الديوان، التي كتبتها تحت عنوان "أقل من تقديم.. أكثر من تحية"، لمبدع يمني كبير انطفأ قلبه باكراً.
(**)
بين 91و 93م، شكَّل حضور الشاعر توفيق الزكري في الصحافة اليمنية {والحياة الثقافية بشكل عام} ظاهرة شعرية استثنائية لفتت إليها أنظار المهتمين والمتابعين.
سنتان جعلتا من الشاب الثلاثيني النحيل الخجول، العائد تواً من المملكة الأردنية الهاشمية حاملاً شهادة الماجستير في الادارة المدرسية، قامة شعرية يشار إليها بكل اقتدار من كل الأدباء.
شاعر عرفته الصحافة الأردنية والمثقفون الأردنيون قبل أن يتعرف عليه القارئ في اليمن، ومع ذلك كان ملماً كل الإلمام بتفاصيل المشهد الشعري (أسماء وتجارب)، لهذا حينما عاد اندمج سريعاً بالوسط الأدبي، ولم يكن يشعر بالتباين والاغتراب مطلقاً.
ومثلما بزغ في سماء الإبداع سريعاً، انطفأ قلبه سريعاً {في الرابع من مارس 1993}، ولم يكن يتجاوز الثلاثين من عمره، وكانت فاجعته -نحن أصدقاءه القريبين- كبيرة، مثلما كانت أيضاً عند من قرأه ولم يتعرف إليه.. لهذا لم يكن أمامنا (الراحل نبيل السروري وأنا ولاحقاً الراحل عدنان أبو شادي) سوى التحضير سريعاً لأربعينية تليق بشخصه، فبادرنا بجمع تبرعات شخصية من الزملاء والأصدقاء وأصدرنا -وبطريقة بدائية بالتصوير والنسخ- كتاباً تذكارياً بالمناسبة حمل عنوان "شاهد الورد والغبار"؛ تضمن ما كُتب عنه من نصوص وشهادات، وشرعنا بعدها مباشرة بتجميع قصائده المنشورة وغير المنشورة في مخطوط واحد بمساعدة كبيرة ومتفانية من المهندس {الراحل} علي شمسان -الشقيق الأكبر للراحل- والأستاذ عبد الناصر حمود الحكيمي، الذي قام بكتابة قصائد الديوان بخطه الجميل.
واتفقنا على تسمية المجموعة (المخطوطة) بـ"شاهد الورد والغبار"، نسبة إلى واحدة من أقرب القصائد إلى قلب الراحل، وأكثر نصوصه شهرة في أوساط القراء، التي أنجزها قبل عام من رحيله:
"قفي
لحظة..
في الممر الأخير من الذاكرة.
قفي
كي أراني
ركاماً مذاباً بخاصرة الأفق
ممتزجاً بسهول الجنون
ومحتملاً بالبكاء على وردة
فجرت حزنها في وداع الأغاني
ولم تعتذر..".
في أوائل 1994م -بعد أقل من عام على رحيله- تم تسليم نسخة مصوَّرة ومجلَّدة من مخطوط المجموعة للأخوة في قيادة اتحاد الأُدباء والكُتاب اليمنيين بعد أن أبدوا استعداداً لطباعة الديوان؛ ضمن مشروع إصدار الكتاب اليمني يتبنَّاه اتحاد الكُتاب العرب في دمشق، الذين اعتذروا عن طباعته - كما أبلغنا وقتها الراحل أبو شادي.
غير أن الديوان لن يصدر إلا بعد عشرة أعوام من رحيل صاحبه (في 2003) ضمن مشروع إصدار اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين، الذي تولد في الفترة نفسها تقريباً، بعد أن فاتحت الصديقين الكريمين {الراحلين الكبيرين} الأستاذ أحمد قاسم دماج -رئيس الاتحاد وقتها- والشاعر محمد حسين هيثم -الأمين العام- فرحبا بذلك ترحيباً؛ لمعرفتهما القريبة بالشاعر وتجربته الإبداعية الاستثنائية، التي تشكِّل إضافة وقيمة جديدة للشعرية اليمنية المعاصرة، فأعدت التواصل بشقيق الراحل، المهندس علي الزكري، الذي قام بنسخ صورة من مخطوط الديوان.. وبعد صفِّه آلياً -بدلاً من طباعته بخط الصديق عبد الناصر الحكيمي كما كنا نأمل- سُلِّم للأستاذ الدكتور على حداد من أجل مراجعته وتصحيح الأخطاء فيه.
السلام على روحك المطمئنة
سلامي وسلام كل الذين انحفرت في وجدانهم
وسلام الخطوات الخفيفة، التي تركتها شاهدة على أيامنا، بورْدها وغبارها.