مقالات
حديث عام عن الدراما اليمنية
في كل عام لدينا عشرات المسلسلات اليمنية، يتضاعف العدد، وترتفع حدة المنافسات بين القنوات اليمنية.
هناك تصاعد كمي في الإنتاج، دون شعور بأي تحول نوعي يرفع من مستوى الدراما، ويمنحها وزنا؛ كي تغدو معتبرة بالمفهوم الفني للدراما، أي تُعامل داخل الحقل العربي كمنتج جدير بالمشاهدة.
لدى اليمني كل المؤهلات الفنية والدرامية، بما في ذلك الكاتب والسيناريست، غير أن المشكلة تكمن في غياب أي رؤية تؤطِّر هذا الإنتاج، وهنا تكمن المشكلة.
المشكلة في أن المنتج الدرامي اليمني، يبدو مبعثرا، يتناول مواضيع لا يوجد أي خيط رابط بينها، ندور وندور حول المواضيع نفسها.
مشاكل اجتماعية متناثرة، هي كل ما تتمحور حوله الدراما اليمنية خلال العقدين الأخيرين، وهنا يكمن سر شتاتنا وبقائنا مأسورين بواقعنا الخانق، دون قدرة على تجاوزه.
يجدر بالدراما كفن، ليس البقاء أسْر الواقع ومعالجته، بل اجتراح رؤية قادرة على القفز بالإنسان وتحريره من خناق واقعه، أي تقديم رؤية جذرية تفتح للناس نوافذ لتجاوز ما هم عليه من تكبيل يفقر واقعهم، ويجعلهم مأسورين به، كأنَّ هذا الواقع هو كل ما هم عليه، وكأنّ مشاكلهم هي وجودهم الكلي، دون أي مسافة لتحرير طاقاتهم المهدورة داخل واقع يستنزفهم.
الدراما مثلها مثل أي فن يحمل مهمَّة تحريرية، بل ذلك جوهره الوجودي؛ أي أن الفن مطالب بتفجير القوى الخفية للإنسان، وليس فقط محاكاة واقعه.
الدراما كمحاكاة، هي تصوُّر محدود للفن، فالمحاكاة ليست هي الصيغة العليا للفن، مع كونها مفهوما يعود إلى سقراط، لكنها -الدراما- مطالبة بتجاوز هذا التصوّر الرتيب؛ وهي مهمة شاقة تحتاج ظروفا وخيالا مرتفعا فوق الواقع، يحيط به ويتعداه.
من الطبيعي أن تكون الدراما اليمنية انعكاسا للوجود اليمني، الوجود المحدود والتائه الرؤية اللحظية القلقة.
فاليمني مهموم بتدبير معيشته، وتصريف حياته المحاطة بالمقلقات. هذه الذهنية يصعب عليها التفكير خارج حالتها، بل سيبدو لها الأمر إهمالا لمشاكلها اليومية، والبحث عن أفكار خيالية تفتقد للمنطق العملي.
هناك ملاحظة أخرى، هي أن الدراما اليمنية تريد قول كل شيء، في كل منتج درامي، تناقش قضايا الأسرة والمعاناة اليومية، والحب والزواج، والتقاليد والصراعات المجتمعية الصغيرة، وكل هذه قضايا مهمة واقعيا؛ لكنها لا تصح كمضمون يؤهلك إلى تجاوز الفضاء المحلي، وتحقيق اختراق يضع الدراما اليمنية في تماس مع المنتج العربي.
أخيرا: ليس علينا تبخيس جهود الفنانين اليمنيين، بل إن تقييمهم انطلاقاً من واقعهم المكبّل بكل أنواع المشتتات يمنحهم صفة النجاح. وهذا ليس تبريرا متكررا للإنتاج اليمني ومستواه، بل حقيقة واقعية يصعب فصل أثرها عن المنتج.
إن كان هناك من وصية عامة لكل العاملين في المجال الدرامي، فهي أن على كل فنان -مهما كان مستواه وعمله- أن يجتهد بشكل ذاتي؛ كي يراكم نجاحه الفردي، داخل واقعه المكبَّل. يحتاج الأمر إيمانا ذاتيا بجدارته واشتغالا حرا لتطوير ذاته.
كما أن هذه الحالات الفردية ستكون بحاجة إلى عقل كلي، يلتقطها ويدوزن جهودها، وصولا إلى منتج عام يصعد بالدراما.
بجملة واحدة: يحتاج العاملون في الوسط الفني تواصلا دائما طوال العام، كي يأتي إنجازهم الموسمي، ويثمر الأمر.
بهذا سنتمكَّن من تجاوز محدوديَّتنا، ونبدع -من وسط هذا الكمّ- أعمالا نوعية فارقة، وفي المشهد الدرامي اليمني مؤشرات كثيرة تؤكِّد ذلك.