مقالات
شهيد الحرية والربيع أمجد عبد الرحمن
صدر كتاب جديد عن الشهيد الخالد أمجد عبد الرحمن. في صدر الكتاب وفي الغلاف الأخير وبالخط الأحمر: "اغتيال أمجد جريمة مستمرة". ويقينًا، جريمة اغتيال الناشط المدني وداعية الحق والحقيقة، الشاب: أمجد عبد الرحمن، تبقى حيّة ومؤرِّقة ما دام قتلته يسرحون ويمرحون، وربما يستطيعون استمرار الاغتيال، الأخذ بالقصاص مهم.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33].
وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: 179].
القصاص، موقف المطالبة بالدم، حياة للنفوس، وكفالة للحق، وتطمين للأرواح، وتأمين للخائفين. ولكن دم الشهيد يبقى حيًّا، ويبقى صادحًا داعيًا إلى وقف جريمة الاغتيال وبشاعة القتل.
ابتداءً من قابيل، غاندي، وإنديرا، وفرج فودة، وحسن البنا، وغسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وناجي العلي، وجار الله عمر... دماء طاهرة شهيدة وزكية تدعو إلى العدالة والحرية ووقف جريمة الاغتيال والحرب.
يلاحظ أن نصيب الصحفيين والمفكرين هو الأفجع في الاغتيال: جنبلاط، سليم اللوزي، محمد نعمان، سمير قصير، جبران تويني، حسين مروة، مهدي عامل، رياض طه، وعشرات ومئات وآلاف.
اغتيال أمجد عبد الرحمن جريمة لا يغفرها إلا القصاص العادل من القتلة، وإنما يكون بوقف تداعياتها واستمرارها، والاقتصاص من الوضع الذي يُغطي على جريمة الاغتيال والقتل، ويستبيح الدم ويهدر الحقوق.
الكتاب تحية عظيمة ووفاء رائع ونبيل لدم الشهيد، وقضيته التي لن تموت.
أعدّ الكتاب مجموعة من رفاق أمجد تحت عنوان: "اغتيال الناشط المدني: أمجد عبد الرحمن (جريمة مستمرة)".
وفي الصفحة الداخلية صورة له يحملها رفاقه، ومكتوب تحتها: "وانتشر يا أمجد عبد الرحمن فينا رونقًا وبلسمًا وفداءً، فأنت المؤمن الوحيد بالحقيقة التي تخيفهم وتقتلهم كلما فكروا فيك".
يشتمل الكتاب على العناوين:
المقدمة
١) شهيد الحرية والتنوير أمجد عبد الرحمن: من الميلاد إلى الشهادة (سيرة ذاتية موجزة)
٢) اغتيال الناشط المدني: أمجد عبد الرحمن جريمة مستمرة
٣) الملحقات.
يتناول الفصل الأول طفولة أمجد المتقدة بالذكاء، وشبابًا مفعمًا بحماس الكفاح (وقائع سريعة من حياته الخاصة).
أمجد: مفارقة الميلاد والشهادة، ميلاده واسمه في الروضة والمدرسة والجامعة.
الملامح المهمة في الكتاب: سيرته العطرة، نبوغه، شجاعته منذ اليفاعة، والأهم التهديدات التي سبقت الاغتيال، ولحظة الاغتيال، وشهود العيان، والإشارة بأصابع ضوئية إلى دور معسكر 20 يونيو، ودور قائده منذ البدء بالتهديد بالقتل والاتهام بالإلحاد للشهيد ورفاقه الصحفيين والناشطين المستميتين المدافعين عن الحريات والحقوق.
التدوين والتوثيق الدقيق لحياة ونشاط هذا الفريق الشجاع الذي أسقط حاجز الخوف، واستضاء بنور الحق، وبرهان اليقين، ونهج الحرية، ووميض الأمل، وقوة المقاومة، ورفض الخنوع.
يحدد الكتاب عام 2011، عام ثورة الربيع العربي في اليمن، بعام إسقاط حاجز الخوف. فقد كان أمجد واحدًا من كتيبة ثورة الشباب، شارك في الأنشطة الطلابية والحقوقية والثقافية والسياسية، وفي الحراك الشعبي السلمي.
وحَسم خياره بالانتماء للحزب الاشتراكي، ونتيجة لنشاطه في عمل الإغاثة ومساعدة اللاجئين والمشاركة في الاحتجاجات، تعرض للتهديد بالقتل، وكان يكتفي بفضح التهديد وإدانة أطرافه الذين يعرفهم جيدًا بالكتابة.
تعرض أمجد للاعتقال في معسكر 20 يونيو، وتعرض للتعذيب البشع، لم يهن ولم يستسلم، واستمر في النشاط الثقافي والتنويري ونشر الكتاب وتوزيعه للقراءة، واصل الدرس والقراءة والنشاط.
وكانت الذروة عام 2015 عندما أسس مع مجموعة من أصدقائه وصديقاته "نادي الناصية الثقافي"، وقد اضطلع النادي بأنشطة فكرية وأدبية وفنية أرعبت قوى الظلام.
وقد تعرّض في عام 2011 للاعتداء بالضرب بالهراوات من قِبل جنود الأمن المركزي، والاختناق بالغازات أثناء مشاركته في الاحتجاج السلمي.
وقف أمجد، في العام 2013، ضد قيام بعض المتطرفين في أحد المساجد بتجنيد الشباب وإرسالهم للقتال في العراق وسوريا، وكانت الكتابة وسيلته الوحيدة لإدانة إرسال الشباب للموت وتفجيع أسرهم.
كان الرد: التهديد بالقتل الذي لا يجيدون غيره.
وفي أغسطس من العام 2015، فيما كان يقدّم العون للمحتاجين والمتضررين من الحرب، ويعمل في إحدى المكتبات الثقافية (خالد بن الوليد)، تعرّض للتهديد بقتله مباشرة، والتهديد بإحراق المكتبة ذاتها، مصدر معيشته، فاضطر إلى ترك العمل بها.
ويرصد الكتاب أنه، في ديسمبر 2011، وبعد المشاركة في إعلان مكوّن مدني في عدن، تلقى رسالة تهديد بالقتل من هاتف يتبع شركة اتصالات سعودية خاص بمقيم هناك.
وفي أواخر يناير 2017، تعرّض للاعتقال والتحقيق والتعذيب في معسكر 20 يونيو من قِبل قائد المعسكر، إمام النوبي، لكتابته ضد هدم مسجد الحامد الأثري.
وقد استمرت الملاحقات والمضايقات والتهديد حتى ليلة اغتياله، مساء الأحد، الساعة 11:45، في 14 مايو 2017.
يتساءل أولياء دم الشهيد ورفاقه:
من اغتال الناشط التنويري والمدافع عن الحريات والحقوق؟ ولماذا؟
ويرون اغتياله جريمة إرهابية سياسية مكتملة الأركان، ويرون - محقين - أن مرتكبي هذه الجريمة (تدبيرًا وتخطيطًا وتنفيذًا) لا تخرج عن تلك الجماعات التي ترفض مبادئ وقيم الحرية والتنوير والمدنية والتسامح، وتمارس أقصى مستويات التعصب لأفكارها وتوجهاتها.
وأضيف أن هؤلاء القتلة المأجورين ليسوا سوى أدوات في مخطط إقليمي ودولي، وأن للرباعية الدولية وأدواتها الإقليمية واليمنية دخلًا في الإرهاب الذي عاشته مدينة عدن ومحيطها.
ولعلّ الحالة التي تعيشها عدن اليوم تجيب عن سؤال اغتيال الشهيد أمجد الذي قدّم روحه دفاعًا عن مدينته، وعن الحرية والتنوير والسلام والعدل.
اغتيال أمجد مرتبط أشد الارتباط بدفاعه عن عدالة القضية الجنوبية ونهج السلمية، ومبدأ تقرير المصير.
المضايقات المستمرة، والإساءة، والتشهير، وتهم الإلحاد، ومن ثم الاعتقال والتعذيب في معسكر 20 يونيو، ثم الاغتيال، وحضور قائد المعسكر للمستشفى لطلب الإسراع في الدفن دون التحقيق في الجريمة، وقيام المعسكر بمنع دفنه "في مقابر المسلمين"، ومنع أسرته من استقبال العزاء، واعتقال المعزِّين، وترويع عائلته، ومنعهم من أي تصريح، واعتقال رفاقه الحزانى.
يتناول الكتاب الصدى الواسع للاغتيال، وتفجيره موجة غضب، ومشاركة مجتمعية كبيرة في التشييع، كرد على إجراءات قمع معسكر 20 يونيو.
ويرصد الكتاب باهتمام بالغ وتوثيق للتغطية الإعلامية للجريمة وملابساتها من الابتداء إلى الانتهاء، كما دوّن ردود الأفعال وبيانات التضامن اليمنية والعربية والدولية.
واعتبر الصحفيون والمراقبون اغتيال أمجد عبد الرحمن اغتيالًا لمدينة عدن، واغتيالًا للتسامح والسلام والتنوير وللحياة الأدبية والثقافية، وتفلتًا للعنف، وتمكينًا للإرهاب، وتشويشًا على عدالة القضية الجنوبية، وتهيئةً للانفصال، وتمزيقًا للمجتمع الجنوبي واليمن كلّها، وهو ما يجري اليوم.
التقارير الحقوقية، وشهادة وشكوى رفيقه، الصحفي هاني الجندي، لها قراءة أخرى.