مقالات

تهافت القبائل من فلسفة ميكيافيللي

13/07/2025, 11:33:33

من مطلع القرن الرابع عشر ميلادي إلى الآن نفضت أوروبا عنها خمول القمع، وكأنها انبعثت من نوم أحد عشر قرناً ، أي من بداية العصر المدرسي إلى فلسفة التجريب ، إلى فلسفة الهدم والبناء، على حد قول (فيخته):

"إذا كنتم تفسرون لنا العالم الذي لم نصطلح معه ولم يصلح معنا، فإننا نريد تغييره من أقصى جذوره" فقال هيجل: "بتفسيرنا تملكون طاقة التغيير، لأنَّه قد أسلم لكم سره، بفضل ما كشفنا من بواطنه".

قال فيخته: "ما زدتم على أن رفعتم ظهره وتقيلتم بطنه، وهو هو، أما نحن فسوف نطلع بالنقيض الأعم، لأنَّ الإنسان الذي تعرَّض للمشانق البابوية وعذاب محاكم التفتيش قد قطع امتاراً في طريق تغيير هذا العالم وجهاً وظهراً.."

وهذا هو السر الذي يملكه الإنسان..!!
ومن ذلك الحين اعتركت مدرسة التفسير ومدرسة التغيير، ولعل أصل أصولها يرجع إلى أزمنة الشموخ على الأقزام:

- معركة الأبيض والأسود، والرومي، والافريقي، والعربي، "كنتم تقولون أنكم سادة العالم، حتى هزتكم ثورة (سبارتاكيوس) ومجموعة من أتباعه العبيد فرأى العبد منكم السيد يرتقي على ظهره، أو يحارب من قلعته ،ولما كانت ضحاياكم أكثر وذنوبكم أجل بفضل ما ملكتم من السهام، جعلنا قوتنا في زخرتنا وانتجنا ما يقضي على الشباب وحامله، بل ما ينسف القلعة بمن فيها وما فيها.

والتفت العُمال إلى صنع المدفع، بدل أن كانوا موقوفين على مسامير أو دواليب فانتصر الشعب بما اخترع، لأنه اخترع هذه المرة للشعب وانفع ما ابتدعتم إلا ما يكسر أعناق الشعوب.

وتبدت على رأس هذا الانتباه فلسفة ميكيافيللي الشاعر والمسرحي والخطيب، والعسكري من أعلى القمم..

- قال ميكافيللي في كتابه (الأمير): "يجب أن نملك دولة أقوى بدلاً من امراء أقاليم كانوا يستنزفوننا لكي يسمنوا وننحل، والآن وجهتنا هي دولة قوية تصهر الإمارات الخمسين في إيطاليا إلى دولة روما فننعش الرومية التي كانت فوق العالم والمختلفة عنه دوماً ولحماً، اتسمت دعوات (ميكافيللي) بفلسفة (الوسائل تبرر الغايات)..

- وتوالت الأسامي الفلسفية تبتدع فناً جديداً في التفكير والتعبير إلى أين؟- إلى تجاوز الإنسان الضعيف، إلى الإنسان السوبرمان الذي يعلو على نفسه وعلى كينونته، وصارت فكرة اقترب من الخوف لتخيفه، وأعمر بيتك على البراكين لكي لا تقتلك وداعة النوم والخمول.. وكان نيتشه فيلسوفاً مختلفاً عن الفلاسفة، لأنَّه كان يكتب كمن يتغنى شعراً، فأذهل أوروبا بسحر بيانه وتناغم أنفاسه، وتداخل حروفه في صوت من أصوات.. فسحر بهذه الطريقة، وقيل: "جذب بقوة الفكرة.."

وكان هؤلاء الفلاسفة يتعاقبون على من يصل إلى النقيض فيقذفه في وجه نقيضه.

أما (ماركس) فتبع سيمون في النظرة الاقتصادية وفي منهج النقد الأدبي، إذ كان يشرح المنظر المثير إلى منبت ونابت ومفاصل في كل القامة، فإذا به يشرح الملحمة اليونانية بيتاً بيتاً وجزءاً جزءاً، فقيل: ذهبت بجمال الشعر قال: ما كان الشعر للطرب، وإنما كان للاندفاع.. فشرحته لكي المس مصدر تماسكه والقوة التي علمته التماسك.."

كذلك فعل في الاقتصاد.. ".. وفرق بين من يدفع أجر العامل ولا يساوي أجره ما سيشربه الارستقراطي في مشرب فطالب بارتفاع أجور العمال والضرائب التصاعدية.

وكان خير من اعتصر هذه الأفكار وخرج بأفكار جديدة هو (روسو) الذي كان رومانتيكياً إلى قرارة نفسه، فهزئ بكل مشهد، وقال في كتابه: (أميل والتربية): "علينا أن نتدرب من الطفولة، فلا نرمي على أكتاف الآباء، بل نُعلي أكتافنا بالخشونة، والدلال الأبوي والأمومي.."

وظلت هذه الأفكار تحفر في الصخور حتى تبازغت ، فشكل ميكيافيللي عن أمر الرأس الأعلى ما سُميت بعجنة  (العشرة) حتى لا تنهزم إيطاليا مرة ثانية. وتتحول إلى إمارات ضعيفة يبتلعها الغازي كما سبق وفعله الجيش الفرنسي، لأنها دولة واحدة وإن تشتت منازعه.

وكان هناك سياسي أميراً على إمارة روما ، فاستوعب خصائص الأفكار وطبيعة تركيب المجتمع فباشر الحروب على الأقاليم وجر كل إقليم إلى أخيه، حتى وحد ألمانيا، وعلى هذا الصنع الفائق كان الانتقاد الصحفي يلاحقه بأنه قصر في المنطقة الفلانية فترك ثغرة مفتوحة للعدوان، وقصر في التوعية عن قيمة الدولة القوية الواحدة، على أنها مقيدة بشرط أنها للشعب وليست عليه: "وها أنا على رئاسة الوزراء كمن يدير مدرسة ابتدائية، لأننا والينا الهجود على الفراش، والسياسة تنمو أفكاراً حبلى بجلائل الأعمال"

- وسار اسم (بسمارك) مثلاً يتردد على الشفاه لأنه أنشأ الفكر القومي، فلا يقابل الشعب العدو المسلح بلا سلاح شجاع..

وكان الشباب الطلاب في المانيا وإيطاليا وباريس يلاحقون أفكار بسمارك وكيف كشف هذا السر عن تلك السياسة المتماوتة؟ وكيف وصل إلى حيوية الشعب من خلف تماوته، ومع هذا يتهمونه بالتقصير، لأنه لم يخلق الدولة الواحدة تامة الأجزاء الأرضية، والأسوار المانعة: "فنحن نعرف مرارة الهزيمة فلنستحل من الآن مرارة التضحية.."

وأما في ديار العرب فكان (بسمارك) المثل الأعلى، وكانت الأمة العربية تتململ تحت النير التركي، ومشانق جمال باشا تنتظر الرؤوس بعد الرؤوس، وكان ليس في الشام إلا نعاج.

وهنا شمت بريطانيا الحركة القومية وأبدت التعاطف وهيأت الشريف حسين في الحجاز لتزعم ثورة قومية ، فأمكن أن يتلاعب الانجليزي بمكانة الهاشميين الذين يرون انتمائهم إلى العترة النبوة محل التجلة بعدما أشاع التُرك الأمية حتى لا يعرف العرب من جد هذا ومن جد ذاك..

وكانت تركيا والشام يمدان السكة الحديدة بين عمان ودمشق وجدة وأول ما فعل الثوار هو أن نسفوا الجسر!!

وفي نفس المرحلة حول آل سعود من مشيخة إلى سلاطين وكان نجد والحجاز ثلاث إمارات على ثلاث عواصم:

جدن والدرعية، وحائل..

وكان الهتاف بحياة بسمارك.. حتى بعد أن تزعم تشرشل العالم، فإن أصحاب السمعة الإحيائية هم البسماركيون، كما قال نجيب محفوظ:

" كانت أمينة أحرص ما تكون على أولادها، وبالأخص أن الانجليز يقصفون المظاهرات ورجع فهمي يوماً على جبهته جرح، فقالت له: أنت ابن الشيخ عبدالجواد التاجر، أبوك ليس بسمارك.."!!

فقد أصبح على شفاه الأميات بعد الأميين، لتشابه أحوال العرب تحت الوطأة الفرنسية، وقد تشتد قوة فرنسا، فيتحالف الأقوياء على الضعفاء، فعلينا أن نسبق الموج المتجمع للوثوب، وكانت خطابات بسمارك تشبه موسيقى (بيتهوفن) الألماني حتى قيل: ألمانيا موطن النبوغ، وروما منبت القيصرية الرومانية التي تعلو بمفهوم القومية الرومانية، وتُعلى صيتها قبل صوتها.

وكان العرب يقاتل التركي.

وكانت بريطانيا تدنو ذراعاً إذا جاوزت العروبة إصبعاً فاقتادت البيت الهاشمي من حيث أرادت له منبتاً أفضل فتحول الشريف حسين إلى المنفى وسلت أولاده بالمواعيد على امتلاك سوريا والأردن والعراق.. ثم الهلال الخصيب.

فإذا لاحظنا النهضة الأوروبية فسوف نرى أن الفلاسفة كانوا طليعة بنزولهم من البرج السماوي إلى الشارع ميكيافيللي طاغية، ومن بسمارك مهرجاً ومن (نيتشه) مجنوناً ومن فيخته مبشراً بالعدم- لأنه قال: أقسم أن الرومان الآباء تحت كل قميص واحد منا فلنحيهم فلكل مكانه في الميزان الفلسفي.

- فعلى جودة (نيتشه) فناً وفلسفة كان اضحوكة يريد المحال وهو يُطرب حنايا النفوس..

مقالات

قراءة تحليلية: الحوثي والتصعيد الإقليمي في ظل تراجع إيران

من خلال قراءة الأحداث المتسارعة في البحر الأحمر وخليج عدن، أجد أن المشهد العام والتطوّر الأخير، في ضوء التصعيد الحوثي الأخير في البحر الأحمر وبحر العرب، ووسط التراخي الأمريكي النسبي، تتزايد دعوات إسرائيل لواشنطن من أجل استئناف الضربات الجوية ضد الحوثيين.

مقالات

تصفية الشيخ حنتوس.. الكرامة كتهديد للسلالة

تصفية الشيخ صالح حنتوس لم تكن نتيجة مواجهة مسلّحة نظامية، ولا حصيلة خصومة جنائية، بل تعبير عن إرادة حوثية مطلقة ترى في في كرامة رجل مسن رفض الانكسار، تهديدًا وجوديًا لمشروعها القائم على الإذعان التام والهيمنة المطلقة على حياة الناس وواقعهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.