مقالات

عدن : اغتصاب ذاكرة !

11/10/2020, 18:24:37

للمدينة ذاكرة لا تمحو ولا تُمحى . ذاكرة المكان والزمان والناس والأشياء والمشاعر والألسنة.

منذ أكثر من ثلاثين سنة، أعود إلى مدينتي ( عدن ) بين الحين والآخر، فلا أجد المكان باقياً في مكانه. وبالطبع غادر الزمان مساحته في العين والقلب والذاكرة. أما الأشياء فلم تعد هي الأشياء نفسها، ولا المشاعر . حتى الكلام المتداول صار غريباً عني، فثمة لغة جديدة تسود الشارع ولسان غير اللسان !

هذه الملاحظة تنطبق على مدينتي الأخرى (صنعاء) إلى حدٍّ كبير أو شبه متطابق. وأهلها الأصليون أجدر مني بالحديث عنها وعن أمورها - اليوم - التي اختلفت عن أمورها قبل بضعة عقود. وتأتيك تعز بالحديث نفسه، والمكلا، والحديدة، فأغلب - إن لم يكن كل- المدن اليمنية شهد المشهد ذاته.

للمدينة العتيقة ذاكرة عميقة، كذاكرة الغربان والأفيال والخيول والدلافين، ذاكرة تاريخية بحق وجدارة، غير أن بعض المدن - لاسيما الحديثة - لها ذاكرة الأسماك أو ذاكرة بعض الحشرات. ويجدر القول في مثل هذه الحالة إن للمدن القديمة ذاكرة الحياة، فيما المدن الجديدة مصابة بالزهايمر.

" مدن الأرض مثل النساء،

ومثل البحيرات ". ( ع . المقالح ) 

إن مدن البحر هي الأسطع ذاكرة من مدن الجبل والوادي ...

لا أدري كيف جاءت هذه العبارة إلى ذهني؟، وهل هي فرضية نظرية أم قاعدة ثابتة؟. هل مرَّت بي يوماً خلال قراءةٍ ما؟، أم أنها من بنات أفكاري المنتمية إلى مدينةٍ بحريةٍ سكنتُها وسكنتْني منذ زمنٍ بعيد؟

ربما لأن مدن البحر تستقبل وتحتضن وتُودِّع أسراباً شتى من البشر من كل الأجناس والألوان والألسن والعادات والمشارب والأديان، لأزمنةٍ مديدة ولأجيالٍ عديدة. وهؤلاء جميعاً ينحتون ذاكرتها، فيؤثرون فيها ويتأثرون بها، يُصبغونها بهوياتهم ويُلبسونها طبيعتهم، فإذا بذاكرتها تحتوي كل ذلك القدر الهائل من التنوع والاختلاف وهذا الموزاييك العجيب من الثقافات والحضارات.

وذلك على العكس تماماً من المدن المسلولة إلى جبل أو المصلوبة على وادٍ، فتلك من طبيعتها الانغلاق على نفسها وأهلها ومن ديدنها أن تدور حول فلكها على نحوٍ نمطي سائد منذ عقود وعهود وأزمنة متلاحقة.

"المدينة لا تعرف أصحابها". (مقولة إيطالية)

سيقول قائل إن عديداً من العواصم -وإنْ كانت مدينة جبل أو واد- تكتسب بالضرورة طبيعة مدينة البحر، بسببٍ من توافر الاختلاف والاختلاط والتنوع والتجدد في نوعية سكانها، لكونها عواصم فحسب. وأقول إن ذلك صحيح إلى حدٍّ بعيد. فمدينة صنعاء - مثالاً - تكتسب هذي الصفة كعاصمة جذبت طبيعة ونوعية الحياة فيها أناساً من كل المدن والقرى والجهات في طول البلاد وعرضها، ومن خارج اليمن أيضاً.

وقد يمتعض البعض من زعمي بأن مدينة صنعاء (اليوم) سلبت مدينة عدن هويتها التي كانت تُفاخر بها عهداً طويلاً في الماضي باعتبارها مدينة كوسموبوليتية بمعنى الكلمة، لاسيما بعد أن صارت مدينة طارِدة ومُطارِدة لليمنيين المنتمين جغرافياً أو طائفياً لبعض جهات البلاد دون غيرها !

"لا تخلط بين المدينة العظيمة والمدينة العامرة" . (أرسطو)

للأسف الشديد أن عقلية حملة سلاح الأكتاف، لا سلاح الأدمغة، قتلت في عدن هويتها التي خلقها الله عليها منذ أبدع نقشها على ساحلٍ لازوردي كلوحة فسيفسائية بديعة للغاية، لم تستطع كل الأزمنة والأنظمة أن تطمسها أو تخدشها، فجاءها من مزَّقها تمزيقاً واغتصبها اغتصاباً لمرضٍ في النفس خطير!

إن المدن أيضاً، وليس النساء فقط، تتعرض للاغتصاب. واغتصاب المدن يكون باغتصاب هويتها العريقة وثقافتها الأصيلة. وذاكرة المدينة هي التي تتأذَّى وتُدمَّى وتتألم جراء هذا الفعل الشنيع. وأستطيع أن أرى ذاكرة عدن وقد تعرضت لهذه الجريمة اليوم على مرأى ومسمع من التاريخ وأهله.

" ماذا يجري في الجبهة

يا لوركا

نزلتْ خمسُ قبائل

بالمايوهات

إلى الفودكا " ( م . ح . هيثم )

مقالات

"بلقيس" لا تطفئ الشموع

ربّما زهرة العمر قضيتها في قناة "بلقيس"، كنتُ قادماً من عملٍ في وسيلة إعلام رسمية ممتلئة بالمحاذير إلى وسيلة شعارها "صوت كل اليمنيين"، كان ذلك بمثابة انتقال بين عالَمين.

مقالات

هذه البصمة وهذا الإنجاز

بعد غياب دام أكثر من عشر سنين، عن مدينة الطفولة والتعليم الأساسي؛ مدينة تعز، وأثناء طوافي القصير خلال إجازة العيد في أحياء مدينة تعز، شد انتباهي واستوقفني هذا الصرح العلمي، الذي ينتصب في "مديرية المظفر"؛ الذي اُستكمل إنشاؤه وتجهيزه مؤخرا؛ وهو عبارة عن "مدرسة أساسية وثانوية للصم والبكم

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.