مقالات

فرصة أخيرة للسلام

24/04/2025, 17:36:09

تواصل الولايات المتحدة غاراتها الجوية العنيفة على مواقع الحوثيين في محافظات عدَّة.

هذه الغارات لا تخلو من إلحاق الأذى باليمنيين في أرواحهم ومنشآتهم المدنية.

مع ذلك، نقول: إن الغارات الأمريكية تنطوي على فرصة لليمنيين قد لا تعوّض وقد لا تأتي مجددا.

هذا لا يعني التأييد للضربات الأمريكية، ولا يعني أننا مطمئنون إلى نتائجها. لدينا تجربة عُمرها عشر سنوات من التدمير، بزعم استعادة الشرعية.

الولايات المتحدة أعلنت أن الهدف هو منع هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهي التي كانت قد منعت هزيمتهم في الحديدة وفي معركة 'نِهم'.

لذا تؤشر هذه الأحداث إلى فرصة ثمينة لليمنيين، وحتى للسعودية، بسبب أن الحوثيين قدّموا كل المبررات لاستهدافهم بقوّة.

هي كذلك مهمّة أخلاقية لإنقاذ اليمنيين من جبروت الحوثيين، الذين يتعرّضون في مناطق سيطرتهم للاختناق والتعذيب.

هؤلاء لا أحد يأبه لأوضاعهم، كما للمدنيين الآخرين في مناطق التماس، الواقعين تحت رحمة القذائف شبه اليومية.

ندرك أن مفردة "الأخلاق" هذه أضحت غريبة في عالم يخلو من الإنسانية، ونشهد فصولا مظلمة من الانحطاط.

لكن بعض الصدف الجميلة تلعب أدوارا في حياة المجتمعات، سواء أثناء الحروب أو عمليات السلام.

الحركة الحوثية قدَّمت لنا فرصا وصدفا عديدة، وأثبتت أنها طائفة غير قابلة للحياة، ومهددة للتعايش السلمي، وخطرة على اليمنيين وعلى غيرهم، وليس لها عهدٌ ولا ذمة.

لقد اهتدت واشنطن إلى هذا السبيل بعد أن ارتكبت جرائم بحق اليمنيين، ووقفت أمام إرادتهم للخلاص من 'الجائحة الحوثية'.

لا ندري ما ذا تحتاج السعودية كي تدرك هذه الحقيقة. إذا كانت تعتقد بأنها تقف في مساحة جيِّدة الآن، وأن التوافقات السياسية مع إيران ستحميها، فأمريكا نفسها، البعيدة جغرافيا، كانت تعتقد ذلك.

أما الرياض فتجربتها ماثلة، فأول مرّة تعرّضت منابع النفط فيها للهجمات، وهي اعتداءات قد تتكرر في المستقبل.

ظلت السعودية ولا تزال محطة ابتزاز من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهي معرَّضة لذلك من قِبل الحوثيين على الدّوام.

من الواضح أن هذه التطوّرات -إذا مرّت على جماعة الحوثي بسلام- فستخرج أقوى وأكثر تسليحا، وستكون الجيب الأهم لطهران بعد خساراتها في لبنان وسوريا.

من المؤكد أيضا أن المليشيا ستجبر كل الأطراف على خوض نزالات جديدة معها، ولن تُعدم وسائل التحرّش والمواجهة مع كل طرف.

إذا كان هدف الحرب، كما تقول واشنطن، إنهاء استهدافها للملاحة، فذلك يعني تدمير قدراتها العسكرية بشكل جزئي.

هذا ليس في صالح كل خصومها، ولن يمنعها من استعادة قدراتها العسكرية والتعافي مجددا.

أي محاولات لاقتطاع أجزاء من سيطرتها، وبالذات في السواحل وموانئ الحديدة، لن تقبله وستواصل استهداف الحكومة، ومنع استئناف تصدير النفط من شبوة ومأرب.

قد تضطر أيضا إلى ابتزاز السعودية لتعويض خسائرها، كما ظلت تفعل خلال الفترات الماضية.

وبالتالي، يدرك كل خصوم الحوثي أن هذه المعركة اذا لم تكن هي الحاسمة، فستكون هناك معارك مؤجلة مع كل طرف، وقد تأتي في ظل ظروف ومتغيِّرات ليست في صالحهم.

من الأنسب أن تُخاض الحرب الآن وليس غدا، وبواسطة الحكومة اليمنية وقوات الجيش؛ استغلالا لظروف الانكسار الذي تمر به طهران المغذية للعنف والفوضى.

سبب آخر مُهم؛ وهو أن جماعة الحوثي أثبتت في كل المحطات أنها مليشيا حرب، ولا يعرف السلام إلى عقيدتها القتالية طريقا سالكا.

أي متتبع لتطوّراتها سيُصاب بنوبات من القهر؛ نتيجة محطات الغدر الكثيرة والتفريط السهل في مواجهتها في البدايات الجينية للتشكّل، حتى غدت بهذه القدرات العسكرية المهددة للداخل والخارج.

سيتعيّن على واشنطن، ومثلها السعودية، الإدراك جيدا أن الطريقة المُثلى لجعل الحوثيين غير قادرين على تهديد الملاحة الدولية، ومنشآت النفط، يستلزم اللجوء إلى سياسة دعم غير مباشر ولو على شكل ضوء أخضر لتحرّك بري يمني دون خطوط حُمر، كما حدث خلال فترات سابقة.

كانت فرص السلام سهلة في اليمن، وكلْفتها العسكرية قليلة جدا، ولهذا تعد هذه الفرصة الأخيرة للسلام، التي قد لا تأتي بمثل هذه الظروف السانحة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.