مقالات

لمَ لا تعود قيادات الأحزاب إلى عدن؟

19/01/2021, 10:40:20

لا يمكن القول إن عودة الحكومة الشرعية إلى عدن هي عودة للدولة، ما لم يترافق الأمر مع تطبيع شامل للوضع، وتهيئة المجال العام لكافة الأنشطة المدنية والسياسية الموازية لحضور الدولة، بدون هذه الخطوة تظل عودة الحكومة مجرد إجراء شكلي غير مضمون ولا يبشر بمستقبل باعث للتفاؤل. 

منذ عودة الحكومة، ظلت الأجواء العامة في عدن على ما كانت عليه، ولم يستتبع عودة الحكومة انفتاح للمجال العام واستعادة لحيويته المفترضة، بكل ما يستلزمه الأمر من عودة للنشاط الحزبي والمدني، وبداية لتدشين مرحلة مختلفة تتجاوز فيه العاصمة عدن طابعها الأحادي سياسيا وإعلاميّا وتستعيد أجواء التعددية والمناخ الحر المبشر بتعافي الدولة والمجتمع معا. 

إن أول شرط ضامن لحضور الدولة وكاشف لمستقبلها في أي مدينة هو مدى قدرتها على حماية التنوع الخلاق في المجتمع، وكسر حالة الاحتكار السياسي الذي تمارسه أي جهة في المجال العام، وهذا ما لم تبرز أي مؤشرات بشأنه في العاصمة المؤقتة (عدن)، منذ عودة الحكومة إليها. 

بحسب ما أعلم، فإن ثمة ممانعة غريبة يبديها 'المجلس الانتقالي' المهيمن على الأجواء في العاصمة عدن، بخصوص سماحه بعودة النشاط الحزبي والمدني إلى مختلف القوى السياسية المشاركة في 'اتفاق الرياض'، هذا المنع يترك علامات استفهام كبرى حول مدى جدية المجلس الانتقالي في الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالاتفاق، ويكشف عن نوايا مستقبلية، حول مآلاته، طالما لم يفضِ لتطبيع شامل للوضع والسماح للحكومة بممارسة صلاحيتها الشاملة، بما في ذلك التزاماتها بحماية الحقوق المدنية والسياسية لمختلف أطياف المجتمع. 

لا يوجد تفسير لحالة الرفض، التي يبديها المجلس الانتقالي، بخصوص عودة قيادات الأحزاب ومسؤوليها إلى عدن، سوى أن المجلس ليس متقبلًا للمسار السياسي بشكل نهائي، وأنه يرفض كل سلوك يعزز من حضور الدولة ويضاعف من نفوذها في المناطق المحررة، بما في ذلك النشاط المدني المعبّر عنها والدال على رسوخها. 

إن جوهر المشروعية السياسية والقانونية للدولة، يتجسد واقعيا في مدى امتلاكها صلاحياتها الكاملة وقدرتها على الفعل إلى جانب تمكنها من حراسة المجتمع وتهيئة الأجواء للتنافس الخلاق، وحين يتم تجريد الدولة من صلاحيتها هذه، تغدو فكرة السلطة الشرعية معطلة أو مقيّدة، ولا يكون لحضورها الشكلي معنى حقيقي ومكتمل. 

في الحالة اليمنية، وفيما يتعلق بوضع الحكومة الشرعية في العاصمة عدن، يبدو أن الانتقالي يريدها حكومة شكلية محدودة الصلاحيات، وبهذه الحالة يظل الانتقالي سلطة فوق السلطة، يستخدم غطاء المشروعية الذي تمنحه له لتعزيز نفوذه على حسابها، بالمقابل لن يسمح لها بامتلاك صلاحيتها الكاملة؛ لكنه لن يتوانى عن تحميلها مسؤولية أي فشل يحدث، مع أنها مجردة من قدرتها على الفعل بحُرية كاملة. 

تقبل الانتقالي المضي في 'اتفاق الرياض'؛ كنوع من المناورة لترسيخ سلطته أكثر، وما لم يتمكن من ذلك لن يسمح للحكومة بمزاولة نشاطها الكامل ما لم يصب ذلك في مصلحته، والحال هذا يكون 'اتفاق الرياض' مفخخا من داخله، حيث كل المؤشرات توحي بذلك، فنحن أمام حكومة تحت رحمة شريك يخطط لابتلاعها أو الإيقاع بها في أي لحظة. 

بالأمس القريب، حدث مؤشر آخر يعزز هذه القراءة، هو رفض الانتقالي قرارات رئاسة الجمهورية الأخيرة، مع أن 'اتفاق الرياض' لم ينص على ضرورة تقاسم القرار السيادي المتعلق بصلاحيات الرئيس، ما يعني أن الانتقالي لا يريد تجريد الحكومة من صلاحيتها فحسب؛ بل والرئاسة أيضا، وهذا لا معنى له سوى أن الانتقالي يريد ممارسة نوع من الوصاية السيادية على الشرعية بكاملها، مستندا بذلك على ما يملكه من قوة خشنة مسيطرة على الوضع في العاصمة عدن وما حولها. 

حين يعلو صوت القوة، يعني ذلك تدمير السياسة؛ كفعل هو بمثابة النقيض الموضوعي للعنف، وبهذا لا معنى لأي تسوية سياسية لا تحيّد منطق القوة وتستعيد لغة السياسة وتوابعها، لكن ما يحدث في عدن يوحي أن لغة القوة ما تزال تلوح في الأفق، وهو ما يعني فشل السياسة في تثبيت ذاتها كطريق وحيد لإدارة الحياة العامة في الجنوب. 

الخلاصة: ما لم يفضِ 'اتفاق الرياض' لتجريد المجلس الانتقالي من امتيازاته العسكرية في المناطق المحررة؛ سيظل عامل تهديد يبشر بنسف الاتفاق في أي لحظة، ويستقوي بالسلاح لانتزاع مزيد من المكاسب السياسية من الحكومة، وبهذا يجيّر الاتفاق بالكامل لصالحه أو يفرغه من مضمونه، وإذ لم يتمكن سيعمل على تقويضه بالكامل. 

الكرة في ملعب الرئاسة والحكومة الشرعية والجهة الراعية للاتفاق، متمثلة في المملكة العربية السعودية، كما أن القوى السياسية والمدنية مطالبة بموقف واضح تجاه ما يحدث، وأول التحديات أمامها: التمسك بحقها في العودة إلى العاصمة عدن، ومزاولة نشاطها الكامل من هناك، كسلوك تمتحن به مدى جدية المجلس في التوقف عن تهديد الحياة السياسية بالسلاح، وفتح الأجواء للعمل السياسي دونما قيد أو شرط؛ لكن ما هو صادم أكثر ليس ممانعة الانتقالي من عودة الأحزاب؛ بل عدم وجود حماسة كافية لدى القوى المدنية لاستعادة فاعليتها وتقبلها للوضع الشاذ، حيث طرف مستأثر بكل شيء، وبقية القوى الفاعلة ممنوعة من ممارسة حقوقها المدنية والسياسية، ما يؤشر على حالة من العطالة الذاتية الغريبة لدى هذه القوى، وربما تواطؤ ضمني مع هذا الوضع القائم، وهو ما يغري المجلس الانتقالي بمزيد من التعنّت ويمعن في إضعاف الحكومة، وإبقاء الحياة السياسية في حالة من الشلل الكامل.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.