مقالات
ماذا تبقى لليمنيين من أرضهم وقرارها السيادي!!
في مطلع أبريل 2022م، تفاجأ اليمنيون بعملية إزاحة رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، من موقعه بطريقة مسرحية مكشوفة، في ليلة اختتام مشاورات النخبة السياسية اليمنية، التي فصَّلت أسماءها واستدعتها، إلى العاصمة السعودية الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بإيعاز من الرياض.
الإزاحة الناعمة تمّت بقيام الرئيس هادي، مكرهاً، بنقل كامل صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي، بعد أن أصدر قبلها مباشرة مرسوماً رئاسياً بإعفاء نائبه (علي محسن الأحمر) من مهامه، لسد أي ثغرة دستورية في عملية الانتقال، التي تتجاوز النائب - الذي ضحَّت به السعودية بعد أن ظل لسنوات طويلة أحد أذرعها الفاعلين داخل المشهد اليمني.
مجلس القيادة الرئاسي، الذي اُعلن عنه، تكوَّن من سبعة أشخاص برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي - رجل السعودية الأول في هذه المرحلة- وبستة نواب يمثلون مفاعيل القوة العسكرية وأذرعها الأمنية على الأرض، ويمثلون سياسياً أكبر حزبي الأزمة المستديمة في البلاد (المؤتمر الشعبي وتجمع الاصلاح)، ويوالون عملياً دولتي التحالف الرئيسية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، ويستندون على تمثيلات جهوية غير مستضعفة(*).
سبق قرار الإزاحة ضخ إعلامي شديد وموجّه، بقي لأشهر طويلة يطالب بإصلاح مؤسسة الرئاسة اليمنية، وتوسيع قاعدة القرار فيها، من أجل إخراج اليمن واليمنيين من دوّامة الحرب بالحسم أو التسوية.
الرئيس المُزاح، الذي بدا ضعيفاً صامتاً -من وجهة نظر اليمنيين- لسنوات طويلة، كان في الغالب يقف على الضد من (بعض) مشاريع التحالف التفكيكية للبلاد.
ترافقت الإزاحة حينها بإعلان الأمم المتحدة عن هدنة عسكرية بين الأطراف المتحاربة لمدة شهرين، تقوم على وقف الأعمال العدائية في الداخل والخارج، مع السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وفتح جزئي لمطار صنعاء الدولي، لتسيير رحلات محددة من صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمّان والعاصمة المصرية القاهرة، إلى جانب تهيئة مفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً لفك الحصار عن تعز بالبحث عن آليات فاعلة لفتح الممرات المغلقة، التي تسببت لسبعة أعوام في خنق المدينة بكثافتها السكانية الكبيرة، إلى جانب صرف مرتبات الموظفين الذين يعملون في المؤسسات والجهات الحكومية التي تخضع للحوثيين من رسوم عائدات بيع المشتقات النفطية الداخلة عبر ميناء الحديدة.
اتفاق الهدنة المتزامن مع التغيّرات في "مؤسسة الرئاسة" قد تم بهندسة دولية وإقليمية، لمحاولة تهدئة الصراع في هذه البؤرة المنسية كنوع من تخفيف الضغط على الأسواق العالمية التي تعاني من نقص حاد في إمدادات الطاقة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، التي تسببت في انقطاع النفط والغاز الروسيين عن دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول العالم، بسبب قرارات المقاطعة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبريطانيا بحق روسيا، فكان لزاماً على السعودية أن تغطّي هذه الفجوة.
ولتنفيذ هذه العملية كان على الشركاء - من المتضررين الكبار- العمل على تهدئة بؤرة الصراع التي تورّطت فيها الدولة النفطية الغنية، ولم تستطع حسم حربها، بعد أن انتقلت الحِمَم إلى خاصرتها الجنوبية، وصارت منشاءاتها البترولية في مرمى الصواريخ والمُسيَّرات الإيرانية، التي تصلها عبر وكيلها الحوثي، الذي ما فتئ يكبر ويتقوّى يوماً بعد آخر، بسبب فساد إدارة ملف الحرب من قِبل ضباط الشقيقة ووكلائها في الداخل، الذين وجدوا في استمرارها مناسبة لتعظيم مصالحهم.
اليوم، وبعد ثلاث هدنات، بتأسيسات الهدنة الأولى وهندستها المائعة ذاتها، لم يتم فك حصار مدينة تعز، ولا فتح ممرات آمنة لتنقل المواطنين والبضائع منها وإليها، ولم يتم صرف مرتبات الموظفين المقطوعة منذ أكثر من ستة أعوام، على الرغم من عائدات رسوم دخول المشتقات النفطية -خلال الأشهر الأربعة الماضي- مليارات الريالات التي تغطّي هذا الجانب.
بعد ثلاث هدنات لم يزل الحوثي، الذي تدخّل التحالف لاستعادة البلاد التي اختطفها بقوة السلاح، هو الطرف المدلل في هذه الهدنة، لأن صواريخه ومسيّراته الإيرانية صارت قادرة على إرباك الأسواق العالمية من جديد أكثر من أي وقت مضى.
وبعد اكثر من أربعة أشهر من تشكيله، لم يزل مجلس القيادة الرئاسي عرضة للتجاذبات الكبيرة بين أعضائه الذين يمثلون قوى عسكرية وأمنية وسياسية وقبلية ممسكة بالأرض، عدا رئيسه الضعيف وغير المسنود إلاَ من دعم السفير السعودي - الحاكم الفعلي للبلاد - ولا يجد مصالحه متحققة إلاً بوجود الإمارات وأذرعها التي تلقى دلالاً، بتدليل المخلب الإيراني ذاته.
يعمل مجلس القيادة الرئاسي كمجموعة من الموظفين البائسين الذين يتلقون تعليماتهم من كفلائهم في الرياض وأبو ظبي، وصار وجودهم في عدن أشبه بضيوف مؤدّبين يعملون بقاعدة "الضيف بحكم المضيِّف"، وإن قرارات التعيينات والمراسيم الأخيرة تشير بوضوح إلى تأثيرات المجلس الانتقالي فيها، بسبب حضوره القوي على الأرض التي يستضاف فيها مجلس الرئاسة، وتأثيره أيضاً في محيطها الكبير.
كتب مصطفى النعمان، في صفحته الفيسبوكية، في 14 أغسطس منشوراً تهكمياً بليغاً عن هذه الحالة قال فيه:
"واضح من القرارات الأخيرة الانسجام التام بين رئيس مجلس الحكم وعضو المجلس عيدروس الزبيدي.. سياسيا هذا يعني: إما أن الأول مقتنع بأن الثاني صار ملتزما بدستور وقوانين الجمهورية اليمنية.. أو أنه هو صار يعمل بناء على رغبات عيدروس الانفصالية.. المنطقة الرمادية لا تصلح لحكم البلد".
مجلس القيادة الرئاسي لَمْ يَخْطُ خطوة كبيرة في اتجاه إحداث الفارق عن المرحلة التي سبقته، لا في اتجاه حسم المعركة ولا في إنجاز تسوية، تُخرج اليمنيين من دوامة البارود والدم، وإن قرارات السيادة اليمنية لم تزل تتخذها بالنيابة عن الحكومة اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات)، بالإضافة إلى سلطنة عُمان (ضامن الحوثيين ولسان إيران الفصيح)، والمجلس وحكومته آخر من يعلم بها.
اليمن في ظل المجلس الرئاسي صارت نهباً للمتحاربين ورعاتهم، الذين يتحكمون بثرواتها في البر والبحر، ولم يتركوا لليمنيين غير العراء يدلقون عليه بؤسهم العظيم.
____________________________
(*) لوحظ مثلاً أن مدينة حيوية بحضورها الرمزي كعاصمة مؤقتة مثل عدن، ومنطقة حيوية في اليمن مثل تهامة، مستبعدتان من هذا التمثيل الجهوي الفج.