مقالات
مأرب.. المقاومة لا تكفي
لا تزال مأرب تقاوم ببسالة محاولات مليشيا الحوثي الهجوم على المدينة واقتحامها.
صور كثيرة بثتها صفحات الناشطين حول مقاتلي الحوثي وهم صرعى أو أسرى في جبهات القتال.
مقابر صنعاء ومستشفياتها مكتظة بالقتلى. هذا صحيح. لكن ذلك لا يكفي، ولا يجب أن يكون مخدرا للرّكون إلى صلابة المقاومة وحدها.
مهما بدت الخسارات، لن تشكل رادعا لمليشيا فاشية من تجريب المزيد من المحاولات، إذ تعد أخبار الموت هي رأس مالها، ومجال فخرها، وزواملها في نيل الشهادة.
يبدو أيضا أن التحالف بقيادة السعودية يبلي بلاءً حسناً في غاراته الجويّة، ودقّة تصويباته، وتؤكد تصريحات القيادي محمد علي الحوثي، التي قايض فيها السعودية بوقف الصواريخ 'البالستية، مقابل وقف الغارات في الجبهات، هذا المنحى.
لكن هذا اعتبار آخر، قد يسقط مع طول أمد المعركة. مهما بدت جبهة المقاومة متماسكة وعصيّة على الاختراق، تذهب كل المؤشرات إلى أن استمرار المعركة بالأدوات الحالية نفسها قد تولّد خيانات أو صفقات ومقايضات في ملفات كبرى في المنطقة.
حتى على مستوى التماسك القبلي، إطالة المعركة باستراتيجية التصدّي قد تولد إحباطات مدفوعة بكثير من الآراء، من
بينها انعدام الرواتب، والصخب الإعلامي حول فساد الشرعية، والقيادات العسكرية الميدانية.
لا يمكن الركون إلى كثير من الاعتبارات مهما بدت منطقية حتى الآن.
تقديري أن جبهة المقاومة 'المأربية' الباسلة هذه حالة مثالية وفريدة تُوجب الانتقال إلى الهدف التالي.
إن لم يكن هدف الهجوم في الجبهة ذاتها وجبهات أخَر، أقلّه وقف المعركة للجميع، لكي يأخذ الطرفان استراحة محارب.
أما أن تظل جبهة مأرب وحدها هدفا مستمرا لخطط طهران في تدريب وكلائها على وسائل اقتحام المدن، فتلك -في نظري- هدية ثمينة، ومناورة واقعية لسد اختلالات العدو.
كتب السياسي عبده سالم حول قصة صمود مأرب، موضحا كثيرا من الاعتبارات، بينها تواجد الشركات النفطية الأمريكية والأوروبية، التي قال إن المجتمع الدولي لن يقبل أن يكون البديل شركات روسية وإيرانية.
تقديري -أيضا- أن هذا الاعتبار ليس دقيقا في معركة مأرب. لا تزال مليشيا الحوثي تحيط بالمدينة، وصواريخها تصل إلى عُمق السعودية، وليس فقط إلى وسط مدينة مأرب، ولم يحرك ذلك سوى قلق المجتمع الدولي.
قبل ذلك، كانت صنعاء عاصمة سياسية وتجارية للجمهورية اليمنية، ومجمع مصالح وسفارات الدول الغربية، لكن معظم تحليلات كثير من النّخب سقطت حين فسخت تلك الدول خيط الوهم عن الجميع ، وصفت تركتها في لحظات ذهول اقتحام المدينة التاريخية.
ثمة ما هو أهم من جميع المصالح الغربية في اليمن، حيث تقدم السعودية مثالا جيدا لاختبار تلك المصالح: عقود من الشراكة الاستراتجية مع أمريكا، وبحيرة نفط تغذّي العالم، لكنها أضحت مكشوفة لهجمات وكلاء طهران في المنطقة، بشكل مباشر.
ليس أمام المجتمع الدولي إلا التعبير عن القلق في كل مرّة تصل صواريخ مليشيا الحوثي وطهران إلى المُدن السعودية.
وصلت الصواريخ إلى عصب الطاقة العالمية في المملكة، ولم نرَ فزعة المجتمع الدولي مثل فزعته عقب تصنيف واشنطن الحوثي ك'جماعة ارهابية'.
أثمرت التحرّكات برفع التصنيف من قائمة الإرهاب بشكل أسرع من المتوقع، رغم أن كل تصرفات المليشيا الحوثية تدلل على أنها أسوأ الجماعات الإرهابية في التاريخ.
الخلاصة: نحن أمام معايير دولية مختلّة في عالم اليوم، ولا يجب الركون إلى اعتبارات عقود مضت، وعفا عليها الزمن، بعد تجارب ثورات 'الربيع العربي'.