مقالات

مأرب.. عمود الجمهورية وكابوس السلالة الأبدي

28/04/2025, 19:01:08

حينما غرقت المدن في سُبات الهزيمة، كانت مأرب المدينة التي لم تستسلم لمراسم الانطفاء. تقاوم لا لأنها أقوى عتاداً أو أوسع عدّة، بل لأنها  مشيَّدة من الإرادة، مصنوعة من جوهر الحُرية، ومدفوعة برغبة غامضة لا تفهمها جيوش الغزاة: الرَّغبة في البقاء ككائنات حُرة فوق هذه الأرض.

لا يمكننا أن نختزلها كمساحةً على الخريطة؛ لأنها القلعة الأخيرة لعقيدة الجمهورية، المتراس الأخير الذي وقف في وجه الزَّحف السلالي، الحاجز النفسي الذي اصطدمت به مشاريع العبودية وانكسرت.

إنها المركز المضمر لكل معاني الصمود والإباء، العقدة الإستراتيجية التي لم يتمكن العدو من فك رموزها، والمختبر الأخير الذي امتحنت فيه الإرادات وتغربلت فيه المفاهيم.

منذ أن اشتعلت نيران الكهنوت الحوثي في أطراف اليمن، كانت مأرب تقدِّم نفسها لا بوصفها جغرافيا قابلة للاجتياح، وإنما بوصفها حقيقة ميتافيزيقية للمقاومة، فكرة تتجسَّد، وسداً نفسياً عصياً على الانهيار.

مأرب، هذا الاسم الذي غدا مرادفًا للمقاومة الوجودية، أصبحت رمزًا فادحًا لفشل الاستبداد، وصورة نقية لصلابة الإنسان اليمني حين يُراهن على حُريته في لحظة الخطر الأعلى.

 وفي الوقت الذي عجَّ بالخيانات والانكسارات، وقفت مأرب كأيقونة لم تصدأ، حملت فوق كتفيها عبء المعركة، وحرست بكبريائها الصامت ما تبقى من فكرة الدّولة، وما تبقّى من شرف الانتماء.

هذه المدينة، التي تعد كابوسًا حقيقيًا لجحافل الحوثي، ساحة لم تعرف الخنوع ولا الرّضوخ، على مشارفها تحطمت أحلام السلالة المأزومة، ومن جبالها وسهولها انبعث صوت الحُرية يجلجل في وجه العُبودية المتوارثة.

لقد فشل الحوثي في اقتحامها، وخسر آلافًا من مقاتليه الذين كانوا يُزج بهم إلى المحرقة، ليواجهوا صخرةً عصيةً على التدجين.

لم تستطع كل حملات الإخضاع أن تخترق هذا الجدار؛ لأنها فكرة تأسيسية مضادّة، تصيغ خطابها من جذور الحُرية العميقة، وتخوض صراعها بوعي أن القضية لم تعد مسألة حدود سياسية بل معركة وجودية بين منطق الجمهورية ومنطق السلالة، بين ثقافة المواطنة وعقلية العبودية المتوارثة.

الحوثي، وهو يحاول أن يتقافز على أطراف مأرب، لا يواجه مقاتلين فحسب، وإنما يصطدم بذاكرة شعبٍ لم ينسَ إرث الدِّماء التي سُكبت دفاعاً عن الجمهورية الأولى، إنه يصطدم بعقيدة نضالية متكلِّسة في الوجدان الجمعي، كانت كل محاولة تقدّم من قِبله تقابلها مقاومة تستمد طاقتها لا فقط من الانتماء الجغرافي بل من الإيمان المُطلق بأن الهزيمة في مأرب تعني سقوط المشروع الوطني برمّته، وتحلل الهوية اليمنية إلى أشلاء تُستباح بأدوات الرجعية والإمامة.

إن الفشل الحوثي في اقتحام مأرب ليس مجرد هزيمة عسكرية يمكن تفسيرها بأعداد المقاتلين أو عتادهم، إنه فشل أعمق بكثير، إنه عجز ذهني وأخلاقي عن استيعاب أن مأرب تمثل آخر التعبيرات السيادية عن كينونة اليمن الجمهوري؛ لأنها عقدة وجودية لكل طامح إلى استعباد اليمنيين.

وإذا كان هناك من يتساءل عن سر هذا الصمود الأسطوري، فإن الإجابة تكمن في حقيقة أن مأرب تحتضن جوهر الثورة اليمنية في أنقى حالاته: رفض الانصياع لأي مشروع يستبطن الإذلال، وتصميم فطري على صيانة المعنى الوجودي للحرية.

عقدٌ من الزمن ومأرب عصيّة، عقدٌ من المحاولات المذعورة، والرهانات الفاشلة، والخيبات المتتالية التي تجرَّعها المشروع السلالي على أعتابها، كلما فكّر بالتقدّم، تهاوت قواه أمام صلابة رجالها، وكلما رتَّب لجولة جديدة، مزَّقته الريح الجمهورية العاتية التي تهب من خلف أسوار مأرب.

لا يمكن للمتساقطين أن يشككوا في النصر، لا يمكن للمتهافتين على موائد الوهم أن يفهموا كيف تَبني المدن الشامخة قدرها بأظافرها.

تمسكوا يا شباب، فالطريق طويل، ومعركة التحرير الكبرى ما تزال تختمر في صدور الرِّجال الذين لم تنكسر إرادتهم، أعينهم على صنعاء وصعدة.

نملك جيشًا جمهوريًا كبيرًا، منظمًا، عنيدًا، محتفظًا بقوته، رافضًا الانجرار إلى معارك استنزاف، صامدًا كصمت الجبال حين يتهيأ لانفجار البركان.

كل المؤشرات تؤكد أن الترتيب جارٍ لمعركة واسعة، لن تكون رد فعل، بل ستكون الفعل ذاته. سنكون المبادرين، الماسكين بزمام المبادرة، القابضين على توقيت الحرب ومكانها، وسيفاجأ العالم يوم ينفجر البركان الجمهوري الذي أعدّته مأرب على مهل، وعبر سنوات من الإعداد العميق.

الجمهورية لن تموت، الجمهورية فكرة متجذرة في وجدان اليمنيين، ومأرب اليوم هي عمودها الفقري، وآخر ملاذ اليمن الكبير في شرق البلاد، الرّوح الحية التي تمنع السقوط الكامل في العتمة. هي تلك اليد التي ما تزال مرفوعة في وجه الطغيان، تلوح بالأمل، وتعد بالغد الأفضل.

كانت ومازالت "مأرب" سيفًا مرفوعًا في وجه العبودية، ورايةٌ مغروسةٌ في صدر الموت، وقبضةٌ حارقةٌ ترتجف أمامها مفاصل الكهنوت. إنها اللعنة التي تطارد الغزاة أينما مشوا، والقبلة الأخيرة للأحرار أينما تاهوا. إنها البركان الكامن الذي سينفجر يومًا ما ليحمل لهيبه إلى صنعاء وصعدة وإلى كل شبرٍ دنسته أقدام الظلاميين، واللغز الجميل الذي لم يفككه العدو، والمعضلة الحارقة التي لا حل لها سوى الاعتراف أن الجمهورية، برغم كل السقوط والانهيار الذي طال مدنًا كثيرة، لا تزال حيّة، تتنفس تحت الخوذ، وترفع رأسها فوق الركام.

من مأرب يولد اليمني من رماده، ويُقسم على شرف الدّم أن لا يعود القهقرى. ولتسمع الدنيا كلها:

طالما في مأرب قلبٌ ينبض، وسلاحٌ يتوهج، فاليمن باقٍ، والجمهورية خالدة، والعبيد إلى زوال...!

مقالات

أطماع خليجية ساذجة وصرخات حوثية مؤجلة!

في زمن تُدار فيه الصراعات كسيرك جيوسياسي، تقف دول الخليج، بقيادة السعودية والإمارات، على خشبة مسرح اليمن، تُلوح بسيوفها اللامعة وهي تُغنّي أناشيد النصر، غافلة عن أن الأرض تحت أقدامها تتحرّك، والحوثيون -بدعم إيراني وتغاضٍ دولي- يُحكمون قبضتهم على الحبال.

مقالات

التاريخ وهو يكرر نفسه

روى ابن سعد في طبقاته خمسة مواقف، واقف فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفراداً في منتهى الغباء، وكان كُلَّما فطن إلى غباء إضافي في الغبي يستغرب فكرة الغباء في الناس، وما لقى غبياً تحدّث إليه إلاَّ وختم موقفه معه قائلاً: "سبحان الله إنَّ خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد"، وهذا القول من البراهين الكثيرة على دهاء عمرو بن العاص، وسرعة بديهته، وتقديره عواقب الأمور متى اتصف بأنَّه "ولاَّج فرَّاج"، لا يقف على باب غضبه

مقالات

أبو الروتي (32)

كنت أضيقُ وأتألمُ من كل من يقول عني: أبو الرُّوتي، واعتبرها شتيمة. وأحيانا كنت أرد بغضب، وأشتم القائل. ومرة سمعت أحد الزبائن يقول لي: "يا بو الرُّوتي لو سمحت...."، وقبل أن ينهي كلامه انفجرتُ، وقلتُ له، وأنا في حالة غصب: "اسمي عبد الكريم، وثاني مرة تقول لي يا بو الرُّوتي با (....)".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.