مقالات
مبدأ الخروج وردم هوة الخلاف الزيدي "الاثنى عشري"
"إن الذين يتجاهلون الحقائق تتجاهلهم الحقائق، ثم إن النسيان كأي عقار مهدئ، قليل منه قد يكون دواء، ولكن الإدمان عليه غيبوبة، كما أن التمادي فيه سم زعاف”.. محمد حسنين هيكل
كان العائق الأكبر بين الزيدية والاثنى عشرية من الناحية السياسية يتمثل في مسألة الخروج على الظالم، وبعد خروج الخميني وقيام الثورة الإيرانية، زال الفرق الجوهري والمانع التاريخي للالتقاء بين الجماعتين والمذهبين، بحيث أصبح الخميني زيديا، وليست الحوثية اثنى عشرية، أما مقولات الفقه وغيرها فهي اجتهادات، وهما اليوم يقفان على قاعدة واحدة وثابتة، ورؤية سياسية متطابقة، وهو الأمر المهم من وجهة نظرهما، بينما الخلافات الأخرى ليست ذات جدوى. ومثلما قامت ثورة الخميني على الظالم، كما هو عند الزيدية، فلا يجب الاستغراب أن تأخذ الزيدية مقولات الثورة الخمينية وشعاراتها ومقولاتها وطريقتها في الحكم!
منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران غدا أكثر من عالم من علماء الزيدية، ورجالها المعتبرين، يرون الخميني هو الممثل الحق لمبادئ الزيدية، التي تؤمن بالخروج وتدفع الجماهير للتمرد على الحاكم الظالم.
وفي مقابلة مع المرتضى المحطوري، عام 2010م، قال: "إن الفارق في الوقت الحالي بين الشيعة الإثنى عشرية والزيدية ضئيل جدا، من حيث السياسة الدينية (على عكس أساليب الزيدية الفقهية، التي ما تزال مختلفة). وبرأيه، فإن الزيديين الذين "تحولوا ليعتنقون العقيدة الشيعية" يعتقدون فعلا أن نسخة النظام الإيراني من التشيع الإثنى عشري هي الزيدية الحقيقية، لأنها تحشد الجماهير لمواجهة القوى الأجنبية والحكام الظالمين.
وكلاهما: الزيدية والإمامية يشتركان في الموقف التاريخي الواحد من أنظمة الحُكم القائمة عبر التاريخ، ويتفقان اليوم أكثر من ذي قبل، حيث تتفق الزيدية مع الاثنى عشرية في مقولات أن الامامة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- في الإمام علي بن ابي طالب، وفي الولاء ل"آل البيت"، وفي "اعتبار مصادر الدين والمعرفة بحجية الأئمة من آل البيت، ويتفقون في مقولات العدل والتوحيد، ويتفقون حول أصل الامامة وإن اختلفوا بعدها في طريقة الوصول ومنهم الأئمة".[محمد رضا الحسيني]
أما الخلافات اللاهوتية فيبدو أنهم قد أجلوها، فلم تعد مقولاتها حاضرة في النقاشات، بل الحاضر الأكبر هي قضايا السياسة القائمة في المنطقة، والتي وحّدت وجهات النظر بين الطرفين.
إن مقولات الرفض والحديث عن الاستكبار والشيطان الأكبر والمستضعفين لدى الخمينية، ومقولات الزيدية المبثوثة في كل كتبها حول الخروج على الظالم، تكاد تكون ذات نسق واحد، مع إضافة الأهمية المركزية لدور الشهيد من قبل الأخيرة.
وإذا كان أحد أسس الخروج في الإمامة وطلبها هو بيان الدعوة، وهو ما لم يفعله حسين الحوثي ووالده وعبدالملك، فما ذلك إلا أنهم رأوا أن ذلك لم يعد مجديا كما في الماضي، وأن الوسيلة التي جاء بها الإمام الخميني هي الأجدى والأنجع!
خلال الأعوام الماضية عملت إيران جاهدة على ردم الهوة التاريخية بين الزيدية والاثنى عشرية. فقبل سنوات قليلة، قامت ببناء مزار للامام الزيدي الناصر الأطروش، الذي كان أحد أئمة الزيدية في طبرستان، وأرسلت طهران حينها دعوة لمجموعة من رجال الزيدية في اليمن إلى المشاركة في الافتتاح، وقد صرح حينها -كما أظن- المحطوري بقوله: "لقد عرفنا الإمام الخامنئي اليوم أكثر مما عرفنا الناصر الأطروش"، وفي ذلك رسالة سياسية لا تخفى على أحد!
تحاول المملكة أن تحتوي الحوثي، بعد أن فشلت في كسره وهزيمته، في الوقت الذي وجدت فيه إيران، خلال السنوات الماضية، أهم ورقة رابحة في المنطقة، حيث تمثل لها اليمن "بوابة الخروج الحر نحو العالم عبر المياه الدولية" [مسفر الغامدي النفوذ الإيراني في حوض البحر الأحمر]
ومنذ اتفاق ظهران الجنوب، قبل أربع سنوات، والمملكة تأمل في تغيير ولاء الحوثي من طهران إلى الرياض، لكنها لم تنجح، ولن يدخل الحوثي في أي صفقة مع السعودية إلا متى أخضع مناطق الثروة في البلد لسلطته، وحينها سوف يدخل في مفاوضات وفق شروطه لا شروط الرياض.
في الفترة الماضية، سعت الرياض من خلال تفاوضها معه بهدف شراء ولائه، وقد دخلت إلى المفاوضات نتيجة لفشلها العسكري، ولضغوط إدارة ترامب، والتي تعود أسباب الأخيرة للتخلص من ضغط الرياض، وضغط الكونغرس والديمقراطيين عليها، كما تحدثت واشنطن عن فتح حوار مع الحوثي، لتوصل للمملكة رسالة بأنها لن تقبل ضغوطها في توجيه ضربة لايران، وأن عليها أن تتفاوض مع الحوثي، كما يرى المحلل "بروس ريدل"، خصوصا، بعد أن أعطتها الفرصة الكاملة للحسم طوال السنوات الماضية.
ووسط كل ذلك، فإن الحوثي يناور ويلعب بكل ذكاء ويستغل كل الأوراق لصالحه!
فقد استغل المفاوضات مع الرياض، ليس لتحييدها عن دعم الشرعية فقط، بل ورفع اسهمه لدى أميركا، باعتبار طهران تقدم له من الاغراءات الكثير والكثير، ولابد أن يقدم له التحالف وواشنطن مصالح تفوق ما تعطيه إيران، بحيث يدفع الجميع للتنافس عليه، ومنحه الكثير من المكاسب، وأي مكاسب له هي خصم من نصيب الشرعية.
ما تحاول الرياض الحصول عليه من جماعة "أنصار الله"، ليس هناك من دلائل على امكانية نجاحه، ومن الصعب أن تفرط طهران بالحوثي لعيون حكام المملكة، وهي التي اعترفت بدولته رسمياً قبل نحو عام، واستقبل المرشد سفيرها، وقبل أيام قلائل عينت لها سفيراً في صنعاء، الواقعة تحت سلطة جماعة "أنصار الله"، كما يصعب على الحوثي التنازل عمن قدم له السلاح والدعم المالي والمشورة مما مكنه من البقاء والمقاومة والمواجهة حتى اللحظة، وجعل منه لاعبا إقليميا في المنطقة.