مقالات
نمذجة مقيتة
لطالما ردّدتُ أنني لا أخشى السلطة بقدر خشيتي من كلابها!
وعلى القارئ الكريم أن يستبدل مفردة الكلاب بأية صفة أخرى يراها ملائمة.
ولعلّ من الأمثلة الساخرة على هكذا صورة مقيتة:
إثر تأميم قناة السويس والشروع في بناء السدّ العالي، من قِبل الزعيم العظيم جمال عبدالناصر - وهو الزعيم العربي الوحيد الذي استحق صفة الزعامة عن جدارة - تمَّ إنتاج أغنية من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، وألحان الموسيقار كمال الطويل، وغناء المطرب عبدالحليم حافظ.
كانت الأغنية تحوي عبارة تقول: ضربة كانت من "مُعلّم".. خلَّت الاستعمار يسلّم.
جاء سفهاء السلطان ليبثُّوا الرعب في قلب حليم وشفيق والطويل، وكل من له علاقة بإنتاج هذه الأغنية، من منطلق أن كلمة "معلّم" ستثير غضب عبدالناصر؛ لأن هذه الصفة - في الدارجة المصرية - تشير إلى صاحب المقهى أو الجزار أو صاحب أية مهنة شعبية بسيطة.
وبرغم ما كانت تحيط بشخصية الزعيم ناصر من هالة الهيبة، وسطوة السلطة، ومهابة الجبروت، إلاَّ أن جميع أهل العلاقة بالأغنية أصرّوا إصراراً، وألحوّا إلحاحاً على بقاء هذه الكلمة في النص كما هي.
وأثر تقديم الأغنية في الحفل المخصص لمناسبة تدشين مشروع السدّ العالي - وبحضور الزعيم شخصياً - أثارت الأغنية إجمالاً، وصفة المعلم خصوصاً، كل الرضا والإعجاب من الحاضرين في الحفل والمستمعين عبر أثير الإذاعة.. وكان الزعيم جمال عبدالناصر أهم هؤلاء المعجبين.