مقالات

هل يحق للإنسان إنهاء حياته في حال إفلاسه؟!

23/09/2025, 12:39:12
بقلم : زهير علي

في برنامج يناقش قضايا الإنسان الاجتماعية والفكرية، تناول المقدّم في إحدى الحلقات موضوع إشكالية الديون، وذكر فيها أحد استطلاعات الرأي التي أُجريت في دولة غربية، وكان السؤال المركزي في الاستطلاع هو: هل يحق للإنسان إنهاء حياته في حال إفلاسه؟! وقد كان عدد المؤيدين لهذا "الحق" يتزايد من فترة زمنية لأخرى.

لا أنكر أن السؤال استوقفني، وشعرت بأنه مخيف من بعض النواحي، ربما لأني أسقطته لوهلة على أنفسنا، أو الكثير منا حاليًا، نتيجة للأوضاع التي يعيش فيها عدد كبير في الداخل اليمني، والتي تتسم بنوع من الشحّة في المال، إلى الحد الذي يعيق أبسط مقومات الحياة العادية. وربما أيضًا لأني استشعرت أثر هذه الفكرة في عالم اليوم، الذي يكاد يكون فيه المال في أعلى مستويات سلطته عبر تاريخ البشرية.

استوقفني السؤال، رغم أني كنت قد قرأت من قبل عن أفكار متعلقة بالحق في الموت، وأن هناك من يرى بأن للإنسان الحق في إنهاء حياته، كونها شأنًا خاصًا به، وما صاحب هذه الأفكار من جدل أخلاقي واجتماعي، وانقسام في الآراء بين مؤيد ومعارض، وبين مؤيد بشروط معينة أو في حالات معينة، غالبًا ما تكون متعلقة بالمرض الشديد بمختلف أشكاله.

ولكني لم أتوقع أن يكون هناك ظاهرة استحقت إجراء دراسة حول إنهاء الحياة بسبب الإفلاس.

ولست هنا بصدد إنكار أهمية المال، وإنما أدعو للنظر في الأمر من ناحية فلسفية، يظهر فيها إلى أين يمكن أن تصل النظرة للمال في بعض المنظومات الفكرية، بحيث يُقترن فيها المال بالحياة ككل، بل ويفوقها أهمية، ويصبح الإنسان وحياته تابعة له وليس العكس، رغم أن هذا الإفلاس قد لا يكون قدرًا حتميًا لا مخرج منه، أو فرجًا كما نقول بلغة إيماننا، ذلك الإيمان الذي يمدّنا بالأمل والسعي حتى الرمق الأخير، الإيمان الذي يمدّنا بتصوّر وبأسباب تجعل اليأس من الحياة، وعدم بذل الجهد، نوعًا من خيانة الأمانة والظلم العظيم.

وهنا، كان هذا الإيمان كافيًا في أعماقي لطرح إجابة مبدئية بعدم تأييد هذه الفكرة، والنظر في أثرها الأخلاقي والإنساني، بالإضافة إلى قناعاتي الفلسفية والاجتماعية، والتي تذكرني بما لفت انتباهنا إليه عالم النفس والمفكر الشهير إيريك فروم، ومنذ مدة سابقة على هذا الاستطلاع، مما يشير إلى عمق رؤيته واكتسابها قدرًا من المصداقية، وذلك حين كان يدرس ويوضح طبيعة النظام الرأسمالي في المجتمعات الحديثة، وبعض الآثار النفسية المترتبة عليه، والذي أصبح فيه الإنسان تابعًا للسلعة والرغبة في الامتلاك، والذي دعانا لإعادة الاعتبار للإنسان من منطلق أنطولوجي، أو منطلق متعلق بالوجود، ليعيد تعريف وجوده خارج دائرة الإنتاج والاستهلاك، والتوقف عن تهيئة بيئة تجعل من الامتلاك قرين الوجود، وذلك لأن وجود الإنسان له أبعاد أهم بكثير، منها ما هو متعلق بنموه الفكري والإنساني، ووعيه وقدرته على الحب والخير.

حيث يقول فروم: الإنسان الذي يملك الكثير قد لا يكون شيئًا، أما الإنسان الذي يكون بحق، فإنه لا يحتاج إلى أن يملك ليبرهن على وجوده.

فنحن، والكلام هنا لفروم أيضًا: لا نوجد أو نحصل على المعنى حين نستهلك، بل حين نعيش لحظاتنا الإنسانية الجميلة، وحين نتفاعل مع الآخرين بشكل جيد، وحين نحب ونبدع. ولا مشكلة عنده في أن نمتلك على الإطلاق، ولكن المشكلة تظهر حين يكون الاستهلاك هو الغاية.

قد يظن البعض أن الحديث عن ظاهرة كهذه يتضمن نوعًا من المبالغة، ولكن الأمر في غاية الدقة والصدق، فحتى الاتجاهات الفكرية الرأسمالية التي لا ترفع الاستهلاك صراحة إلى حد الغاية الكبرى من الحياة، إلا أنها تفعل ذلك بشكل عملي في الواقع، وتؤثر علينا جميعًا من خلال أدواتها الإعلامية، ونمط العيش، والنظام الاقتصادي السائد.

وإلى درجة لا يكاد ينجو من حُمّى الاستهلاك حتى أولئك الذين يظنون أنهم مدركون للظاهرة، الذين إن لم تنازعهم أنفسهم من أجل نفسها، فستنازعهم من أجل من يحبون ويعولون. فأنت هنا تنازع النفس البشرية ذاتها، التي تحاصرها الثقافة السائدة، وتخلق لها بيئة تجعلك في شعور بالحاجة الملحّة والشديدة حد التأزم لما هو ضروري وما هو غير ضروري من السلع والممتلكات.
فما بالكم بمستوى التأزم في مجتمع لا يستطيع الكثير من أفراده حتى توفير الاحتياجات الأساسية.

ومن الجيد، أو ما يخفف من وطأة هذا الحصار، أننا نستطيع ترويض هذه النفس، ونملك قدرة نسبية على تجاوز بعض غرائزها ونزعاتها، وتعزيز بعض جوانبها غير المادية، لتحقيق بعض التوازن والطمأنينة في هذه الحياة القاسية.

مقالات

٢٦ سبتمبر.. الحرية ببساطة

غادرت اليمن منذ أن كنتُ طفلة لا أتجاوز الثلاث سنوات، فقد كان أبي يعمل في أحد البلدان المجاورة. وعيت على عادات والدتي الصباحية، تشرب (قلص البن)، وبعد ملالاة مليئة بالشجن ما زلت أذكر بعض كلماتها:

مقالات

سياحة مع أبطال ثورة 26 سبتمبر (1)

عندما نعود إلى الحياة التي عاشها العديد من ثوار السادس والعشرين من سبتمبر، نكتشف أن الثورة لم تُقَم بشخصيات كرتونية أو هزلية، بل بشخصيات رضعت الثورة من أشعة الشموس، ولم ترتهن هذه الشخصيات العظيمة إلى الكراسي الوثيرة والمناصب الإيرادية، بل نزلت إلى الميدان مثلها مثل أي جندي.

مقالات

عصابات تعز المنفلتة

هل تشكّل حادثة اغتيال افتهان فرصة ثمينة للسلطة المحلية والأجهزة الأمنية — يُحسنون استغلالها — لإعادة العلاقة مع السكان وتحسين صورتهم لدى شرائح المجتمع؟ لا أعتقد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.