مقالات

يا عزيزي كلنا عُجول!

27/12/2021, 10:26:21
المصدر : خاص

هل قرأتَ حكاية الثيران الثلاثة في صفوف دراستك الأولى؟

بالتأكيد قرأتَها حينها.

هل استفدتَ من الدرس أو العبرة فيها؟

أنا استفدتُ، ولا أدري بشأنك.

هل تتذكر -على الأقل- ألوان تلك الثيران؟

إنها الألوان ذاتها التي يحملها علم هذا البلد: الأحمر، الأبيض والأسود.

أعرفُ أنك ستسألني باستغراب: لماذا أُعيد ذاكرتك إلى تلك الحكاية؟

السبب بسيط يا صاحبي: لأن الحكاية القديمة لا تزال مستمرة الحدوث حتى هذه اللحظة!

اختارت جريدة أمريكية عبارة تتصدَّر بها. تقول العبارة: "جاء ترامب أولاً للقبض على المكسيكيين، فلم أعترض، لأنني لم أكن مكسيكياً. ثم جاء ترامب ثانيةً للقبض على المسلمين، فلم أعترض، لأنني لم أكن مسلماً. وعندما جاء ترامب ليقبض عليَّ، لم يبقَ أحد ليعترض!".

وكثيرون غيري وغيرك بلا شك سيعرفون أن هذه العبارة هي تحوير لقصيدة ذائعة الصيت كتبها ذات يوم من أربعينات القرن الماضي الشاعر والقس الألماني مارتن نيمولر في مواجهته النازية والنازيين.

 تقول القصيدة:

"في البدء، اقتادوا الشيوعيين

لكنني لم أهتم،

فلم أكن شيوعياً.

ثم اعتقلوا الاشتراكيين

ولم أرفع صوتي،

لأنني لست اشتراكياً.

ثم جاؤوا إلى أعضاء النقابات

ولم أهتم قط،

لأنني لم أكن نقابياً.

ثم أقتادوا اليهود

ولم أصرخ،

فأنا لست يهودياً.

ثم جاؤوا إليَّ..

ولكن لم يكن قد بقيَ أحد

ليرفع صوته لأجلي".

منذ أن عرفنا أنفسنا -وتحديداً طوال امتداد تاريخنا الحديث والمعاصر- ونحن نضع رؤوسنا في عميق الرمال، كلما رأينا الأنظمة التي تعاقبت على حكم هذا البلد تقمع أهل الرأي والموقف والمبدأ -من الأنصار والخصوم على السواء- وتنكّل بهم ما بين قتل وسجن وتعذيب ومطاردة وغيرها من أشكال الاضطهاد وألوان الامتهان، بل حتى من لم يكن له رأي ولا موقف -وربما لا مبدأ أيضاً- لم يكن يسلم على الإطلاق!

وكنا - وما زلنا- نرى كل هذا يحدث ملء أبصارنا وأسماعنا، فنلزم الصمت. نرى كل هذا فلا ننبس ببنت شفة. نرى كل هذا فندير وجوهنا إلى الجهة الأخرى. 

نظل نزعم أننا لم نرَ شيئاً قط، ولم ندرِ البتة بما يحدث.

 ولا نصرخ إلاَّ في اللحظة التي يطالنا فيها هذا القمع وذلك التنكيل، أو يطال أهلنا أو رفاقنا!

يُقمَع اليساريون، فيصمت القوميون.. وإذا قُمع القوميون، سكت الإسلاميون.. وإذا قُمع الإسلاميون، يتعامى الليبراليون.. وهكذا دواليك.. تحضر الدجاجة، فيغيب الديك!

وهو ما يُعَدّ ترجمة واقعية فصيحة لقصيدة نيمولر.. 

كما أنه تفسير بسيط ومباشر لحكاية الثيران الثلاثة التي -وكما أسلفت- لا تزال مستمرة الحدوث حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، فيما يتم اعتقال مناضلين وناشطين من شباب بلدي في مجالات الرأي السياسي والدفاع عن الحقوق والحريات في صنعاء وعدن ومدن وقرى يمنية عدة.

أعداد الضحايا تزداد في كل لحظة تستعر فيها أوار هذه الحرب الغاشمة، وحجم المأساة يكبر ويتضخم ويتعاظم.. 

أما الثيران الثلاثة فلم يعودوا بالعدد نفسه، بل بأعداد شتى لم أعد أدري مقدارها بالضبط. 

كل ما أدريه أنني وأنت وهي من بينها.. أنا الأحمر، أنت الأسود، وهي الأبيض!

أعداد الضحايا تزداد في كل لحظة. 

وقد جعلتنا الأنظمة المُتعاقبة - جميعنا - مجرد عُجول مرشحة للذبح في أية لحظة!

مقالات

الحوثيون بين تهديد السعودية والإمارات واستهداف الكابلات البحرية

تلوّح مليشيا الحوثي مجددًا باستئناف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة ضد السعودية، متهمةً الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحضير لمرحلة تصعيد جديدة تستهدف التحالف العربي، وهو خطاب يعيد إنتاج سردية المظلومية التي توظفها المليشيا لتبرير تحركاتها العسكرية وللتغطية على التحول النوعي في أدواتها، إذ باتت تمثل امتدادًا مباشرًا للاستراتيجية الإيرانية في استهداف المصالح الخليجية والدولية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب والخليج العربي.

مقالات

قراءة في ضباب المشهد العالمي

لم يكن العالم في أي يوم أسوأ مما يبدو عليه اليوم من فوضى وارتباك وتضارب مصالح وضبابية رؤيا، فمن الحرب في أوكرانيا المزدوجة والمعقدة بين روسيا، من جهة، والغرب الأوروبي الأمريكي من جهةٍ أخرى، التي لا تبدو لها في الأفق نهاية، إلى نزاعات الشرق الأوسط بين إيران المصممة كما يبدو على امتلاك سلاحٍ نووي وإسرائيل المهووسة بحلم الدولة |(اليهودية) في واقعٍ لا يحتمل ذلك والطموحات الجامحة لتركيا، وإلى اليمن المنكوب والسودان المتشرذم وليبيا الغارقة في فوضى الميليشات والسلاح المنفلت، وحتى المغرب المضطرب، نرى مشهداً غير مسبوقٍ في التاريخ الإنساني وخارطةً عريضةً من المشكلات المركبة، المتداخلة، المزمنة والعصية على الحل في المدى المنظور.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.