أخبار محلية

حرب الاتصالات مستمرة.. الحوثيون يشنّون حملة واسعة لملاحقة مالكي ستارلينك في صنعاء

09/06/2025, 21:26:42

تواصل مليشيا الحوثي منذ أيام تنفيذ  حملة أمنية مشددة تستهدف شبكات الإنترنت ومالكي أجهزة الاتصال الفضائي “ستارلينك”، في عدد من أحياء المدينة، وسط تعتيم إعلامي ومخاوف متصاعدة من اختراقات أمنية وخسائر مالية تهدد مصادر تمويل الجماعة.

وبحسب مصادر  محلية في صنعاء  فقد داهم عناصر من جهازَي “الأمن الوقائي” و”الأمن والمخابرات”، التابعَين للجماعة، عشرات المنازل ومحلات الإنترنت في أحياء السبعين، معين، آزال، التحرير، وصنعاء القديمة، واعتقلوا ما لا يقل عن 54 شخصًا بتهمة امتلاك واستخدام الإنترنت الفضائي.

وتفيد المصادر إن عمليات المداهمة رافقتها مصادرة عشرات الأجهزة، فيما أجبر عدد من المواطنين على دفع غرامات مالية كبيرة أو مواجهة الاعتقال، مشيرة إلى أن بعض من تم اعتقالهم لا علاقة لهم بالتقنية، بل كانوا من الزبائن أو أفرادًا صادف وجودهم في المواقع المستهدفة.

“حرب على مصدر رزقي”

 يؤكد مالك محل إنترنت في صنعاء القديمة، إن قوة أمنية تابعة للحوثيين اقتحمت محله واتهمته زورًا بالترويج لأجهزة “ستارلينك”، ومنحوه خيارين: إما السجن، أو دفع غرامة قدرها 100 ألف ريال يمني (ما يعادل 200 دولار أميركي تقريبًا).

وأضاف: “هذه ليست المرة الأولى، لكن الجديد هذه المرة أنهم يركزون على أي شخص يحاول الهروب من شبكة الاتصالات الخاضعة لهم”.

وأشار إلى أن الضغوط المتزايدة باتت تهدد مصدر رزقه الوحيد، خصوصًا في ظل تراجع الإقبال على الإنترنت المحلي وازدياد الطلب على الخدمة الفضائية الأكثر جودة وسرعة، رغم خطورتها تحت حكم الجماعة.

 

وفي خطوة لشرعنة الحملة وتبريرها، أطلقت الجماعة حملة تحريض موسعة ضد الإنترنت الفضائي، شملت إجبار طلاب وأكاديميين في كلية الحاسوب بجامعة صنعاء على حضور ندوة بعنوان: “خطر الإنترنت الفضائي – ستارلينك”، حيث رُوّج للمزاعم الأمنية عن استخدامه في التجسس والاختراق.

ويرى متخصصون أن هذا النوع من الدعاية جزء من تكتيك الجماعة للتحكم المطلق في حركة المعلومات، ومنع أي قناة تواصل خارجة عن سيطرتها. وقال أحد الأكاديميين المشاركين في الندوة، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “لم يكن هناك أي نقاش حقيقي. كانت مجرد تعليمات موجهة، والغرض منها ليس الحماية بقدر ما هو الخوف من فقدان السيطرة والمال”.

تأتي هذه الحملة في وقت تعاني فيه الجماعة من تراجع كبير في العائدات المالية القادمة من قطاع الاتصالات، بعدما بدأت شريحة واسعة من المستخدمين في المناطق الخاضعة لها باللجوء إلى “ستارلينك” هربًا من الرقابة وانخفاض جودة الخدمة.

وبحسب خبراء في قطاع الاتصالات، فإن الجماعة تستخدم شبكات الإنترنت الرسمية، التي تديرها عبر شركة “يمن نت”، كواحدة من أهم مصادر تمويلها منذ الانقلاب، حيث تحقق منها أرباحًا هائلة تتجاوز 100 مليار ريال سنويًا، بالإضافة إلى استخدامها في مراقبة الأنشطة الإلكترونية وقمع الأصوات المعارضة.

ولم تكتفِ الجماعة بالرقابة التقنية، بل عمدت أيضًا إلى تقليل سعة الإنترنت في المناطق الخاضعة للشرعية بهدف الضغط على السكان وإجبارهم على العودة إلى الشبكة الحوثية، في انتهاك صارخ لحقوق المستخدمين في الحصول على خدمة مستقرة ومحايدة.

رفض ومخاوف

في المقابل، كانت الحكومة اليمنية قد منحت قبل أشهر تراخيص رسمية لاستخدام الإنترنت الفضائي “ستارلينك” في المناطق المحررة، في خطوة وصفتها بالضرورية لتحسين جودة الخدمة وفك الارتباط بشبكات الحوثيين، لا سيما في المؤسسات الحساسة والمناطق البعيدة عن البنية التحتية.

لكن الجماعة، التي تخشى من اختراقات أمنية على غرار ما حدث سابقًا لـ”حزب الله” في لبنان، ترى في هذه الخدمة تهديدًا مباشرًا لها، وسبق أن أمهلت في أبريل الماضي السكان لتسليم معدات “ستارلينك” قبل أن تبدأ بمصادرتها وملاحقة مستخدميها.

وتوعدت وزارة الاتصالات التابعة للحوثيين، في بيان رسمي حينها، بفرض عقوبات وغرامات صارمة تصل إلى السجن، مشيرة إلى أنها لن تسمح بـ”اختراق معلوماتي خارجي”، رغم أن معظم الانتقادات الموجهة لها تتعلق باستخدامها البنية التحتية للاتصالات في التجسس وانتهاك الخصوصية، بحسب تقارير محلية ودولية.

يُذكر أن هذه الحملة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق للجماعة أن شنت منذ عام 2019 أكثر من خمس حملات موسعة ضد ملاك شبكات الإنترنت في صنعاء ومدن أخرى، شملت إغلاق أكثر من 50 ألف شبكة، وفرض قيود جديدة تتعلق بالسجل التجاري، وتراخيص العمل، ورسوم إضافية غير قانونية، الأمر الذي دفع كثيرين إلى التوقف عن تقديم الخدمة أو الهجرة خارج البلاد.

ويرى مراقبون أن قطاع الاتصالات في اليمن بات من أكثر القطاعات تعرضًا للهيمنة والاستغلال من قبل الحوثيين، وتحول تدريجيًا إلى أداة للرقابة والتجسس، في ظل غياب مؤسسات رقابية مستقلة أو شفافة.

وتأتي هذه الحملة الجديدة في وقت ترتفع فيه مؤشرات الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير في اليمن، بالتزامن مع تنامي الاعتماد العالمي على الإنترنت الفضائي، وفتح شبكات جديدة لم تكن تحت حسابات سلطات الأمر الواقع.

ويحذر خبراء من أن استمرار الحوثيين في تقييد الوصول إلى الإنترنت عبر حملات القمع سيؤدي إلى مزيد من العزلة عن العالم الخارجي، ويؤكدون أن عزل اليمنيين عن خدمات الإنترنت الآمنة والمستقلة لا يهددهم فقط بالانقطاع عن التطور الرقمي، بل بتكريس واقع أمني خانق يضرب أساسيات الحياة الحديثة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.