تقارير

استعدادات القبائل لمواجهة الحوثيين.. هل يعود زخم المقاومة الشعبية من جديد؟

25/02/2025, 08:05:05
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

أعلنت مجموعة من القبائل اليمنية، في الأسابيع الأخيرة، استعدادها لمساندة الجيش الوطني في مواجهة مليشيا الحوثيين، بعد أن كثفت المليشيا حشودها العسكرية باتجاه محافظة مأرب، وشن هجمات متفرقة على مواقع للجيش الوطني هناك، فضلا عن استعداداتها في جبهات أخرى، مثل جبهة الساحل الغربي في الحديدة.

ففي 27 يناير الماضي، أكدت قبائل مراد وبني عبد، خلال لقاء قبلي في مأرب، استعدادها للمشاركة في صفوف الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ضد مليشيا الحوثيين.

وفي 2 فبراير الجاري، أكدت قبائل أرحب ونهم وبني الحارث، خلال احتشاد جماهيري في محافظة مأرب، جاهزيتها الكاملة لدعم القوات المسلحة في معركة استعادة الدولة، مشددة على موقفها الرافض لمشروع مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران.

وفي 9 فبراير الجاري، جددت قبائل حاشد وبكيل، خلال لقاء قبلي موسع في محافظة مأرب، دعمها للقيادة السياسية والعسكرية، مؤكدة استعدادها لمساندة القوات المسلحة والمشاركة في معركة التحرير والحسم ضد مليشيا الحوثيين.

وفي 15 فبراير الجاري، أعلنت قبائل غرب صنعاء، وهي قبائل همدان، وبني مطر، والحيمتين، وحراز، خلال لقاء موسع في مأرب، استعدادها لخوض معركة التحرير الفاصلة ضد مليشيا الحوثيين، مؤكدة وقوفها إلى جانب قوات الجيش والأمن في هذه المواجهة المصيرية.

وفي 21 فبراير الجاري، أكدت قبائل مذحج وحمير، خلال لقاء موسع بمدينة مأرب، استعدادها لمساندة الجيش الوطني والمشاركة في معركة تحرير اليمن من المليشيا الحوثية، مشددة على موقفها الموحد ضد المشروع الحوثي المدعوم من إيران.

وفي 23 فبراير الجاري، أكدت قبائل خولان الطيال وسنحان وبني حشيش وبلاد الروس، خلال احتشاد في محافظة مأرب، النفير العام والجاهزية القصوى لخوض معركة التحرير، داعية جميع قبائل اليمن إلى الاتحاد والاصطفاف الجاد لاستعادة الدولة ومؤسساتها.

- هل تعود المقاومة الشعبية؟

هذه الاستعدادات القبلية لمساندة الجيش الوطني تكتسب أهميتها من الدور العسكري المؤثر والحاسم للقبائل اليمنية في أهم المنعطفات الكبرى في تاريخ اليمن وترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما حدث أيضا في الحرب الأخيرة حيث كانت القبائل سباقة في التصدي لمليشيا الحوثيين قبل اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، وكذلك قبل أن تواجهها ألوية الجيش الرسمي التي ظلت في صف الدولة والجمهورية.

ومن اللافت أن القبائل التي شكلت المقاومة الشعبية ضد الحوثيين كان موقفها متقدما على مواقف كثير من النخب السياسية والحزبية، وكانت المقاومة الشعبية النواة لتأسيس الجيش الوطني، لكن دورها كان فعالا في الميدان ومؤثرا في مسار المواجهات قبل دمجها في الجيش، لأنها كانت متحررة من مسألة التقيد بالأوامر العليا في الجيش والتعقيدات التي طرأت على القرار السياسي والعسكري للسلطة اليمنية الشرعية بعد مصادرته من التحالف السعودي الإماراتي.

وبما أن المقاومة الشعبية في بداية الانقلاب كانت متحررة من قيود التحالف وماضية في معركة الخلاص من مليشيا الحوثيين إلى جانب الجيش، فإن التحالف عمل على تقويض دور العامل القبلي وإجهاضه بدءا من إبعاد قادة المقاومة الشعبية إلى خارج البلاد وضم أفراد المقاومة إلى الجيش، وذلك بهدف تكبيل المقاومة بالنظام العسكري وتعطيل دورها الميداني الذي كان آخذا في الاتساع والتأثير في وقت كان يمتلك فيه الانقلابيون قوة عسكرية هائلة.

ومع تنامي تهديدات مليشيا الحوثيين اليوم، وتكديسها المزيد من الأسلحة، وتهديداتها المستمرة بإشعال جولة جديدة من المواجهات، وتغير الظروف الإقليمية والدولية، وتحول مواقف بعض القوى الأجنبية الفاعلة في الأزمة اليمنية من مليشيا الحوثيين، تبدو الحاجة ملحة لتحريك الورقة القبلية لمساندة الجيش الوطني، نظرا للدور الفاعل للقبائل خصوصا أنها تمتلك السلاح ومخزونا كبيرا من المقاتلين الذين سيرفدون الجيش الوطني، ومن الضروري تدريبهم وفق ما تقتضيه طبيعة المعركة مع مليشيا الحوثيين.

ومن المتوقع أن يحظى تحريك الورقة القبلية هذه المرة بدعم أجنبي في حال أشعل الحوثيون الحرب، بعد التهميش المتعمد للقبائل اليمنية وتجميد دورها خلال السنوات الماضية كجزء من تجميد الوضع بشكل عام لإطالة مدة الحرب والحيلولة دون الحسم العسكري، خصوصا أن القبائل كمؤسسات اجتماعية تقليدية في اليمن لديها القدرة على الحشد والتجييش ضد الحوثيين، بما فيها تلك القبائل التي لها وجود أو امتدادات في مناطق سيطرة الحوثيين وتضررت منهم كثيرا.

- ما مدى تأثير القبائل؟

في زمن السلم تُتهم القبائل بأنها أحد أبرز عوائق قيام دولة مدنية حديثة، لكن من يتحمل مسؤولية ذلك هي الدولة وليس القبائل، ذلك أن ضعف الدولة هو ما جعل القبيلة تتحول من كيان اجتماعي إلى كيان سياسي وعسكري مستقل نسبيا عن الدولة، وهذا ما يجعل القبائل لاعبا رئيسيا في الصراعات، حيث تتحرك وفقا لمصالحها الخاصة أو تحالفاتها التقليدية، ويشجعها على ذلك أنها تمتلك السلاح وتقوم على روابط عصبية وتنتشر فيها عادات الثأر، وكل ذلك عوامل تجعل من القبائل قوة عسكرية فعلية عندما تقتضي الحاجة ذلك، وفي بعض الأحيان تتجاوز قوتها قوة الدولة نفسها.

أما دور القبائل الحاسم في بعض الصراعات، فيعود ذلك إلى ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على بناء جيش نظامي قوي يفرض سيطرته على كامل الجغرافيا اليمنية، في حين تمتلك بعض القبائل مقاتلين مدربين على القتال منذ الصغر، يضاف إلى ذلك أن القبائل تتحرك بسرعة في مواجهة التهديدات، بينما السلطة والنخب المدنية والأحزاب تعاني من البيروقراطية والانقسامات والجدال الممل حول الحلول السياسية.

فضلا عن ذلك، تتميز القبائل بالقدرة على حشد مقاتلين من خارج الدولة بفضل تحالفاتها التقليدية، مما يعطيها قوة تفوق قوة الجيش الرسمي في بعض الأحيان، فمثلا كان لقبائل مأرب والجوف دور حاسم في وقف تقدم مليشيا الحوثيين في عام 2015 قبل أن تصل أي قوات عسكرية. وفي عام 2014، تمكنت قبائل محافظة حجة من عرقلة محاولات الحوثيين السيطرة على المحافظة وصولا إلى ميناء ميدي للسيطرة عليه بهدف تهريب الأسلحة من إيران من خلاله، بينما القوات الحكومية ظلت في موقف المتفرج، فأحيانا تكون القبائل أسرع من الدولة في فرض حلول ميدانية.

- دور عسكري محوري

أدت القبائل اليمنية دورا عسكريا محوريا في تاريخ اليمن منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فمثلا بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 لم ترث الدولة الجديدة جيشا وطنيا قويا، بل فقد انحاز كثير من أفراد الجيش للإمام المخلوع، فبرزت الحاجة إلى دعم القبائل لحماية الثورة والنظام الجمهوري الوليد، خصوصا بعد أن واجه "قانون التجنيد" عام 1963 تحديات كثيرة.

ولذلك تم اعتماد أساليب تجنيد مختلفة تتناسب مع البنية القبلية للمجتمع اليمني، ففي المناطق الوسطى التي كانت الروابط القبلية فيها أقل تأثيرا، مثل محافظتي تعز وإب، تطوع مواطنون بشكل فردي للانضمام إلى قوات "الحرس الوطني"، وهي تشكيلات نظامية تتبع هيكلية عسكرية رسمية.

أما في المناطق الشمالية، مثل محافظات صنعاء وعمران وغيرهما، حيث كانت الروابط القبلية أكثر قوة، تقدم الأفراد للتجنيد بشكل جماعي تحت قيادة مشايخهم، وتم تأسيس ما سمي بـ"الجيش الشعبي" لاستيعابهم، والذي عرف أيضا بـ"لواء التحرير"، الذي ظل خارج هيكلة الجيش النظامي الرسمي، وقاده مشايخ القبائل الذين كانوا يشغلون مناصب رسمية في أجهزة الدولة العسكرية والمدنية.

وفي السبعينيات، كان للقبائل دور بارز في الصراعات الداخلية بين الشطرين. وفي الثمانينيات، ومع سعي الرئيس علي صالح لتعزيز سلطته، أنشأ "مصلحة شؤون القبائل" لتنظيم توزيع الأموال والمنافع على النخب القبلية، مما عزز نفوذ مشايخ القبائل في الدولة. وفي حرب صيف 1994، أدت اللجان الشعبية دورا مهما في دعم قوات الوحدة والشرعية ضد قوات الانفصاليين، كما كان لها دور في بعض حروب صعدة إلى جانب الجيش.

كما برزت القبائل كقوة رئيسية في مقاومة تمدد مليشيا الحوثيين بعد الانقلاب في سبتمبر 2014، والتحق كثير من أبنائها بالمقاومة الشعبية والجيش الوطني، وبعضها نظمت عروضا عسكرية في ما يعرف بالمطارح القبلية، وأمدت الجبهات بالمقاتلين والعتاد، وكان لها دور في تحرير بعض المناطق من سيطرة الحوثيين، وساهمت في الحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطقها.

ونظرا لدور القبائل في الصراعات، فقد سعت مليشيا الحوثيين إلى استمالة القبائل اليمنية أو تحييدها منذ بداية الصراع، لإدراكها بأن السيطرة على القبائل مفتاح لترسيخ سلطتها، ولذلك لجأت المليشيا إلى التحالفات القبلية، وشراء الولاءات بالمال والنفوذ، وأحيانا استخدام العنف ضد المعارضين أو المشكوك بولائهم، والتجنيد القسري، بالإضافة إلى توظيف الخطاب الطائفي والمناطقي لحشد المقاتلين القبليين إلى الجبهات.

كما أن علي عبد الله صالح لعب دورا كبيرا في توفير حاضنة قبلية للحوثيين في بداية الانقلاب عندما كان متحالفا معهم، وحث القبائل الموالية له على دعمهم، لكن مع مرور الوقت تصاعد نفور القبائل من الحوثيين بسبب انتهاكاتهم وغدرهم بالمشايخ الذين سهلوا لهم السيطرة على العاصمة صنعاء وغيرها، مما راكم عداء قد ينفجر في أي لحظة.

ورغم أن القبائل ساندت الدولة في كثير من الحروب، إلا أنها لم تكن دائما في صفها، بل أحيانا كانت تواجهها، وكانت في بعض الأحيان تشكل مصدر قلق للدولة، ومع ذلك ستظل القبائل عنصرا أساسيا في المشهد العسكري والسياسي اليمني لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية أو أمنية، بسبب غياب دولة قوية قادرة على فرض سيطرتها على كامل تراب اليمن، وستظل القبائل تساهم في تشكيل مسار الأحداث والحفاظ على توازن القوى في البلاد، وستبرز الحاجة إليها كلما تعرضت الدولة لتهديدات وجودية.

تقارير

في ظل الأزمات والمعاناة.. إلى متى يستمر الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي؟

من بين كل الوعود والمهام المناطة بمجلس القيادة الرئاسي، سواء بموجب إعلان نقل السلطة أو بموجب برامج العمل المُعلَن عنها خلال الأيام التالية لإعلانه، لم يتمكن المجلس من حل أي مشكلة، ولا ساهم في الحد من آثارها.

تقارير

بسبب خلافات الداخل وضغوط الخارج.. اليمن في قلب تحولات المنطقة من دون مكسب

كثير من التحولات التي طرأت على المنطقة خلال الفترة الماضية، ورغم أن اليمن كانت على اتصال بها، إلا أنها لم تنعكس بالإيجاب عليها، للكثير من الأسباب، أهمها أن الأطراف المناوئة لميليشيا الحوثي لا تريد الحسم، لأنه ضد مصالحها الآنية والاستراتيجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.