تقارير

إغلاق المتاحف.. معركة الحوثي لإعادة تشكيل الوعي وتبديل الهوية

22/10/2025, 06:06:20
المصدر : قناة بلقيس - خاص

منذ اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، والسيطرة بالقوة على السلطة في العام 2014، عكفت مليشيا الحوثي على محاربة الهوية الوطنية اليمنية، واستحداث طرق ووسائل لمحاولة محوها من العقول، وقتلها في نفوس الناس، من خلال غرس هوية جديدة تقوم على تقديس ما يسمى آل البيت، ووصفهم بأعلام الهدى الذين يجب أن تكون بقية المكونات تابعة لهم، وتقدم لهم الولاء.

محاولة فصل اليمن عن هويته ليس وليدة اللحظة، فحتى قبل اجتياح صنعاء وبقية المحافظات، كان مؤسس الميليشيا حسين بدر الدين الحوثي يعمل على التقليل من قيمة الحضارات اليمنية، وينكر على الناس ارتباطهم بها وتمسكهم بها، ففي محاضراته يتحدث باستهجان عن معبد الشمس وعرش الملكة اليمنية بلقيس، معتبرا أن الاعتزاز بهما كإرث تاريخي هو تعظيم لرموز الوثنية والشرك بالله سبحانه وتعالى، ومؤامرة لإبعاد الناس عن هويتهم الإيمانية وجرهم إلى الجاهلية.

- ذاكرة توشك أن تُمحى

ما بين الهوية اليمنية التاريخية والهوية الإيمانية، ينقسم اليمنيون إلى فريقين، يحشد الطرف الأول كل ما يجسد ارتباطه بالجغرافيا والعمق التاريخي عبر استدعاء الرموز والأشخاص، فيما يحاول الحوثيون نزع هذا الرابط واستبداله بروابط تعزز تسيدهم على رؤوس اليمنيين، وتفضيلهم على الناس، واعتبارهم الأحق بالحكم والطاعة من خلال الدورات الثقافية وتغيير المناهج الدراسية والخطباء والدعاة ومحو الآثار التاريخية.

والمتاحف اليمنية تُعد إحدى ذواكر التاريخ وشواهد الهوية اليمنية وحافظة الأثر الذي خطه الإنسان اليمني منذ القدم، ولهذا لم تجد الاهتمام والقبول من ميليشيا الحوثي، التي جعلتها عرضة للإهمال والتلف، وتعاملت معها كحمل ثقيل على كاهلها وهامش لا حاجة لوجوده.

وبحسب المركز الوطني للمعلومات، يوجد في اليمن 14 متحفًا أثريًا تتوزع على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، وتصنف حسب مكوناتها والمقتنيات التي تحتويها.

وتضم محافظة صنعاء المتحف الوطني الذي تأسس عام 1971م في ما يسمى دار الشكر، وهو أحد القصور الإمامية، ويقع بالقرب من باب السباح، ثم انتقل إلى مبنى دار السعادة الواقع بجانب دار الشكر، ويحوي ثلاثة أقسام رئيسية، خُصص الأول للآثار القديمة، والثاني مختص بالتراث الشعبي، والثالث خاص بالآثار الإسلامية.

أما دار الشكر فقد تحولت إلى متحف للتراث الشعبي، وبالقرب منه يقع المتحف الحربي في ميدان التحرير، في مبنى تاريخي يرجع تاريخ تأسيسه إلى عام 1902م ليكون مدرسة، لكن الإمام يحيى حميد الدين ما لبث أن حوّله إلى سجن عُرف بـ(سجن الصنائع)، ثم إلى مقر البعثة العسكرية العراقية التي جاءت للتدريس في المدرسة الحربية، وبعدها تحول إلى دار للضيافة، ثم إلى مبنى لوزارة الداخلية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، إلى أن أصبح متحفًا حربيًا في عام 1984م بموجب قرار جمهوري، يهدف إلى توثيق التاريخ النضالي للشعب اليمني والدور البطولي للقوات المسلحة والأمن، ودور اليمن في التاريخين الإسلامي والعربي.

- أبواب مغلقة

الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، أعلنت في أواخر شهر أغسطس الماضي إغلاق المتحف الوطني ومتحف الموروث الشعبي، وأرجعت الأسباب إلى عجزها عن دفع النفقات التشغيلية مثل أجور العاملين وفواتير الكهرباء وغيرها، مؤكدة أن الإغلاق جاء خارجًا عن إرادتها، وأنها تبذل جهودًا لمعالجة الإشكاليات المالية لاستئناف فتح المتاحف أمام الجمهور.

وبهذا لم يبقَ من متاحف العاصمة صنعاء في الوقت الراهن إلا المتحف الحربي، الذي لم يعد يرتاده الزوار إلا نادرًا، ويغطي الظلام قاعاته الداخلية طوال اليوم بسبب الاقتصاد في تكاليف الكهرباء، وتُرجع أسباب عدم إغلاقه إلى اعتباره هيئة مستقلة عن الهيئة العامة للآثار، ويتبع دائرة المتاحف في قسم التوجيه المعنوي التابع لوزارة الدفاع.

يقول الباحث في التاريخ اليمني سعيد قائد، إن المتاحف لها أهمية وطنية كبيرة نابعة من كونها ذاكرة ثقافية للحضارات القديمة وطرق حياتها، وسجلا للتاريخ، وتُسهم في الحفاظ على الموروث من خلال حفظ وتجميع القطع الأثرية والتحف النادرة والمخطوطات القيمة، وتعريف العالم والأجيال القادمة بماضي الإنسان اليمني وجذوره الضاربة في عمق التاريخ.

ويرى الباحث قائد أن استهداف المتاحف بالإهمال أو الإغلاق عمل غير مسؤول، ومحاولة خطيرة لطمس الهوية وفصل حاضر اليمني عن ماضيه الذي يفتخر به، ويعتبره صفحات تاريخية خالدة يستدعيها ويستحضرها لتغيير الواقع وعدم الاستسلام للقيود.

- العبث بالتراث والتاريخ

يحذر الباحثون في التاريخ والتراث اليمني من خطورة استيلاء الحوثيين على الوثائق والمخطوطات التراثية، ومحاولة تزييفها أو العبث بمحتوياتها أو إخفائها، نظرًا للعداء الذي يكنونه لماضي اليمن الذي لا يجدون أنفسهم فيه إلا في صفحات سوداء تحمل بصمات الأئمة وفصول الظلم والجهل والتعذيب التي عاشها اليمنيون خلال فترات حكمهم المتقطعة.

وتؤكد الباحثة التاريخية الدكتورة أروى الخطابي أن الحوثيين غير أمناء على المخطوطات القديمة، ولا تهمهم أهميتها التاريخية أو توثيقها لمراحل وحقب زمنية متنوعة، ولا سيما تلك الخاصة بعهد الأئمة التي تتحدث عن كيفية إدارتهم للدولة بعبثية وبدون خطط اقتصادية أو سياسية.

أما الباحث سعيد قائد، فيستنكر المزايدة بالهوية الإيمانية على الناس في اليمن، وهم الذين دخلوا الإسلام وناصروه منذ فجر الدعوة، وصاروا قادة لجيوش الفتح وسفراء لنشر الإسلام في ربوع الأرض، ويرى أن التمسك بالهوية القومية اليمنية لا يعني التنصل من الهوية الإيمانية.

تقارير

الوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنية.. كيف تسبب بفراغ أمني يهدد الملاحة؟

تواصل دولة الإمارات إنشاء قواعد عسكرية وبناء مدارج مطارات في عدد من الجزر اليمنية الواقعة في البحر الأحمر والبحر العربي وبالقرب من مضيق باب المندب، وكان آخر هذه الأنشطة إنشاء مدرج طيران في جزيرة زقر اليمنية، التي تقع على بُعد نحو 90 كيلومترا جنوب شرق مدينة الحديدة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.