تقارير

الوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنية.. كيف تسبب بفراغ أمني يهدد الملاحة؟

21/10/2025, 13:20:45
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

تواصل دولة الإمارات إنشاء قواعد عسكرية وبناء مدارج مطارات في عدد من الجزر اليمنية الواقعة في البحر الأحمر والبحر العربي وبالقرب من مضيق باب المندب، وكان آخر هذه الأنشطة إنشاء مدرج طيران في جزيرة زقر اليمنية، التي تقع على بُعد نحو 90 كيلومترا جنوب شرق مدينة الحديدة.

وأفادت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية مؤخرا بأن العمل بدأ في أبريل الماضي ببناء رصيف بحري في الجزيرة، أعقبه تسوية للأرض وتجهيز موقع، لتظهر في صور أغسطس التي التقطتها الأقمار الصناعية صور رصف الإسفلت، ثم طليت علامات بيضاء على المدرج في أكتوبر الجاري، ويُعتقد أن الإمارات هي من تقف وراء بناء ذلك المدرج.

ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، أقدمت الإمارات على بسط نفوذها في عدد من الجزر اليمنية ذات الأهمية الإستراتيجية، مثل ميون (بريم) في مضيق باب المندب، وسقطرى وعبد الكوري في المحيط الهندي، وجزر أخرى.

- أجندة مشبوهة

بدأ الوجود العسكري الإماراتي في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015 بقيادة السعودية، وعززت الإمارات علاقتها مع شخصيات انفصالية، وشكلت ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ليكون غطاء لسيطرتها على جزر يمنية وإنشاء قواعد عسكرية ومدارج مطارات فيها.

وفي 30 أبريل 2018، وصلت قوات إماراتية إلى جزيرة سقطرى، وسيطرت ميدانيا على مطار الجزيرة والميناء ومبانٍ حكومية، ورفعت علمها على مواقع رسمية، في خطوة أدت إلى توتر مع الحكومة اليمنية.

وفي 14 مايو 2018، تم التوصل إلى اتفاق عادت بموجبه بعض الصلاحيات إلى الحكومة اليمنية رسميا بعد وساطة سعودية، وأيضا بعد شكوى تقدمت بها الحكومة اليمنية إلى الأمم المتحدة، لكن الوجود الإماراتي ظل قائما في الجزيرة. 

وخلال الفترة 2019-2022، استغلت الإمارات موقع جزيرة سقطرى لوجستيا ضمن حلقة قواعد في البحر الأحمر وخليج عدن. ومنذ العام 2023، واصلت الإمارات التوسع في بناء مرافق وبنى تحتية عسكرية إضافية على جزر أرخبيل سقطرى، كما أنشأت فيها مشاريع تجارية وسياحية موازية للبنية العسكرية، في محاولة لكسب ولاء السكان هناك.

وفي أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، أظهرت صور فضائية، نُشرت في وسائل ووكالات أنباء دولية مثل أسوشيتد برس، أعمال تسوية وبناء مدرج كبير على جزر عبد الكوري، إلى جانب مرافق دعم ولوجستية، وظهور عبارة مرئية مكونة من تربة تقول: "I LOVE UAE" (أحب الإمارات) قرب المشروع، مما يعزز الشبهات حول علاقته بالإمارات.

وبين مارس 2024 ويناير 2025، أظهرت صور فضائية تطورا متقدما في جزيرة عبد الكوري، ثاني أكبر جزر أرخبيل سقطرى، حيث بدا المدرج شبه مكتمل بطول يقدر بالكيلومترات، ويمكن استخدامه لطائرات نقل أو طائرات عسكرية، وربطه بمهام مراقبة مضيق باب المندب والحركة البحرية.

كما تُظهر صور الأقمار الصناعية للأعوام 2023-2025 أعمال تسوية وبناء في جزيرة سمحة تشبه ما جرى في جزيرة عبد الكوري، تشمل ممرات هبوط ومرافق لوجستية، وتصنف هذه الأنشطة ضمن ما يعرف بـ"حلقة القواعد" الإماراتية الممتدة في البحر العربي وخليج عدن.

وفي جزيرة ميون (بريم) بوسط مضيق باب المندب، أظهرت صور الأقمار الصناعية منذ عام 2016 إنشاء مدرج طيران بطول 3 كيلومترات ومرافق عسكرية متقدمة بإشراف هندسي إماراتي، كما رُصد في عامي 2020-2021 بناء مدرج بطول نحو 1.8 كيلومتر، مرتبط بتحركات إماراتية أو قوات موالية لها، واستمرت المتابعات حتى 2024 لتظهر نشاطا متقطعا وتطويرا متواصلا، وسط غموض حول الطابع النهائي للمنشأة.

وهكذا تشير المعطيات إلى شبكة توسع إماراتية متصلة تمتد من أرخبيل سقطرى إلى ميون وزقر، بذريعة مراقبة الممرات البحرية الحيوية. وتكشف صور الأقمار الصناعية عن تحول جيوعسكري تدريجي يمنح الإمارات أو حلفاءها نفوذا متزايدا في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

يحدث كل ذلك وسط صمت مريب من قبل الحكومة اليمنية الشرعية والأحزاب والمكونات المتحالفة معها ضد الانقلاب الحوثي، باستثناء ما حدث عام 2021، عندما نشرت وكالة أسوشيتد برس صور أقمار صناعية تظهر بناء مهبط طائرات جديد في جزيرة ميون بمضيق باب المندب، مشيرة إلى دور إماراتي محتمل في المشروع، مما أثار جدلا واسعا حينها.

وردا على ذلك، نفى التحالف السعودي الإماراتي في بيان رسمي (مايو 2021) "وجود قوات إماراتية في سقطرى أو ميون"، مؤكدا أن "المعدات في جزيرة ميون تحت إشراف قيادة التحالف لدعم القوات اليمنية". 

وفي 27 مايو 2021، نفى وزير الخارجية اليمني آنذاك، أحمد عوض بن مبارك، توقيع أي اتفاق مع دولة أجنبية لإنشاء قاعدة عسكرية في ميون، وقال إن "كل ما يجري خارج التنسيق الرسمي غير مقبول".

وفي يوليو 2024، ذكر تقرير لقناة يورونيوز أن الإمارات، بالتعاون مع إسرائيل، وسعت بنية تحتية عسكرية واستخباراتية في جزيرة سقطرى وجزيرة عبد الكوري، تشمل مدارج ومهابط طائرات، مما أعاد الملف إلى الواجهة.

وتعكس السيطرة الإماراتية على أهم الجزر اليمنية تحولا خطيرا في مفهوم الأمن الإقليمي، حيث حلت سياسة النفوذ محل سياسة الشراكة، فبدلا من أن يدعم التحالف السعودي الإماراتي الدولة اليمنية لتؤدي دورها في حماية الملاحة، يجري تكريس واقع تقسيمي يجعل من الجزر اليمنية نقاط نفوذ لقوى خارجية.

ومنذ العقد الماضي، تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها البحري عبر سياسة "الموانئ" و"القواعد" الممتدة من القرن الأفريقي إلى بحر العرب، فامتلاكها أو إدارتها لموانئ إستراتيجية (عدن سابقا، عصب الإريترية، بربرة الصومالية) يمنحها قدرة على التحكم في خطوط التجارة والطاقة العالمية.

ومن هذا المنظور، فإن سيطرة الإمارات على أهم الجزر اليمنية، وبناء قواعد عسكرية ومدارج مطارات فيها، ليس عملا أمنيا محضا، أو أن له علاقة بالحرب على الحوثيين، وإنما يعد استثمارا في الجغرافيا لتأمين نفوذ اقتصادي وعسكري مستدام. ويكشف سلوك أبوظبي أنها تتعامل مع هذه الجزر بوصفها مواقع نفوذ شبه دائم، وليست أراض يمنية مؤقتة الاستخدام، وهو ما يثير تساؤلات قانونية وسيادية.

- فراغ أمني يهدد الملاحة

تُسوّق الإمارات وجودها العسكري في الجزر اليمنية على أنه لحماية خطوط الملاحة من تهديدات الحوثيين والقرصنة، غير أن ما يحدث أثبت العكس. فخلال الأعوام الأخيرة، شهد البحر الأحمر وخليج عدن أعلى معدل هجمات حوثية على السفن التجارية، بما في ذلك سفن مرتبطة بالإمارات نفسها، ولم يكن للوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنية أي دور في التصدي لتلك الهجمات، أو إحباط تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين.

وهذا يعني أن الوجود العسكري الإماراتي في الجزر اليمنية لم يمنع التهديد، بل على العكس فقد ساهم في تفاقمه، لأن القوات الإماراتية ليست مؤهلة لحماية خطوط الملاحة، ولا تجرؤ على التصدي لتهديدات الحوثيين خشية أن تتعرض لهجماتهم.

بمعنى أن الوجود العسكري الإماراتي زاد من تعقيد المشهد، وتحويل الممرات البحرية إلى مسرح تنافس فقط، وأحدث في المقابل فراغا أمنيا. فبدلا من معالجة جذور الخطر المتمثلة في استمرار انقلاب الحوثيين وتغلغل النفوذ الإيراني، انشغلت أبوظبي ببناء نفوذ موازٍ على حساب تعطيل الدولة اليمنية، مما أدى إلى فراغ أمني واسع.

كما أن سيطرة الإمارات على الجزر اليمنية تمثل انتهاكا لسيادة الدولة، وتعبّر عن مشروع جيوسياسي يحول اليمن إلى مناطق نفوذ متعددة تُدار من الخارج، وهو ما يزيد من تهديد أمن البحر الأحمر وخليج عدن الذي لا يمكن أن يتحقق من خلال قواعد عسكرية أجنبية، وإنما من خلال وجود دولة يمنية موحدة، قادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها وجزرها.

ومن منظور أمني وإستراتيجي، فإن أمن البحر الأحمر والبحر العربي لن يتحقق إلا بوجود دولة ذات سيادة كاملة، قادرة على إدارة سواحلها وجزرها، والقضاء على مصادر التهديد الأمني. أما تجزئة البلاد، وتفتيت السلطة، وتعدد الولاءات للخارج، والوجود العسكري الأجنبي، فكل ذلك ينتج عنه فراغ أمني تستغله إيران ومليشيا الحوثيين.

وبالتالي فإن استعادة الدولة اليمنية بمؤسساتها الموحدة، والقضاء على الحوثيين باعتبارهم ذراعا إيرانية، وإنهاء حالة التفكك والوصاية الإقليمية، كل ذلك يمثل الشروط الجوهرية لاستقرار أمن البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب، وأيضا استقرار اليمن وجواره الإقليمي.

تقارير

من الانقسام إلى الارتهان.. مأزق اليمن بين العجز الداخلي والوصاية الخارجية

قالت مصادر سياسية إن الرباعية الدولية المعنية بالملف اليمني، والمكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى فرنسا التي انضمت مؤخرا، بحسب المصادر، فوضت سفيري الرياض وأبو ظبي بمراجعة القرارات الصادرة عن مجلس القيادة الرئاسي قبل إقرارها رسميا، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ تشكيل المجلس عام 2022.

تقارير

مراقبون: الأمم المتحدة في اليمن تحصد ثمار تماهيها مع مليشيا الحوثي

تتواصل فصول الأزمة التي فجّرتها جماعة الحوثي عقب اقتحامها المجمع السكني الخاص بالأمم المتحدة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء واحتجازها 20 موظفًا، بينهم 15 أجنبيًا من جنسيات متعددة، بينهم مصريان، وفق ما أكدت مصادر حكومية يمنية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.