تقارير
إغلاق المحلات وشلل تام.. تجار الأقمشة في صنعاء يواجهون قرارات مليشيا الحوثي الضريبية
أشعلت القرارات الضريبية والجمركية، التي فرضتها مليشيا الحوثي، توتراً واسعاً داخل العاصمة صنعاء، بعدما اتخذت النقابة العامة لتجار الملابس والأقمشة قراراً بالإضراب الشامل، احتجاجاً على ما وصفته بـ«إجراءات جائرة» تستهدف القطاع التجاري وتضاعف من معاناة الأسواق والمستهلكين. وأكدت النقابة أن خطواتها الاحتجاجية مرشحة للتصعيد، ما لم تتراجع سلطات مليشيا الحوثي عن القرارات الأخيرة الصادرة عن وزارة المالية التابعة لها.
ووفقاً للعاملين في القطاع التجاري، فإن وزير المالية في حكومة مليشيا الحوثي، عبد الجبار الجرموزي، يعتزم رفع الجمارك والضرائب على الملابس والأقمشة ومستلزمات السوق بنسبة تصل إلى 250%، وهو ما اعتبره التجار خطوة غير مسبوقة تهدد بإلحاق أضرار جسيمة بالحركة التجارية، وتضيف أعباء مالية ضخمة في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
النقابة من جانبها أصدرت بياناً دعت فيه القطاعات المرتبطة بسوق الملابس - من تجار الخردوات والأدوات المنزلية والألعاب والدراجات النارية والتحف والهدايا والساعات والإكسسوارات والعطور وأدوات التجميل والأجهزة الكهربائية- إلى الالتزام بإضراب شامل لمدة ثلاثة أيام كمرحلة أولى.
إغلاق كامل
وشهدت سوق باب السلام في مدخل مدينة صنعاء القديمة -وهي أكبر وأهم أسواق الجملة الخاصة بالملابس والخردوات- إغلاقاً كاملاً لمحلاتها استجابة لدعوة النقابة.
وتعد هذه السوق أحد الشرايين الحيوية لحركة البضائع في العاصمة، كما أن جزءاً كبيراً من تجارها كانوا يُحسبون، حتى وقت قريب، ضمن الفئات المساندة للمليشيا، ما يمنح الإضراب بعداً سياسياً واقتصادياً لافتاً.
وأكدت النقابة أن الإغلاق جاء بعد «دق كل الأبواب ورفع المذكرات للجهات المعنية دون استجابة»، مشيرة إلى أن وحدة التجار هي «السلاح الأقوى» في مواجهة القرارات التي وصفتها بـ«الظالمة» التي تجهز على ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطنين والسوق.
النقابة حذّرت من أن استمرار هذه الإجراءات سيؤدي إلى «إرهاق السوق المحلية وإغلاق مئات المحلات وتهديد آلاف الأعمال الصغيرة والمتوسطة»، مؤكدة أن صمت التجار يعني القبول بتكريس سياسات جباية «تمس قوت الناس مباشرة»، وتضرب آخر ما تبقى من النشاط التجاري في العاصمة.
- تبريرات المليشيا
وفي محاولة لاحتواء الغضب المتصاعد، سارعت ما تسميه المليشيا بـ«الجبهة الاقتصادية» إلى إصدار بيان قالت فيه إن الأنباء المتداولة حول رفع الضرائب «غير دقيقة»، مؤكدة أن الزيادة تبلغ فقط 2% على الملابس المستوردة عبر المنافذ البرية، بينما لم ترتفع الضرائب على الواردات عبر المنافذ البحرية.
وبررت المليشيا قراراتها بأنها تأتي في إطار «حماية المنتج المحلي»، مشيرة إلى أن قطاع الخياطة يضم أكثر من 200 ألف عامل ممن «يستحقون الدعم والتسهيلات». لكنها في الوقت ذاته لوّحت بإمكانية رفع الضريبة على الاستيراد بنسبة 100% في المستقبل، وهو ما أثار موجة غضب كبيرة بين التجار الذين رأوا فيه تهديداً واضحاً وتعزيزاً لسياسات الجبايات المتصاعدة.
ودعت الجبهة الاقتصادية التجار إلى الاستيراد عبر الموانئ البحرية للاستفادة من «الرسوم المخفضة»، رغم أن هذه الموانئ -خصوصاً الحديدة والصليف- تعرضت خلال الأشهر الماضية لضربات إسرائيلية أدت إلى توقف شبه كلي لنشاطها، ما يجعل خيار الاستيراد عبرها صعباً أو شبه مستحيل.
- استياء التجار
هذا التناقض بين خطاب المليشيا وواقع الموانئ أثار استياء التجار الذين أكدوا أن مليشيا الحوثي تفرض عليهم مسارات استيراد غير قابلة للتنفيذ عملياً.
الجبهة الاقتصادية التابعة للمليشيا اتهمت التجار بأن الإضراب «غير قانوني»، وأن الدعوات إلى الإغلاق تهدف إلى عرقلة «قرارات حماية الاقتصاد الوطني»، داعيةً المستوردين إلى «عدم الانجرار وراء الشائعات» حسب وصفها.
لكن التجار ردّوا بأن هذه الاتهامات تعكس إصرار المليشيا على تمرير إجراءات ضريبية وجمركية «بالقوة»، دون مراعاة الظروف الاقتصادية والمعيشية المتدهورة سواء للمستهلك أو للتاجر.
- سياسة جبايات
ويؤكد كثير من التجار أن ما يجري اليوم هو امتداد لسياسة جبايات تتوسع سنوياً، وتشمل إتاوات عند نقاط التفتيش والطرق والمنافذ، إلى جانب ضرائب استثنائية ترتفع في المناسبات الدينية التي تحتفي بها المليشيا.
يأتي هذا التصعيد في وقت تعيش فيه الأسواق حالة ركود كبيرة بسبب تراجع القدرة الشرائية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
كما أدى غياب الاستقرار المالي والاقتصادي إلى تآكل رأس المال التجاري، ما جعل أي زيادة ضريبية -ولو كانت بسيطة- عبئاً يستحيل تحمله.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا الوضع قد يدفع قطاعات تجارية أخرى إلى الانضمام للإضراب، مما يهدد بحدوث شلل اقتصادي واسع النطاق في العاصمة صنعاء خلال الأسابيع المقبلة.