تقارير
اقتصاد اليمن يترنح.. الريال يفقد قيمته في ظل عقوبات متصاعدة وجولة حرب منتظرة
يتواصل الانهيار الاقتصادي في اليمن مع تفاقم الأزمات المتداخلة والمركبة والعقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على النظام المالي في اليمن، الأمر الذي انعكس على كل مناحي الحياة واستقرار الأوضاع في اليمن بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن ثم تفاقم المعاناة المعيشية للسكان.
خلال الربع الأول من عام 2025، تأثر الاقتصاد اليمني بشكل أكبر نتيجة للعقوبات الأمريكية المتصاعدة ضد الحوثيين التي هدفت إلى الخنق المالي للجماعة، وكان لها تأثيرات سلبية على النظام المالي الهش أصلاً.
وقد شهد الريال انخفاضًا حادًا في قيمته، مما أدى إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطنين الذين يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية وبلغ سعر الريال خلال اليومين الماضيين بمناطق نفوذ الحكومة نحو 2,506 ريالات للدولار الواحد، والريال السعودي إلى 657 ريالًا يمنيًا.
كما أثرت الهجمات الجوية الأمريكية والتوترات الإقليمية المتصاعدة على آفاق تحقيق السلام المستدام في اليمن وأعاقت مساعي الاستقرار الاقتصادي في وقت يحتاج فيه ملايين اليمنيين إلى مساعدات إنسانية لمواجهة خطر المجاعة والأمراض.
ويبدو أن الحلول المطروحة لتعزيز الاقتصاد واستقرار العملة لا تزال غير كافية حيث يكتفي البنك المركزي في عدن بتنفيذ مزادات لدعم الريال، لكن هذه المزادات لم تلق إقبالًا كافيًا من البنوك المحلية، مما يعكس عدم ثقة المستثمرين في أي من الإجراءات.
ومن بين الأمور التي تضاعف أزمة الاقتصاد اليمني تراجع المساعدات الدولية وانخفاض في الإيرادات الحكومية بسبب توقف الصادرات النفطية، مما أدى إلى صعوبات في تغطية الالتزامات المالية الأساسية مثل رواتب الموظفين. هذا الوضع دفع البنك المركزي اليمني لاتخاذ إجراءات طارئة لمحاولة استقرار العملة، لكن هذه الجهود لم تلق النجاح المطلوب وبقيت الأزمة قائمة.
في ظل هذه الأوضاع، تعمل الحكومة اليمنية على إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية، لكنها تواجه تحديات كبرى بسبب الانقسام الداخلي والتدخلات الخارجية التي تفاقم الصراع. تتزامن هذه الإصلاحات مع محاولات لإعادة الاستقرار للبلاد، لكن يبدو أن الطريق لا يزال طويلًا وشاقًا.
يُظهر الوضع في اليمن كيف يمكن للعقوبات الدولية والنزاعات الداخلية أن تخلق دوامة من التحديات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية وتعيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
مؤخرًا، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على بنك اليمن الدولي، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سلسلة إجراءات لتجفيف منابع التمويل الخاصة بجماعة الحوثي، المصنفة أمريكيًا كمنظمة إرهابية دولية.
ويأتي هذا التحرك في سياق حملة متصاعدة، استهدفت في وقت سابق بنك اليمن والكويت، ما يعكس توجهًا أمريكيًا واضحًا نحو محاصرة الكيانات المالية المتهمة بتسهيل التعاملات للجماعة.
ويتوقع مراقبون أن تشمل العقوبات تجميد أصول البنك في الخارج، إضافة إلى خسارته لعدد كبير من عملائه، ومواجهة أزمة سيولة حادة في ظل موجة متوقعة من سحب الودائع من قبل المودعين.
بحسب الصحفي الاقتصادي نجيب العدوفي، فإن استمرار وجود البنوك التجارية في صنعاء بعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، لم يكن خيارًا طوعيًا، بل جاء تحت ضغوط وتهديدات من قبل الجماعة، وصلت حد التلويح بمصادرة الأصول وودائع العملاء، وحتى تهديد العاملين في القطاع المصرفي.
ويوضح العدوفي أن البنوك، رغم محاولاتها السابقة للانتقال إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، اصطدمت بواقع معقّد، حيث لم تتلق أي ضمانات حماية حقيقية من الحكومة أو المجتمع الدولي، فيما واجهت تهديدات مباشرة من الحوثيين، منها منع سفر موظفيها ومحاصرة إداراتها.
ويواجه القطاع المصرفي في صنعاء، بحسب العدوفي، حالة من العزلة الشاملة، وسط مخاوف متزايدة من توسيع نطاق العقوبات ليشمل بنوكًا أخرى لا تزال تعمل تحت سيطرة الحوثيين، وهو ما يهدد ليس فقط الجماعة، بل ملايين المودعين الذين قد يخسرون مدخراتهم نتيجة الانهيار التدريجي للنظام المالي.
ويحمّل العدوفي الحكومة الشرعية مسؤولية التقصير، مشيرًا إلى أنها، ومنذ قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، لم تضع أي آلية واضحة بالتنسيق مع المجتمع الدولي لتمكين البنوك من الانتقال الآمن إلى مناطقها، ما ترك المؤسسات المصرفية فريسة سهلة في بيئة مالية وأمنية عدائية.
ويختتم العدوفي تحليله بدعوة لوقف ما وصفه بـ”عبث الحوثيين” بالقطاع المصرفي، مطالبًا بالسماح الفوري بانتقال البنوك إلى عدن، حفاظًا على ما تبقى من النظام المالي اليمني، وصونًا لأموال المواطنين، الذين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الأزمة المستمرة.
ويجمع مراقبون أن كل هذه العوامل المتداخلة جعلت الاقتصاد اليمني يقف على شفا الانهيار دون تدخل حقيقي في ظل الحاجة الماسة لحلول دائمة تعالج الاستقرار السياسي والاقتصادي.