تقارير

الاضطرابات السياسية والاجتماعية في جنوب اليمن.. ما الذي حدث؟

24/12/2020, 07:45:25

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

تشهد المحافظات الجنوبية من اليمن اضطرابات سياسية واجتماعية متتالية، بدأت منذ رحيل آخر جندي بريطاني من عدن عام 1967 واستمرت حتى اليوم، وازدادت حدتها خلال السنوات الأخيرة بعد انقلاب الحوثيين وحليفهم السابق علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية، واندلاع الحرب الأهلية، ثم دخول السعودية والإمارات ودول أخرى على خط الأزمة والإعلان عن عملية "عاصفة الحزم"، كما تموج المحافظات الجنوبية بحراك سياسي واجتماعي غير منضبط في أحيان كثيرة، وتبدو الانقسامات هناك كظاهرة تاريخية ذات طابع ثأري من الصعب ردمها في المدى المنظور.

ولعل ما زاد الطين بلة، طبيعة تدخل التحالف السعودي الإماراتي في الأزمة اليمنية، والحضور السياسي والعسكري للدولتين في جنوب اليمن بطريقة استفزازية تنتهك السيادة الوطنية ومخالفة للقانون الدولي، وزرعهما تصدعات إضافية أعادت خلط الأوراق وهمشت قوى قائمة وصنعت قوى من العدم ذات سلوك عدواني همجي، وأحيت ثارات مناطقية مؤلمة، وتشتت الهدف المشترك للجميع، أي الحرب على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن، إلى أهداف تهدد الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان والمساواة، وتنسف ما تبقى من معالم الدولة اليمنية ونظامها السياسي، والمستفيد الوحيد من ذلك -لا شك- الحوثيون وحليفتهم إيران.

- صدمات عنيفة 

من خلال استقراء الواقع السياسي والاجتماعي في المحافظات الجنوبية من اليمن، يمكن القول إن سبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية المزمنة هناك، التي تعد أكثر حدة وشمولا من مثيلاتها في المحافظات الشمالية من اليمن، تأتي نتيجة لتعرض المجتمع في جنوب اليمن لصدمات تاريخية عنيفة، أسهمت في بروز تصدعات وانقسامات مرتبكة، اختلط فيها التعصب الأيديولوجي والسياسي بالولاء المناطقي والقبلي.

وقد فشلت مختلف الأنظمة السياسية التي حكمت اليمن قبل الوحدة وبعدها في إيجاد حلول جذرية ترمم تلك التصدعات والانقسامات، وتنقل المجتمع إلى مرحلة جديدة من الوحدة السياسية والاجتماعية، بل فقد كانت الأنظمة الحاكمة تمثل في كثير من الأحيان السبب الرئيسي في بروز انقسامات اجتماعية، وبالتالي انقسامات سياسية، تعد انعكاسا للصراعات بين أجنحة نظام الحكم ذات الانقسام القبلي والمناطقي، أو انعكاسا لفشله في إقامة العدالة الاجتماعية والمساواة.

كانت أول صدمة تعرض لها المجتمع في الشطر الجنوبي من اليمن، أن النخبة السياسية والعسكرية التي سيطرت على السلطة هناك، بعد ثورة 14 أكتوبر 1963، تبنت رسميا الماركسية كأيديولوجية ونظاما سياسيا وكنمط تحالف إقليمي ودولي، في منطقة شديدة الحساسية على صعيد الإستراتيجية الدولية، لإشراف اليمن الجنوبي على مضيق باب المندب، الذي يعد أهم ممر حيوي للتجارة الدولية، وكان في زمن الحرب الباردة يعد ورقة مؤثرة في الحسابات الدولية، وسط انقسام عالمي إلى معسكرين شرقي وغربي، تسود فيه صراعات المصالح والنفوذ والاستقطاب السياسي والأيديولوجي.

وكان الأمر الأكثر غرابة هو كيف يمكن تطبيق الماركسية، التي كان يُفترض حينها أنها أكثر الأيديولوجيات الإنسانية تقدما، في مجتمع يعد من أكثر المجتمعات العربية تخلفا، وما زال الانتماء والولاء القبلي فيه يلعب دورا حاسما، والنخبة الحاكمة فيه لم تتلق تعليما جيدا، يأتي ذلك في وقت ما زال الميراث السياسي والاجتماعي للاحتلال البريطاني راسخا، المتمثل في المشيخات والسلطنات ذات الطبيعة القبلية والمناطقية التي كان حكامها الأكثر استفادة من الاحتلال البريطاني.

شملت صدمة "الماركسية" في البداية الجميع، حكاما ومحكومين، فالحزب الحاكم عندما بدأ بالتأميم، وجد أنه أمام حالة فراغ، في دولة بلا رؤوس أموال ولا موارد طبيعية ولا مصانع ولا شركات كبيرة يمكنه تأميمها، فاتجه إلى تأميم قوارب الصيد و"بسطات" الخضار، مما أثار سخطا اجتماعيا متزايدا، باعتبار ذلك مضايقة للمواطنين في مصادر رزقهم البسيطة. وعندما أراد فرض مذهبه الاجتماعي القائم على حتمية صراع الطبقات، وفقا للفلسفة الماركسية اللينينية، وجد نفسه أمام مجتمع بدائي يتساوى أفراده في الفلاحة ورعي الأغنام والصيد، وأن بقية الطبقات لا وجود لها، أو قد يكون لبعضها وجود محدود جدا في نطاق العاصمة عدن، بنسبة يصعب معها الحديث عن وجود الصراع الطبقي.


وزاد الطين بلة التشدد الماركسي العقائدي، وظهور نزعة بدت متناقضة مع طبيعة المجتمع في الجنوب، ومن أمثلة ذلك، إصدار قانون يجرم تعدد الزوجات، تحت شعار حماية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وتعزيز دورها في المجتمع، مما شكل صدمة كبيرة لتناقض ذلك مع الدين الإسلامي، واللافت أن قانون تجريم التعدد تم تطبيقه بصرامة، وما لبث أن وضح مدى التزام النظام الحاكم في عدن بالقانون الذي أصدره، عندما أعلن بشكل مفاجئ تنفيذ حكم الإعدام بحق "سالم مطيع علي"، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية لسنوات في اليمن الجنوبي، وكان سبب تنفيذ حكم الإعدام بحقه هو ثبوت قيامه بتعدد الزوجات بما يخالف القانون الذي يحظر ذلك.

والصدمة الثانية التي هزت الشطر الجنوبي من اليمن، تتمثل في أحداث 13 يناير 1986، التي كانت الأكثر دموية في تاريخ البلاد، والأكثر تدميرا للمجتمع والاقتصاد وكل شيء، وكشفت فشل الحزب الحاكم وزيف مزاعمه "التقدمية" في تحديث المجتمع، وقد انصدم بتلك الأحداث ونتائجها الكارثية الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية والمجتمع الجنوبي على حد سواء، وبرز دور العامل القبلي والمناطقي بشكل كبير في حسم تلك الأحداث، حيث لجأت كل من القيادات "الاشتراكية" و"التقدمية" في عدن إلى القبيلة والمنطقة التي تنتمي إليها لجلب المقاتلين وتوزيع السلاح عليهم، وانتهت الأحداث بانتصار الفريق الأكثر تزمتا، لكن القادة الجدد أدركوا هامش الحرية المتاح لهم، بسبب متغيرات إقليمية ودولية لم تكن في صالحهم أبدا، بل بدا وكأنها تشكل تهديدا وجوديا لهم.

بدا المجتمع في الشطر الجنوبي بعد أحداث 13 يناير الدموية ممزقا وتسوده حالة من القلق والترقب، تزامن ذلك مع بدء انهيار الكتلة الاشتراكية في شرق ووسط أوروبا، وتساقط الأنظمة الاشتراكية في هذه الدول واحدة بعد الأخرى، وانتقال أنظمة حكم في أفريقيا بعيدا عن الخيار الماركسي، وتعرض نظام الحكم الماركسي في أثيوبيا، بزعامة منجستو، لحرب عصابات من أكثر من خصم، وتلقت العصابات الدعم من الغرب عموما، ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

كما بدأ الرئيس الجنوبي المخلوع علي ناصر محمد، الذي فر إلى سوريا على خلفية أحداث 13 يناير، تحركات واتصالات مع دول الخليج العربية ودول عربية أخرى، بما فيها الشطر الشمالي، والتواصل مع مؤسسات غربية، بهدف حشد الدعم لعودته مجددا لكرسي الرئاسة في عدن، في وقت أصيب فيه النشاط الاقتصادي في الجنوب بالجمود والتدهور، بالتزامن مع تدني الدعم السوفيتي والإنذار بإيقافه تماما، وأثار ذلك فزع الفريق الذي هيمن على السلطة بعد أحداث 13 يناير، كون ذلك الدعم كان يمثل شريان حياة لاقتصاد جنوب اليمن رغم محدوديته.

وفي ظل هذه الأوضاع المضطربة والمتأزمة، اتخذت قيادة جنوب اليمن الهروب إلى الأمام في وحدة اندماجية وفورية مع الشطر الشمالي، وفقا لمعايير وضعها حكام الشمال، وهي معايير كانت مرفوضة قبل ذلك من حكام الجنوب، كما كانت سببا في ممانعتهم لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية إلا وفقا للمعايير التي يريدونها، لكنهم بعد أربع سنوات من إعادة تحقيق الوحدة، وصفوها بأنها مجرد ضم وإلحاق، واندلعت حرب أهلية بعد إعلان فصيل من الحزب الاشتراكي انفصال جنوب اليمن والارتداد عن الوحدة.

أما الصدمة الثالثة التي تعرض لها المجتمع في الشطر الجنوبي، فتتمثل في الأزمة السياسية التي بدأت بعد الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، وانتهت بحرب صيف 1994 الأهلية. فقد كان المواطنون يعلقون آمالا كبيرة على مرحلة ما بعد الوحدة، غير أن ما حدث كان صادما النسبة لهم. فمن جانب، لم يتحقق شيء مما كانوا يحلمون به في ظل دولة الوحدة، ومن جانب آخر، ظهرت مظالم بعد تسريح نظام علي صالح لعدد كبير من الموظفين المدنيين والعسكريين الجنوبيين على خلفية حرب صيف 1994، فظهر بعد سنوات حراك سلمي يطالب بالانفصال، لكن دوره تلاشى مؤخرا لصالح حراك انفصالي مسلح بدعم من الإمارات والسعودية.

- انهيار الحزب الحاكم

لم تؤثر الصدمات التي هزت الشطر الجنوبي من اليمن على المجتمع هناك فحسب، بل فقد شملت الحزب الاشتراكي الحاكم نفسه، الذي بدأت الخلافات في صفوفه منذ بداية حكمه للشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة، وتوجت هذه الخلافات بأحداث 13 يناير 1986 الشهيرة، وهي الأحداث التي هزت ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﺷﻤﺎﻟﻪ ﻭﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ، ﺑﺴﺒﺐ ﻏﺮﺍﺑﺘﻬﺎ ﻭﺑﺸﺎﻋﺘﻬﺎ ﻭﻋﺪﻡ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﺃﺳﺒﺎﺑﻬﺎ، وما أسفر عنها من عدد كبير من الضحايا.

لقد كانت ﺃﺣﺪﺍﺙ 13 ﻳﻨﺎﻳﺮ 1986 بمثابة ﺻﺮﺍﻉ ﻗﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﺛﻮﺏ ﻣﺎﺭﻛﺴﻲ، ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﺗﺨﺬ ﺃﺑﻌﺎﺩا ﻗﺒﻠﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﻃﻘﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﻠﻲ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻘﻲ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﺼﺎﺭﻋﺘﻴﻦ، ﻓﺄﻧﺼﺎﺭ ﻋﻠﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺑﻴﻦ ﻭﺷﺒﻮﺓ ﻭﺷﺨﺼﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺃﺧﺮﻯ. ﺃﻣﺎ ﺧﺼﻮﻡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺻﺮ، ﻭالمتمحورين ﺣﻮﻝ عبد الفتاح إسماعيل وﻋﻠﻲ ﻋﻨﺘﺮ، ﻓﻤﻌﻈﻤﻬﻢ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻟﺤﺞ، وانتهت الأحداث بانتصار جناح علي ناصر محمد.

لكن الغريب أن الطرف المهزوم هو الذي بقي مسيطرا على السلطة في الجنوب، بينما قيادات الطرف المنتصر غادرت الجنوب إلى الشطر الشمالي وإلى بلدان أخرى، ثم بقي الطرف المهزوم محافظا على تماسكه حتى بعد الوحدة، ثم تسبب هذا الطرف بأكبر نكسة للحزب، عندما أعلن انفصال جنوب اليمن والتراجع عن الوحدة، وتسبب ذلك بانقسام كبير داخل الجيش الجنوبي التابع للحزب الاشتراكي، حيث انضمت عدة ألوية عسكرية جنوبية إلى قوات الدفاع عن الوحدة، وكانت نتيجة الحرب ليس هزيمة الحزب الاشتراكي فقط، وتشتت قياداته التاريخية خارج الوطن، ولكن القضاء على جيشه وتجريده من قوته العسكرية.

وبعد أن بدأ الحزب يستعيد عافيته، انقسم إلى تيارين، أحدهما يدعو إلى الانفصال، والآخر يدعو إلى إصلاح مسار الوحدة، ثم تشتت التيار المطالب بالانفصال بين فصائل الحراك الجنوبي المتنازعة فيما بينها، وفك ارتباطها بالحزب بشكل غير معلن، بينما التيار الداعي إلى إصلاح مسار الوحدة بقي محافظا على ما تبقى من الحزب، واستفاد كثيرا من تحالفه مع أحزاب أخرى ضمن تكتل اللقاء المشترك، قبل أن تعصف به الأحداث الأخيرة منذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء وحتى يومنا هذا.

وبالرغم من أنه كان يفترض بالحزب الاشتراكي البقاء في صف السلطة الشرعية، إلا أنه بدأ بالتقارب مع الحوثيين أثناء مؤتمر الحوار الوطني. وقبيل انقلاب الحوثيين وعلي صالح على السلطة الشرعية، ﺃﻃﻠﻖ الحزب ﻣﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻴﻞ ﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍلسابق علي صالح، كما ﺭﻓﺾ في البداية ﺗﺄﻳﻴﺪ عملية "ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺍﻟﺤﺰﻡ".

ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺤﺰﺏ، أثناء مؤتمر الحوار الوطني، ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺿﺎﻩ ﻋﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﻟﻠﻌﺎﺻﻤﺔ ﻭﺍﻗﺘﺤﺎﻡ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ، غير أن الحزب سرعان ﻣﺎ ﺍﻧﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻴﻦ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﺜﻠﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺴﻘﺎﻑ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺪا ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻳﺎﺳﻴﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻧﻌﻤﺎﻥ ﻭﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ.

ظهرت بعد ذلك الانقسامات في صفوف الحزب بوضوح، ﻓﻘﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻐﺎﺩﺭ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻷﻱ ﻣﻼﺣﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ مليشيات الحوثيين، ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻪ ﺃﺣﺰﺍﺏ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺍﻧﻀﻤﺖ ﻟﻮﻓﺪ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﻭعلي صالح ﻓﻲ محادثات ﺟﻨﻴﻒ، بينما ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻴﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻭﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﻔﻴﻦ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻗﻮﺍﻋﺪ ﺷﺒﺎﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﺳﺠﻠﺖ ﻣﻮقفا ﻣﻐﺎﻳﺮا، حيث ﺃﻛﺪﺕ ﺭﻓﻀﻬﺎ للانقلاب، وهناك ناشطون وشباب من قواعد الحزب ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻥ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ضد مليشيات الحوثيين.

وفي المحصلة، فقد انقسم الحزب قبل الوحدة بين تيار علي ناصر من جهة، وتيار عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر من جهة أخرى، وأثناء حرب الانفصال انقسم بين تيار يؤيد الوحدة وتيار يؤيد الانفصال، ثم انقسم ما تبقى منه إلى تيار يدعو إلى الانفصال وتيار يدعو إلى إصلاح مسار الوحدة، كما استقال بعض قادة الحزب وانضموا إلى حزب المؤتمر، وحصل بعضهم على مناصب رسمية كبيرة.

بعد ذلك، تشتت التيار الانفصالي بين فصائل الحراك الجنوبي المختلفة، بينما التيار المطالب بإصلاح مسار الوحدة تشتت بين فريقين، أحدهما موالٍ للسلطة الشرعية، وتتزعمه القيادة السابقة للحزب، والآخر موالٍ للحوثيين، وتتزعمه القيادة الجديدة للحزب، خاصة التيار الذي يدعي النسب الهاشمي في الحزب، وعلى رأسهم أمين عام الحزب عبد الرحمن عمر السقاف، هذا فضلا عن الاستقالات العديدة من الحزب، واتساع الفجوة بين قيادات الحزب وقواعده.

- فشل دعوات التصالح والتسامح

توقفت الاضطرابات السياسية والاجتماعية في جنوب اليمن وشرقه لسنوات قليلة بعد حرب صيف 1994، لكنها سرعان ما عادت بعد نشأة الحراك السلمي المطالب بالانفصال في الربع الأول من العام 2007، بسبب تعدد فصائل الحراك لدواعٍ مناطقية، واختلافها فيما بينها، وعدم قدرتها على اختيار زعامة موحدة للحراك، وظهور ما يسمى "هيئات الدفاع عن الوحدة"، بدعم نظام حكم علي صالح، والتي كانت تعتدي على المتظاهرين المطالبين بالانفصال في أكثر من مكان.

وفي هذا الجو المشحون بالتوتر على أكثر من صعيد، ظهرت دعوات التصالح والتسامح بين الجنوبيين أنفسهم، لكن تلك الدعوات تحولت إلى مجرد شعارات موسمية، قبل أن تختفي تماما، وظهرت فيما بعد انقسامات واضطرابات وأحقاد وثارات تسبب بها التحالف السعودي الإماراتي، من خلال دعمه تيارا انفصاليا غير مقبول شعبيا، وملوث بالعنصرية والمناطقية، مما جعل غالبية المطالبين بالانفصال يتراجعون عن ذلك، ويطالبون باستمرار الوحدة، بسبب المخاوف من عنصرية وهمجية الفئة التي صنعتها ومولتها دولة الإمارات والسعودية، لتتصدر المطالب بالانفصال، والانفراد بحكم الشطر الجنوبي في حال تحقق الانفصال.

والمفارقة هنا هي أن الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن كان يهدد بغزو دول الخليج وإسقاط ما يصفها بأنظمة الحكم الرجعية وإحلال مكانها أنظمة حكم ماركسية تقدمية، بل فقد كان هناك اعتقاد سائد لدى حكام عدن بأن الممالك الخليجية إلى زوال، وأن البقاء والازدهار سيكون للأنظمة الماركسية التقدمية، والنتيجة اليوم هي فشل وانهيار التجربة الماركسية العربية الوحيدة في جنوب اليمن،  الذي أصبح الآن مسرحا لعبث أنظمة رجعية (السعودية والإمارات).

وبعد التهديدات التي كان يطلقها نظام عدن بغزو الممالك الخليجية وإسقاط أنظمتها الرجعية وإحلال أنظمة تقدمية مكانها، فإن الفئة الحاكمة في عدن اليوم تسهل لبعض الممالك الخليجية احتلال جنوب اليمن والسيطرة على موانئه ومطاراته وتعطيل موارده السيادية، وبالتالي استكمال الإجهاز على النظام الجمهوري الديمقراطي في اليمن بشكل عام، وإقامة نظام حكم رجعي في عدن، أسوأ من الأنظمة الرجعية في الرياض وأبو ظبي، والعمل على استمرار الاضطرابات السياسية والاجتماعية في جنوب اليمن، والتي تراكمت بفعل الصدمات التاريخية السابق ذكرها.

تقارير

بين ضغط واشنطن ووعيد تل أبيب.. كيف يستخدم الحوثيون حرب غزة لإعادة تموضعهم إقليمياً؟

ازدادت حدة التصعيد بين مليشيا الحوثيين والاحتلال الإسرائيلي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 مايو الجاري، عن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع الحوثيين، قائلا إنهم "استسلموا" وطلبوا من إدارته وقف الهجمات ضدهم مقابل وقف تهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر وعدم استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.