تقارير

الجامع الكبير.. تاريخية المكان و"رمزية" المعْلَم

16/03/2024, 13:16:09
المصدر : نشوان علي - خاص

تمام العاشرة صباحاً بتوقيت صنعاء، في أول يوم جمعة من شهر رمضان، تكون الصفوف الأولى من "الجامع الكبير" في مدينة صنعاء القديمة التاريخية امتلأت بالمصلين، الذين يتوافدون من محيط العاصمة لأداء الصلاة في أقدم المساجد الإسلامية، الذي بُني في السنة السادسة للهجرة، وأمر بتوسعته الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك والولاة من بعده..

كان الجامع قبل انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014 قبلة لجميع اليمنيين من مختلف الفئات على اعتبار "تاريخيته"، لكنه بعد الانقلاب تحول إلى "رمز" لـ"الجماعة" و"مكان" لـ"جلب" البركة والقبول والتقرب إلى "الرسول"، كما قال أحد الزوار من أبناء مديرية بني حشيش لـ"بلقيس نت".

زوّار "الجامع الكبير" في معظم الأيام من مختلف أحياء العاصمة صنعاء، إلا أن يوم الجمعة يكون بمثابة "كعبة" يحج إليها الكثير من أبناء القبائل المحيطة بصنعاء، الذين يقومون بتوزيع "الأموال" على من يتدارسون "القرآن" المنتشرين على زوايا وأعمدة الجامع وصارت "مهنة" لـ"كثير" من الموظفين المتقاعدين، وخاصة من سكان مدينة "صنعاء القديمة".

ويحمل "الجامع الكبير" في صنعاء "رمزية" و"قدسية" لدى الطائفة "الشيعية"، وخاصة "الزيدية" التي تنتمي إلى "زيد بن علي"، أحد أحفاد "علي بن أبي طالب"، و"الهادوية" نسبة إلى مجدد المذهب الزيدي "الهادي يحيى بن الحسين الرسي"، لكن فقط من زاوية "تاريخيته" هي من جعلت منه مزارًا لجميع أبناء اليمن بعيدًا عن تلك "القداسة"، التي يلتف حولها أتباعها.

منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، التي أطاحت بنظام "الإمامة" في اليمن، وفي عهد الحكومات "الجمهورية" ظل الجامع الكبير في "بعيدا" عن أنظارها، وتمسك بزمامه أسر "هاشمية" عمدت إلى أن يكون مركزًا لـ"تفريخ" مجاميع "الناقمين" على "الثورة"، وكانوا النواة التي نخرت في "الجسد الجمهوري" حتى الانقلاب عليه في 21 سبتمبر 2014.

وتجلى خطر "مخرجات" الجامع الكبير، التي تدين بالولاء لـ"الإمامة" وتمجد تاريخها، عند ظهور مليشيا الحوثي المتمردة، أو من يسمون أنفسهم بـ"أنصار الله" على يد مؤسسها حسين الحوثي في العام 2002 (قتل في 2004)، الذين كان يوجّه زعيمهم بـ"ترديد" ما يسمى بـ"شعار الصرخة" في الجامع كأذان بظهور "إمام جديد"، يتم الدعاء له في خطبة الجمعة لاحقاً بعد تمكنها من السيطرة على صنعاء.

- "الجامع المقدس"

قبل أن تدلف إلى الجامع عليك أن تضع "أحذيتك" خارج المسجد في صناديق على مداخل تم استحداثها، وخصص لها موظفين تدفع رواتبهم من قِبل "هيئة الأوقاف"، وتحصل على "رقم" لخانتك، كما تخضع لتفتيش دقيق من قبل "جنود" يرتدون بزة "حرس منشآت".

بعد أن تكون قد أتمت إجراءات "الأمن والسلامة" -إن جاز التعبير- تتجه مباشرة إلى دورات المياه، أو كما تم تسميتها من قِبل القائمين على الجامع بـ"المواضئ"، لتفاجئك قبل دخولها لافتة ظهرت فيها عبارة "المقدس"، التي تم إضافتها بعد "إدارة الجامع الكبير"، ولا ندري ما أصل "القُدسية".



وقبل أن تخرج من ممر "المواضئ" تشدك لافتة علقت جوار "فتحة دائرية صغيرة" كتب عليها "قبة العوسجة"، ربما شبيهة بـ"السرداب" الذي دخل منه "المهدي المنتظر" في سامراء العراقية!

يقول أحد القائمين على الجامع الكبير -طلب عدم ذكر اسمه- لـ"بلقيس نت" إن خلف "قبة العوسجة" قبور إمامين ومرجعين لـ"الزيدية" هم؛ "الامام المهدي لدين الله محمد بن الامام (المظلل بالغمام)، الامام المطهر بن محمد بن المطهر (الواثق بالله)، يحيى بن الحسين بن يحيى (مؤلف الياقوته)، ومحمد بن الأمير.

لن تلاحظ شيئًا غريبًا عند أداء الصلاة، لكن إن دققت وأخذت بعض الوقت لاستكشاف الجامع، ستتفاجأ أيضاً بعدد من أبناء "طائفة البهرة"، الذين لا يصلون إلا بموقع "القبلة القديمة"، وتحديدًا بين ما يسمى بـ"المسمورة والمنقورة" عند المدخل الشرقي لـ"الجامع الكبير"، وعند سؤال لأحد أبناء الطائفة قال إن "القبلة الحديثة" اتجاهها غير صحيح، وتنحرف عن البيت الحرام.

- قائمة ممنوعات

على أحد الجدران الداخلية لـ"الجامع الكبير"، وضعت مليشيا الحوثي سلسلة تعليمات "مشددة" أو بالإمكان تسميتها بـ"قائمة الممنوعات"، التي يجب تجنبها داخل "الجامع الكبير" منها منع أي مواطن من أخذ "الفتوى" من العلماء الذين يتواجدون في الجامع، وحصرها بمن أطلقت عليه "مفتي الجامع الكبير" أو نائبه، ومنع الإعلاميين من "التصوير" داخله إلا بتصريح مسبق من الجهات الأمنية، ومن يخالف ذلك يتم مصادرة أجهزته ومعداته.

من بين "الممنوعات" أيضاً "منع" توزيع الأموال من قِبل المواطنين على من يمتهنون "قراءة القرآن" داخل المسجد إلا عبر "المسؤول المختص"، لكنه أمر يتجاهله الكثير، وهو ما ستشاهده بأم عينك حين تزور الجامع الكبير.

- كحل "الإثمد"

في زاوية أخرى، وتحديدا عند "قبة الزيت"، التي تتوسط ساحة "الجامع الكبير" حط مُسِنَانْ رحالهما، واحتشد المصلون بكثرة حولهما وتوالياً الواحد تلو الآخر يقومون بـ"تكحيل" أعينهم بـ"كحل الإثمد"، الذي يسبب حرقة شديدة في العينين، ويمنع الشخص من الرؤية لعدة ثوانٍ، وهي عادة كانت قد اختفت بعد توجيهات بمنعها، لكنها الآن عادت بقوة.

ويعتقد محمد الملصي (46 عاما) أن "كحل الإثمد" -وبحسب ما أخبره به والده قديمًا- يعتبر مفيدا جد لصحة العينين، ويساعد على تنظيفهما من أي ميكروبات، حسب ما قاله لـ"بلقيس نت".

تظل تلك المشاهد مستمرة حتى ما قبل موعد الإفطار، وتحديداً العشرين دقيقة قبل آذن صلاة المغرب، حين يتجمع المصلون على مائدة الإفطار، التي يحضرها أيضاً من انقطعت بهم السبل، المكونة وجبتها من "التمر واللبن وبعض الأطعمة الخفيفة وشراب الليمون"، و"كدمتين" (نوع من الخبز) لكل شخص يوزع من قِبل القائمين على المسجد، لتؤدى بعد ذلك الصلاة، ويذهب كل إلى حال سبيله، دون أن تعلق في وجدانه أي "ذكرى" سوى أن الجامع الكبير "معلم تاريخي".

تقارير

ما تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الشرق الأوسط؟

بعد أكثر من 11 يوم على الحرب الإسرائيلية الإيرانية، بات واضحاً أن معادلة النصر والهزيمة معقدة كثيراً، وباتت إسرائيل لا تستطيع وحدها تحقيق الأهداف المعلنة من حربها على إيران، وأنه لا يمكن إنهاء البرنامج النووي الإيراني دون إسقاط النظام في طهران.

تقارير

الغاز يختفي من منازل اليمنيين.. ويشتعل في أسواق التهريب

رغم توقف صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي عن استلام الغاز المنزلي من شركة صافر في مأرب منذ أكثر من عام، لا تزال أزمة الغاز تطارد ملايين اليمنيين في مناطق الحكومة الشرعية، من عدن إلى تعز، وسط اختناقات حادة وأسعار متصاعدة، وغياب أي مؤشرات على انفراج قريب.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.