تقارير

الحوثيون يتجاوزون الخطوط الحمراء منذ سنوات! (ترجمة)

03/09/2024, 12:37:23
المصدر : مجلة إنترناشونال بوليتكس أند سوسيتي - ترجمة خاصة

تتشابه أساليب الحوثيين بشكل لافت مع أساليب حركة طالبان، غير أن الغرب مازال يسمح لهم بالاستمرار في رسم قواعد اللعبة.

ففي الأجزاء الشمالية الغربية لليمن، الواقعة تحت سيطرتهم، يحتجز الحوثيون حاليا حوالي 60 موظفا محليا في المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة، أو بالأحرى يختطفونهم، لاسيما وأن مكان تواجدهم مجهول، بل وغير معلوم لأقاربهم.. كما أنهم محرومون من حقهم في توكيل محامين أو الحصول على الأدوية، ومعزولون عن العالم الخارجي، وفقا لما يقوله الخبراء.

وهنالك من بين المختطفين موظفون في الأمم المتحدة وموظفون في سفارات ووكالات إنسانية يقومون بعملهم، منذ سنوات، من أجل تحسين إمدادات المياه، والحوكمة اللامركزية، ومشاريع الطاقة في اليمن.

وإذا كان ليس بغريب اعتراض موظفين دوليين ومضايقتهم في بعض الأحيان في أجزاء أخرى من العالم، فإن موجة الاختطاف، التي أقدم عليها الحوثيون في العاصمة صنعاء، منذ شهر مايو الماضي، لم يسبق لها مثيل، حيث لم يسبق أن تأثر العمال الدوليون بمثلها... حتى الآن.

ظل الحوثيون لسنوات يصعّدون ليتسنّى لهم بلوغ أهدافهم فيما يتعلق بسلوكهم الذي يتم التسامح معه على الساحة الدولية، حيث يقومون بالتصعيد والاستفزاز والهجوم.

وكل ما يقومون به يمشي وفق خطة مدروسة جيّدا. لقد مرت عشر سنوات مذ أن احتل الحوثيون صنعاء في بادئ الأمر، ليباشروا الملاحقة وتجريد أناس من ملكياتهم، واعتقال المعارضين السياسيين، وإنشاء نظام خطر حقيقي لإرهاب سكان البلد.

بعض الأشياء تذكرنا بطالبان. ومذاك، تراجعت المكاسب السابقة مثل سير عمل البرلمان، أو حرية الصحافة، أو الالتحاق بالمدارس بشكل عام، حيث يكتفون في أغلب الأحوال بإلقاء اللائمة على الخصوم السياسيين الخارجيين- حد زعمهم.

فبدلا من التركيز على التنمية الاقتصادية لبلد يمر بحالة خراب، فرض الحوثيون إتاوات لحرب جديدة؛ حيث يواجه أولئك الذين لا يدفعون الإتاوات السجن، وفي الوقت ذاته، ينتظر الموظفون العموميون في المناطق التي يحتلها الحوثيون رواتبهم منذ سنوات.

ويعاني شمال غرب اليمن من الإفقار الممنهج، ويقدر الخبراء الآن أن حوالي 90 في المئة من الناس هناك يعيشون في فقر  إنه رقم قياسي على مستوى العالم.

- أساليب التصعيد

ردا على الغزو الإسرائيلي لغزة، يتعمّد الحوثيون، بصفتهم جزءا مما يسمى "محور المقاومة"، تعطيل الشحن في البحر الأحمر، منذ شهر أكتوبر 2023. ففي هذا الأسبوع فقط هاجموا ناقلة النفط اليونانية "سونيون". كما تضررت 30 سفينة على الأقل من هجمات الطائرات المسيّرة، مما تسبب في إغراق اثنتين منها. كما تم الاستيلاء على الناقلة "جالاكسي ليدر"، حيث يجري ركنها الآن في ميناء الحديدة، ويمكن زيارتها مقابل دفع رسوم قدرها 5 دولارات.

فمنذ ذلك الحين، ضخت الولايات المتحدة وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي أموالا لاتخاذ تدابير سلامة للشحن في البحر الأحمر.

صعّد الحوثيون الوضع أكثر في 19 يوليو الماضي، حيث هاجموا تل أبيب مباشرة بطائرة مسيّرة إيرانية الصّنع من طراز  صماد 3"، مما أسفر عن مقتل شخص واحد. ورد سلاح الجو الإسرائيلي، في اليوم التالي، بتدمير احتياطيات النفط الرئيسية في الحديدة، وصد مسعى الحوثيين لترسيخ أنفسهم كفصيل محارب مباشر.

كان ربط الحوثيين لهجماتهم بالوضع الجاري في فلسطين خطوة ذكية من قِبلهم للتعويض عن دعمهم المتضائل في اليمن.

لا تمثل عمليات الخطف إستراتيجية جديدة للحوثيين، غير أن تصعيد عمليات الاختطاف هذه كان له تأثير سياسي هائل في اليمن.

ففي الأسابيع الأخيرة، استهدف الحوثيون، بشكل متزايد، مجتمع الإغاثة الدولي، ولا سيما المنظمات الشريكة في اليمن.

فمنذ عام 2018، يشكو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من إساءة استخدام الحوثيين المنهجية للمساعدات الغذائية وعسكرتها. وكان المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي يلزم المنظمات الإنسانية العالمية تسجيل نفسها فيه من أجل السماح لها بممارسة عملها، والخاص بالحوثيين دون غيرهم، أصدر مؤخرا تعليمات لشركاء الأمم المتحدة في مجال المساعدات بالعمل فقط مع المنظمات الصديقة للحوثيين، بل وتوظيف الحوثيين لديهم. وقد رضخت بعض المنظمات الدولية للضغوط.

وفي شهر يونيو الماضي، أعلن الحوثيون أنهم كشفوا عن شبكة تجسس "إسرائيلية - أمريكية" في اليمن، وأصدروا مقاطع فيديو لاعترافات مزعومة من موظفين سابقين في السفارة الأمريكية في صنعاء. لقد عززوا ذلك بصور جاذبة على الشبكات الاجتماعية وقنواتهم التلفزيونية، التي تعرض شعارات الشركاء الدوليين، بما في ذلك المنظمات الشريكة للألمان، كجزء من حلقة التجسس هذه.

وأخيرا، وفي أوائل أغسطس الماضي، اقتحم الحوثيون مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في صنعاء، وصادروا المركبات والأثاث والخوادم، وهو أمر نادر الحدوث. وسرعان ما اتبعوا ذلك بموجة من عمليات الاختطاف.

فعمليات الخطف ليست إستراتيجية جديدة للحوثيين: فقد اختطفوا عمالا محليين من قبل، في عامي 2019 و2023. غير أن تصعيد عمليات الاختطاف هذه كان له تأثير سياسي هائل في اليمن.

لا يتعلق الأمر كثيرا بالأفراد ال60 الذين يستخدمهم الحوثيون حاليا كأوراق مساومة، بل يتعلق بالشكوك التي أثيرت حول الشراكات الدولية ككل. يتعرض اليمنيون العاملون في المنظمات الدولية لمخاطر أكبر مع مرور كل شهر، ليس فقط في الشمال، بل وأيضا في جنوب البلاد الخاضع لسيطرة "الحكومة الشرعية".

-نقطة تحوّل

وبسبب قلقه الواضح من استفزاز الحوثيين الأخير، عبَّر الغرب عن مخاوفه، وكرر تذكيراته وصعّد من خطابه. لخّص المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، الوضع بدقة وقوة أمام مجلس الأمن الدولي، في 23 يوليو 2024، قائلا: مسار التنمية في اليمن (...) ومع ذلك، وبالرغم من كل مشاعر التعبير، لا يزال الرد العالمي على تصرفات الحوثيين معتدلا بشكل مدهش. فما كان في السابق خطوطا حمراء أصبح ورديا أولا، قبل أن يتلاشى تماما.

في السنوات الأخيرة، استسلم المجتمع الدولي لكل مطلب جديد قدّمه الحوثيون، وتجاهل بشكل روتيني انتهاكاتهم للحريات الفردية، أو التمييز في المساعدات الدولية.

لا يمكن ترك الناس يخوضون مصيرهم في هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الكارثية، إلا أنه بالمثل، لا نريد إبقاء الحوثيين خارج الحوار السياسي الجاري، على ما يبدو. وبالرغم من كل هذا التصعيد، استمر الغرب في إظهار التفهم تجاه الحوثيين، ودعمهم بشكل غير مباشر.
 
لم يؤدِ استرضاء الحوثيين إلا إلى تعزيز قاعدة قوتهم وإعطائهم انطباعا بأنهم يفعلون الشيء السليم. وقد تمكّنوا من إرسال مبعوثين إلى التجمعات الدولية، واستخدام القنوات الخلفية غير الرسمية لتمثيل من يُشارك في المحادثات، أو المفاوضات نيابة عنهم.
وقد أدى ذلك إلى خرق كل الاتفاقات الصغيرة الملموسة باستمرار، في حين يلتزم الشركاء الدوليون الصمت.

علينا ألا نتفاجأ إذا طُرح هناك حل الدولتين، أو حتى الدول المتعددة في المستقبل المنظور، دون تدخل الأمم المتحدة.

وهذا يجعل الحوثيين يقتربون من هدفهم النهائي: إقامة دولتهم الخاصة تحت سيطرتهم. لقد تم تقسيم اليمن بشكل متصاعد لمدة 10 سنوات حتى الآن، وذلك ليس من خلال المفاوضات السياسية، كما هو الحال في السودان وجنوب السودان، بل خطوة بخطوة على مستويات أدنى.
ويجري فصل شبكات الاتصالات، وتقسيم المكاتب الحكومية إلى شمال وجنوب، وتقسيم أنظمة الضمان الاجتماعي، والتخلي عن النظام المصرفي والنّقدي الوحيد في البلاد. حتى إن ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي يتجنبون استخدام مصطلح "اليمن".

لا ينبغي أن نتفاجأ إذا كان هناك حل الدولتين، أو حتى الدول المتعددة في المستقبل المنظور، دون تدخل الأمم المتحدة. وقد دعم المجتمع الدولي ذلك بشكل غير مباشر لسنوات من خلال سياسة استرضاء الحوثيين.

لقد اعتاد المراقبون السياسيون الدوليون على الارتباك والفوضى المتنامية. والتعود على ما هو استثنائي، أو غير عادي بما يؤدي أحيانا إلى قبوله.

بالنسبة لليمن، فهذا يعني أن حركة دينية قبلية تتوطد في دولة، بينما نشاهد اليمن ينهار وينجرف إلى المجهول بحركة بطيئة. يمكننا أن نتحمل بلدا ينتقل بصورة نشطة إلى حالة أخرى من الوجود، بشرط ألا نغفل عن العواقب.

وبطريقة أخرى، فإن الجهد الدبلوماسي الهائل والسياسة الأمنية القوية وحدها من يمكنها أن توقف هذا المسار. غير أننا بحاجة إلى إعادة تلك الخطوط الحمراء إلى ما كانت عليه من قبل: نقاط انطلاق واضحة لاستجابة حقيقية للسياسة الخارجية من شأنها أن تجعل من السهل التعامل مع الوضع نفسه، واستجماع الشجاعة للقيام بذلك. ومن المؤكد أن المختطفين ال60 سيرحّبون ببذل جهود استباقية أكثر.

- لقراءة المادة من موقعها الأصلي: مجلة إنترناشونال بوليتكس أند سوسيتي

- كتب: قسطنطين جروند/ يرأس قسطنطين جروند مكاتب مؤسسة "فريدريش إيبرت" في السودان واليمن. شغل سابقا منصب مدير مكتب مؤسسة "فريدريش إيبرت" في مدغشقر وبنين وإثيوبيا.

تقارير

وسط تقاعس حكومي.. حالة شلل تام تصيب قطاعات حيوية جراء تصاعد الإضرابات

تتصاعد الأصوات الرافضة للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، حيث أعلنت قطاعات حيوية وفي مقدمتها التعليم والقضاء والصحة إضرابها الشامل والمستمر حتى تتحقق المطالب المطروحة، وأهمها تحسين الرواتب وتنفيذ إجراءات سريعة، لتحسين الأوضاع المعيشية.

تقارير

ما الذي تحمله اللقاءات السياسية والعسكرية الأخيرة للأزمة اليمنية؟

تعكس اللقاءات العسكرية والدبلوماسية الأخيرة، تحركات دولية وإقليمية لإعادة صياغة المشهد اليمني، لكنها لن تؤتي ثمارها ما لم ترافقها جهود محلية صادقة لمعالجة الانقسامات وبناء مشروع وطني جامع، لأن الحل لا يأتي من الخارج بل من الداخل.

تقارير

شبح الحوادث المرورية يطارد أرواح المغتربين اليمنيين في السعودية

"كالمستجير من الرمضاء بالنار"، مثل شعبي يضرب على شخص يعدل عن أمر فيه مشقة عليه أو خطر إلى ما هو أسوأ، وهو يكاد يلخص حالة اليمني الذي هاجر بلاده إلى بلد الاغتراب بحثاً عن فرصة عيش أفضل ويتمكن من إعالة أسرته التي غادرها مُكرهًا، ليلقى حتفه ويفارق الحياة بـ"حادث مروري" وتحيل حياة أسرته إلى "جحيم" بفقدان المعيل.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.