تقارير

الدراما اليمنية: بين انعكاس الواقع وتشويه الصورة

28/03/2024, 12:31:12
المصدر : قناة بلقيس - خاص - بشرى الحميدي

تعتبر الدراما اليمنية -بلا شك- جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والفني لليمن، وتمثل مرآة تعكس جوانب مختلفة من المجتمع والثقافة اليمنية.

ومثلما هو الحال في العديد من البلدان، تتنوّع الأعمال الدرامية اليمنية في جودتها، وتقديمها للصورة المطلوبة للواقع.

تظهر بعض الأعمال اليمنية بوضوح صورة واقعية للمجتمع اليمني، تركِّز على قضاياه ومشاكله بشكل صادق وموضوعي، هذه الأعمال تلقى ترحيبًا كبيرًا من الجمهور؛ لأنها تعكس جوانب من حياتهم، وتحاكي تجاربهم بشكل دقيق.

من ناحية أخرى، هناك بعض الأعمال التي قد تكون مبالغا فيها، أو تقدم صورة مشوّهة للمجتمع اليمني، قد تستخدم هذه الأعمال الدرامية التصوير السلبي لبعض الجوانب من الحياة في اليمن دون توازن، أو تمثيل شامل للحقائق.

إشكالية اللهجة اليمنية، التي تواجه المشاهدين العرب في بعض الأحيان، قد تكون عائقًا أيضًا، خاصة للجمهور الذي ليس لديه خلفية كافية في هذا الصدد.

ودوما، تثار التساؤلات، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، حول هل تعكس الدراما اليمنية واقع المجتمع اليمني بصدق، أم تزيّفه، وتقدّم صورة مشوّهة؟

وبينما يرى البعض أن بعض الأعمال تقدّم صورة واقعية للمجتمع، يرى آخرون أن بعض الأعمال تُقدم صورة مشوهة، أو مُبالغا فيها.

- عائق اللهجة

الصحفي السوري، محمد عبيد، يؤكد على أن اللهجة اليمنية تجعل المشاهد العربي أمام صعوبة في فهم بعض المسلسلات اليمنية.

ويؤكد عبيد، في حديثه لـموقع "بلقيس"، على أن "المسلسلات البدوية تُجسد عادات وتقاليد اليمنيين بشكل مُتقن، بينما تشوه بعض المسلسلات غير البدوية صورة اليمنيين، وتُقدم مشاهد خادشة للحياء، ولكن ليس بالعموم، هناك الكثير من المسلسلات ذات رسالة مميُزة ومفيدة"، حد قوله.

يعجب عبيد بالمسلسلات اليمنية "التي تستخدم فيها اللغة الفصحى، والتي تُظهر فصاحة اليمنيين، كما يُشير إلى أنّ طبيعة اليمن القاسية تنعكس في المسلسلات".

ويؤكد عبيد على "أهمية التركيز على اللغة الفصحى في المسلسلات لضمان وصولها إلى أكبر عدد من المشاهدين".

- هامش مطلوب من الخيال

أما المخرج والممثل محمد الربع فيرى أن "الدراما لا يجبُ أن تنقل الواقع بحذافيره، وإلا ستتحول إلى تقارير إخبارية، أو أفلام وثائقية".

ويشير الربع، في حديثه لموقع "بلقيس" إلى أن "الدراما تحتاج إلى مساحة كافية من الخيال لتحويل الأفكار إلى قصة شيّقة، وأنها قد تسلط الضوء على بعض القضايا المجتمعية، ولكن بمعالجة درامية تحولها إلى صورة".

يؤكد الربع أن "الكوميديا هي فن المبالغة، وأن الأشياء الواقعية والمنطقية لا تضحك الناس، بينما تضحكهم التصرفات غير المنطقية، وغير الواقعية".

يُضيف الربع: "الدراما ليست أخبارًا حتى تُقاس بمعيار التزييف أو الحقيقة، بل هي قصص مكتوبة قد تبنى على الكوميديا، أو التراجيديا، أو الفانتازيا، أو الخيال العلمي وغيرها.

 ويُشير إلى أن "حتى الدراما التاريخية جزء كبير منها مبني على خيال قصصي ومعالجة درامية، لكي يتناسب مع معاييرِ البناء الدرامي، وعناصر الشد والحبكة والتشويق".

- رقابة مشتركة

بدوره، يقول مدير عام المصنفات والملكية الفكرية في وزارة الإعلام والثقافة، محمد عبد الرحمن: "إنّ تشكيل الدراما اليمنية لا يقتصر على دور الرقابة من قِبل وزارة الثقافة والجهات المختصة في الوزارة فحسب، بل يتضمن النصوص ومضمونها، والقضايا التي تتناولها، والسيناريوهات وكُتابها، والإخراج والمخرجين، والممثلين، وغيرهم".

ويُشير عبد الرحمن إلى أن "الرقابة الذاتية، التي يفرضها الكاتب على نفسه، ورقابة جماعات تفرض نفسها بطرق مختلفة، تلعب دورًا هامًا في التأثير على تشكيل الدراما والأعمال الدرامية في اليمن".

ويؤكد عبد الرحمن أن "وزارة الإعلام والثقافة، وخاصة منذ انتقالها إلى العاصمة المؤقتة عدن، لم تمارس الرقابة على الأعمال الدرامية، وخاصة التلفزيونية، حتى الآن".

ويلفت عبد الرحمن إلى أن "ما يهم الوزارة أكثر هو وجود دراما وأعمال درامية يمنية، خاصة في ظل الظروف والأوضاع الراهنة، أما جودتها ومستواها الفني فيترك للمتلقي/المشاهد، والناقد".

وبالفعل، هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على دقة الصورة، التي تقدمها الدراما اليمنية عن واقع المجتمع، فعلى سبيل المثال، الظروف السياسية والاجتماعية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل المشاهد والقصص التي يتم اختيارها للعرض.

كما أن أسلوب الكاتب والمخرج يلعب دورًا أساسيًا في تقديم تلك الصورة، حيث يمكن أن يختلف الاختيار الفني والدرامي من شخص لآخر بناءً على رؤيتهم الفنية، والتفاعل مع الواقع.
 
- عوامل مؤثرة

ومن وجهة نظر الكاتب حسن عناب، فإن "الدراما بشكل عام هي كغيرها من الإنتاجات الفنية والأدبية التي غالباً ما تكون الثقافة السائدة أمها، والواقع المعاش أبوها".

عناب يشير إلى أن الدراما اليمنية، وكذلك العربية بشكل عام، تعاني من القيود السياسية والصعوبات المادية، والتقاليد القبلية التي تلقي بظلالها على عملية إنتاجها، مما يؤدي إلى تشويه الصورة الفنية وتقييد الإبداع.

ويؤكد عناب في حديثه مع موقع "بلقيس" أن "معظم الأعمال الدرامية اليمنية تسعى إلى الاقتراب من الواقع المعاش، ولكن تضع الجهات المنتجة سياساتها وميزانياتها كحواجز تعيق تحقيق الإبداع المطلوب، وتجعل الأعمال تخرج دون الواقعية المنشودة".

يعبّر عناب عن طموحه لرؤية أعمال درامية يمنية تنافس على مستوى عربي على الأقل، ورغم شعوره بالرضا جزئياً بالأعمال الحالية، إلا أنه يلاحظ ضعفها وخلوها في بعض الأحيان؛ بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه اليمن، بما في ذلك الصراعات والانقسامات والأزمات السياسية والاقتصادية، وتأثيراتها على المنتجين والفنانين والفنيين في شكل هجرة ونزوح وتباعد جغرافي.

زكريا الربع -إعلامي وصانع محتوى- يرى أن "الدراما اليمنية، في السنوات الأخيرة، لم تعكس الواقع بصورة أمينة، ولكنها لم تزيفه تمامًا، بل اتخذت مسارًا وسطًا يتجسد في الابتعاد عن مناقشة تفاصيل الواقع الحقيقي وأحداثه المعاشة، ومشاكل المشاهدين العديدة".

ويوضح الربع أن "هذا النهج أدى إلى ابتعاد معظم المسلسلات ذات الإنتاجات الضخمة عن الواقع، واللجوء إلى مواضيع مثل الفانتازيا أو القصص الخيالية، أو مناقشة مشاكل هامشية لا يعتبرها المشاهد من أولوياته".

ويؤكد الربع أن "هذا الاتجاه أدى إلى تراجع اهتمام المشاهدين بالدراما اليمنية، وانتقالهم إلى متابعة الإنتاجات العربية والخارجية، بدلاً منها".

ويعتقد الكاتب الصحفي، عبد السلام القيسي، أن "واقع الدراما اليمنية يعكس واقع البلاد بشكل شامل، حيث تقوم صناعتها على أسس حقيقية، وبالتالي لا يُطالب اليمنيون بإنتاج أعمال متميزة مع الإمكانيات المحدودة المتاحة".

وأشار القيسي إلى أن "هناك عوامل كثيرة تساهم في إنتاج دراما جيدة، مثل الأمن والاستقرار، واهتمام الدولة بالفن والثقافة، وتوفر كليات للفنون والمسرح والتمثيل".

واستشهد القيسي بالمثال السوري، حيث شهد تراجع جودة الدراما السورية بعد فترة من الفوضى، مشيرًا إلى أن "غياب هذه العوامل في اليمن يؤثر سلبًا على جودة الدراما اليمنية".

وأوضح القيسي أن "النقد السابق للدراما اليمنية كان متعلقًا بالسخرية والتشويه"، لكنه لفت الانتباه إلى "تطور ملحوظ في الجدية هذا العام، مما يفتح الباب أمام دراما حقيقية في المستقبل".

وفي الوقت نفسه، يُشير إلى أنه "بالرغم من عدم القدرة على تحديد صورة الدراما اليمنية بدقة مطلقة، إلا أن هناك أعمال تقدم صورة واقعية ودقيقة، بينما تقدم أعمال أخرى صورة مشوهة أو غير كاملة".

- مرآة عاكسة

رئيس ملتقى الفنانين، طه الرجوي، يرى أن "الدراما - أي دراما - تعتبر مرآة عاكسة لواقع المجتمع"، ويؤكد أن "هذا الأمر ينطبق أيضًا على الدراما اليمنية".

ومع ذلك، يشير الرجوي إلى أنه "من الصعب الجزم بأن الدراما تعكس الواقع بشكل كامل، أو تُزيفه بشكل مطلق".

يوضح الرجوي أن "كمية الأعمال الدرامية، التي تم إنتاجها هذا العام تعكس واقع البلاد، بما في ذلك الظروف الصعبة التي يواجهها المنتجون والمخرجون أثناء عملية الإنتاج".

بالنسبة للمضمون، يعتبر الرجوي أن "كل عمل درامي يعبّر عن وجهة نظر محددة، وقد يتأثر بعوامل متعددة".

ومن خلال تجربته، يشدد الرجوي على أن "العديد من الأعمال الدرامية تبتعد عن تصوير الواقع بشكل كبير، وذلك بسبب الانقسامات السياسية والاجتماعية في البلاد، وضعف مصادر التمويل، وأسباب أخرى".

 لذا، يعتبر الرجوي أن "هناك حاجة ماسة لتطوير الدراما وتحسين محتواها، من خلال دعم الكتّاب والمخرجين الموهوبين، وتوفير تمويل كافٍ لعمليات الإنتاج".

تقارير

ترتيب العلاقة مع المجلس الرئاسي والحكومة.. ما الذي يريده المجلس الانتقالي؟

على وقع عودة الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، واللقاءات الدبلوماسية، التي يجريها المبعوثان الأممي والأمريكي مع مسؤولين إقليميين بغرض عودة المشاورات، من أجل التوصل إلى حل سياسي في اليمن، تأتي تصريحات مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي للحديث عن إعادة هيكلة السلطة الشرعية

تقارير

فرص السلام في اليمن.. تصعيد حوثي وتناقض في الموقف الأمريكي

ناقش المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينج، مع وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية العُمانية، خليفة الحارثي، جهود إنهاء التوتر القائم في البحر الأحمر، لإحراز تقدّم في خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.