تقارير
"الرئاسي" يقر إصلاحات اقتصادية.. هل يمكن تنفيذ هذه الإصلاحات على أرض الواقع؟
مؤخراً كشفت وثائق رسمية عن حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة أقرها مجلس القيادة الرئاسي اليمني، متمثلة في القرار رقم (11) لسنة 2025، والذي يدخل حيز التنفيذ الفوري.
تنص الخطة على هدف مركزي يتمثل في توحيد الموارد العامة، وإلزام كافة السلطات المحلية والمؤسسات السيادية، بما فيها إيرادات المنافذ والجمارك والضرائب، بتوريدها بالكامل إلى الحساب المركزي للبنك المركزي اليمني في عدن.
هذا الإجراء الصارم يُلغي عملياً صلاحيات فتح وإدارة أي حسابات موازية في البنوك التجارية، ويأتي لضبط الاختلالات المالية والإيرادية المزمنة التي فاقمت التدهور النقدي، ويؤكد ضرورة توريد حصص الحكومة من مبيعات النفط والغاز والأرباح الكاملة للوحدات الاقتصادية، مع تخويل رئيس الوزراء بصلاحية مباشرة لملاحقة ومحاسبة أي جهة أو شخص يعرقل تنفيذ هذا التوجيه.
- قرار موجود في القانون
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور محمد قحطان إن القرار المتخذ من قبل مجلس القيادة الرئاسي يعتبر ممتازاً، ولكنه في حقيقة الأمر لم يُضِف شيئاً، لأن ما تضمنه القرار موجود أصلاً في القانون المالي وفي النظام المالي للجمهورية اليمنية.
وأضاف: برأيي المطلوب هو تفعيل النظام المالي للدولة، فإذا ما فُعّل النظام المالي للدولة سيتضمن كل ما ورد في القرار، لكن طالما أن الانفلات حاصل في مؤسسات الدولة، والحكومة غير قادرة على ممارسة مهامها بالشكل المطلوب والكامل، فيمكن القول إن دعم مجلس القيادة الرئاسي بإصدار القرار سيقوي من عزيمة الحكومة.
وتابع: الإصلاحات الاقتصادية تضمنت كل ما ينبغي أن يحصل منذ سنوات، فمصادر الإيرادات أساساً تُوزع حسب النظام المالي على ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول هو الإيرادات المحلية، وتتم جبايتها والتصرف فيها من قبل السلطات المحلية في المديريات، والاتجاه الثاني هو المصادر المشتركة للسلطات المحلية في المحافظات، فيما الاتجاه الثالث هو الإيرادات المركزية.
وأردف: الإيرادات المركزية محددة أصلاً في القانون، وكان يُفترض منذ وقت مبكر أن تُورّد إلى الحساب الحكومي العام للدولة الموجود في البنك المركزي في عدن وفروعه.
وزاد: القرار في غاية الأهمية، وسيعطي قدراً كبيراً من الأمل بأن السلطة السياسية توجهت نحو الطريق الصحيح، لكن التحدي الآن سيكون في تنفيذ هذا القرار.
- تفعيل الرقابة
يقول المحلل السياسي الدكتور عبدالوهاب العوج: للأسف الشديد نحن في اليمن، وفي مجلس القيادة الرئاسي، لا نتخذ أي إجراء إلا بعد وقوع الفأس في الرأس.
وأضاف: بعد أن صار هناك عجز كبير في موازنة الدولة، والآن الموظفون يعانون من انقطاع الرواتب، هذا الخلل سيؤدي أيضاً إلى رفع قيمة سعر الدولار الجمركي، وسيعود بالضرر الكبير والسلبي على المواطن.
وتابع: النقطة الأخرى أن القرار رقم (11) لسنة 2025 يصب في نفس الموضوع الذي كان يتحدث عنه الجميع، وما لم يتم إقالة عدد من المسؤولين التنفيذيين في بعض الجهات التي رفضت أن تورد للبنك المركزي وما زالت تمتلك حسابات في بنوك وشركات صرافة خارج إطار الدولة والقانون، فسيظل القرار حبراً على ورق.
وأردف: القرار ينص على ثلاثة اتجاهات: شركة صافر، وبترومسيلة، وشركة مصافي عدن، وكل ما جرى وما تم يدل على أننا ما زلنا ندور في نفس الساقية ونفس العجلة دون وجود إجراءات تنفيذية.
وزاد: إذا لم يُفعّل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واللجنة العليا للشفافية، فسيظل القرار كلاماً للتغطية.
وقال: كل ما يتم من ضغوط خارجية، إذا لم تُواكب على أرض الميدان بإجراءات حقيقية، ستظل الإجراءات النقدية يشوبها الخلل الكبير، لأنه لم يتحسن الجانب الاقتصادي والمالي للدولة.
- حاجة عاجلة
يقول المحلل الاقتصادي عبدالحميد المساجدي إن القرار الرئاسي رقم (11) يحتوي في الأصل على مضامين موجودة في القانون المالي اليمني وفي القوانين المنظمة للمالية العامة للدولة، وبالتالي لم يأتِ بجديد.
وأضاف: لكن من زاوية أخرى، قد نرى في هذا القرار أنه يأتي انطلاقاً من دوافع عدة؛ أولاً: الحاجة العاجلة والماسة لزيادة إيرادات الدولة في ظل تزايد العجز، وعجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها، وعلى رأسها مرتبات الموظفين.
إضافة إلى ذلك، هناك حاجة ضرورية جداً لاستعادة ثقة الشركاء في الإقليم والمنظمات الدولية.
وتابع: الحكومة خلال الفترة الماضية شهدت مواقف داعمة لها، سواء من صندوق النقد الدولي أو من الأشقاء، بضرورة تفويض رئيس الوزراء بالصلاحيات الكاملة لإدارة الملف الاقتصادي.
وأردف: كانت موارد الدولة أو الإيرادات العامة تُورّد في المحافظات، وجزء منها يذهب إلى حسابات خارج البنك المركزي، كما أعلن البنك المركزي أن هناك 204 جهات حكومية تورد إيراداتها أو لديها حسابات خارج إطار البنك المركزي، بالإضافة إلى أن بعض المحافظات لديها حسابات في فروع البنك المركزي لكنها تورد إلى حسابات خاصة ولا تورد إلى الحساب العام للحكومة.
وزاد: هناك أموال وهناك إيرادات، ولكنها تُورّد إلى حسابات غير الحساب العام للحكومة، فيما الإيرادات السيادية تتركز في عدد قليل من المصادر (المنافذ، الرسوم الضريبية والجمركية، مبيعات المشتقات النفطية المكررة)، وبالإمكان حصرها وضبطها.