تقارير
العقوبات والعمل العسكري يفشلان في وقف هجمات الحوثيين
تظل جماعة الحوثي هي الوحيدة، بين شركاء إيران في "محور المقاومة"، الثابتة على موقفها، بالرغم من العمل العسكري الأمريكي والإسرائيلي، فضلًا عن الضغوط المالية التي تفرضها العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة.
وربط الحوثيون الهجمات المستمرة على إسرائيل بالصراع في غزة، ويواصل القادة الإسرائيليون والأميركيون بعث رسائل حول العلاقات الاستراتيجية والعملياتية الوثيقة بين الحوثيين وطهران.
وقد أدت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلى تقليص النشاط في ميناء إيلات الإسرائيلي بشكل كبير، حيث إن إغلاقه من شأنه أن يمثل مكسبًا كبيرًا للحوثيين.
ويضيف المسؤولون الأميركيون عقوبات على شركاء الحوثيين، في تصعيدٍ للضغوط الاقتصادية على الجماعة، بيد أن الحوثيين أقاموا علاقات مع شركات يمنية وإقليمية قانونية، ويكسبون دخلًا من مصادر غير مشروعة مثل مبيعات الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها.
ومنذ الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، تبددت الآمال العالمية في قرب انتهاء الحرب في الشرق الأوسط بشكل متكرر.
وفي حين يحاول المسؤولون الأميركيون الانتقال من الحرب الإسرائيلية الإيرانية في يونيو الماضي، والضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، إلى تسوية الحرب في غزة والمحادثات مع إيران، يستمر تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن دون توقف.
ولا يزال وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين صامدًا منذ شهر مايو الماضي، غير أن الاتفاق لم يسرِ على الهجمات على السفن التابعة لإسرائيل أو على الضربات على إسرائيل نفسها.
ويصرّ زعماء الحوثيين على أنهم لن يتوقفوا عن مهاجمة إسرائيل ما دامت مستمرة في شنّ الحرب ضد حماس في قطاع غزة.
ومن خلال التمسك بهذا الاشتراط المعلن المرتبط بالصراع في غزة، أثبت الحوثيون أنهم الحليف الأكثر ثباتًا لإيران، ورفضوا النأي بأنفسهم عن أهداف طهران، حتى مع انهيار ركائز استراتيجية الأمن القومي الإيراني.
ويمكن للحوثيين أن يظلوا ثابتين على أهدافهم، لأنهم ربما يكونون الأكثر انعزالًا بين شبكة محور المقاومة الإيرانية، عن الضغوط العسكرية أو السياسية التي تمارسها الحكومات أو الفصائل الأخرى.
ولا تزال حكومة الجمهورية اليمنية ضعيفة، وداعموها وهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة غير راغبين في إعادة الانخراط عسكريًّا على الأرض، للتصدي لسيطرة الحوثيين على جزء كبير من البلاد.
ومع ذلك، أحرز فصيل متحالف معهم، وهو "قوات المقاومة الوطنية" بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الزعيم اليمني القوي الراحل علي عبد الله صالح، نجاحًا كبيرًا في أواخر يونيو، من خلال الاستيلاء على شحنة كبيرة تزن (750 طنًا) من الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى الحوثيين.
وأشادت القيادة المركزية التابعة للولايات المتحدة بعملية المصادرة، في منشور لها على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 16 يوليو، ووصفت بشكل واضح الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها بأنها إيرانية، بالقول إن القوات اليمنية عثرت على "... أدلة باللغة الفارسية، والعديد من الأنظمة تم تصنيعها من قبل شركة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات... ويُظهر منع هذه الشحنة الإيرانية الضخمة أن إيران لا تزال الجهة الفاعلة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بشكل أكبر.” ونُقل عن الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قوله: "إن الحد من تدفق الدعم الإيراني للحوثيين أمر بالغ الأهمية للأمن الإقليمي والاستقرار وحرية الملاحة".
ومع ذلك، فإن الحوثيين قادرون على مواصلة حملتهم ضد إسرائيل، بالرغم من حظر الأسلحة المفروض عليهم، وأسابيع من الغارات الجوية الأميركية ضدهم، من خلال "عملية راف رايدار"، التي انتهت بوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين في تاريخ 5 مايو، مع استمرار الضربات الإسرائيلية.
وقام الحوثيون يوم الأربعاء الماضي بآخر عملية إطلاق صاروخ باليستي ضد إسرائيل. وسقط الصاروخ أو تم اعتراضه قبل دخوله المجال الجوي الإسرائيلي، إلا أنه مع ذلك عطّل البلاد من خلال دفع السلطات إلى وقف الحركة الجوية لفترة وجيزة، في مطار بن غوريون الحيوي خارج تل أبيب، كإجراء احترازي للسلامة. ونشر المسؤول الحوثي البارز حزام الأسد على حسابه في موقع X باللغة العبرية، بعد وقت قصير من محاولة الضربة: "لن نتخلى عن غزة. لن نبقى صامتين بينما أطفالها يموتون من الجوع تحت الحصار..."
وجاءت عملية الإطلاق التي قام بها الحوثيون في أعقاب غارة بطائرة مسيرة، شنّها جيش الدفاع الإسرائيلي يوم الاثنين على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، والذي كان هدفًا متكررًا للمساعي الإسرائيلية لردع قدرات الحوثيين وإضعافها.
وزعم مسؤولون عسكريون إسرائيليون أنهم كانوا يستهدفون مواقع في الميناء، يُشن منها هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ ضد إسرائيل وحلفائها.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس إن القوات الإسرائيلية "تتصدى بقوة لأي محاولة لاستعادة البنية التحتية الإرهابية التي تعرضت للهجوم سابقًا."
وكانت طلعة يوم الاثنين هي المرة الثالثة عشرة التي تهاجم فيها إسرائيل اليمن. وقبل ذلك، وقعت آخر غارة إسرائيلية ضد الحوثيين بتاريخ 7 يوليو.
وخلال فترة الأسبوعين الممتدة من (7 – 21 يوليو)، أطلق الحوثيون ستة صواريخ باليستية وطائرتين مسيرتين على الأقل على إسرائيل، في هجمات لم تسبب أي أضرار أو إصابات.
وفي أعقاب الغارة الإسرائيلية على الحديدة، قال الجيش الإسرائيلي إنه أسقط طائرة مسيرة وصلت "من الشرق"، في إشارة مستترة إلى الحوثيين.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في بيان إن إطلاق الطائرة المسيرة كان ردًّا مباشرًا على الهجمات على الحديدة والقصف الإسرائيلي المستمر لغزة.
ومنذ تاريخ 18 مارس، عندما استأنف جيش الدفاع الإسرائيلي هجومه ضد حماس في قطاع غزة، أطلق الحوثيون 62 صاروخًا باليستيًّا، وما لا يقل عن 15 طائرة مسيرة على إسرائيل، معظمها فشل أو تم اعتراضه، لكن بعضها تسبب بأضرار داخل إسرائيل.
وعلى الرغم من أن هجمات الحوثيين تسببت بالحد الأدنى من الضحايا وتدمير الممتلكات داخل إسرائيل، إلا أنهم يتسببون بخسائر فادحة في البلاد.
وأدت هجمات الحوثيين على الشحن البحري في البحر الأحمر، منذ نوفمبر 2023، إلى انخفاض حاد في حركة السفن عبر هذا الممر المائي، مما حرم موانئ البحر الأحمر في إسرائيل، وكذلك في مصر والأردن، من الإيرادات اللازمة.
وكان الحوثيون قد أوقفوا هجماتهم على البحر الأحمر لمدة شهرين بعد وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، لكنهم استأنفوها في أوائل شهر يوليو الجاري، وأغرقوا ناقلتين هما (ماجيك سيز وإيتيرنيتي سي) في غضون أيام متقاربة.
وحذر مسؤولون في ميناء إسرائيل –الوحيد على البحر الأحمر، إيلات– الحكومة الإسرائيلية، يوم الأحد، من أنها معرضة لخطر إغلاق الميناء بشكل كامل، دون الحصول على مساعدة مالية، مشيرين إلى التأثير الاقتصادي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
ويعد ميناء إيلات ثالث أكبر ميناء في إسرائيل، وهو نقطة دخول رئيسة للبضائع المتجهة إلى إسرائيل من جمهورية الصين الشعبية والهند وأستراليا، من بين دول أخرى. ويخدم الميناء أيضًا الرحلات البحرية وسفن الركاب.
ورغم أن الإغلاق الرسمي للميناء، الذي يديره القطاع الخاص، لن يؤدي إلا إلى تأكيد حالته الخاملة أصلًا، فإن الحوثيين سيزعمون بلا شك أن إغلاق "إيلات" يُعد انتصارًا كبيرًا يؤكد صحة استراتيجيتهم ضد إسرائيل.
وكما سعى الحوثيون إلى ممارسة الضغوط الاقتصادية على إسرائيل ومؤيديها من خلال الهجمات في البحر الأحمر، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الضغط على الحوثيين اقتصاديًّا، باستخدام قواعد التكتيك الغربي المألوف للعقوبات الاقتصادية.
إذ فرض المسؤولون الأميركيون جولات عديدة من العقوبات على الحوثيين، وكذلك المنتسبين إليهم والمتعاونين معهم.
وسعى فريق ترامب إلى ردع الشركات القانونية في المنطقة من إقامة أي معاملات مع الجماعة، من خلال إعادتها إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
ويؤدي إجراء المعاملات مع منظمة التجارة الحرة إلى فرض حظر على المخالفين من إجراء أي أعمال تجارية في الأسواق الأميركية.
وفي يوم الثلاثاء، أعلنت الولايات المتحدة فرض وزارة الخزانة جولةً أخيرة من العقوبات على الحوثيين، مستهدفةً الأفرادَ والشركاتِ التي تساعد الجماعةَ على غسل الأموال واستيراد المنتجات النفطية.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، يربح الحوثيون مئات الملايين من الدولارات سنويًا من خلال العمل مع رجال الأعمال اليمنيين لفرض الضرائب على واردات النفط، وهو ما يدر إيراداتٍ مهمةً لعمليات الجماعة.
وبحسب نائب وزير الخزانة مايكل فولكندر، فإن العقوبات المفروضة يوم الثلاثاء الماضي استهدفت "شبكةً من الأفراد وشركاتهم المنتشرة في جميع أنحاء اليمن والإمارات العربية المتحدة، والذين يُعدّون من أهم مستوردي المنتجات النفطية وغاسلي الأموال الذين يُفيدون الحوثيين"، والتي "تمكّن الجماعة من الاستفادة من النظام المالي الدولي."
وإحدى الشركات المذكورة هي شركة أركان مارس للبترول وواردات المنتجات النفطية، ومقرّها الإمارات العربية المتحدة، والتي أشارت وزارة الخزانة إلى أنها تُسهّل استيراد الحوثيين للغاز والنفط، بما يشمل المنتجات النفطية الإيرانية، عبر موانئ الحديدة ورأس عيسى التي يسيطر عليها الحوثيون.
وأضاف الإعلان أنّه اعتبارًا من يونيو 2025، فإن الشركات التابعة لإيران شاركت في تسهيل عمليات السداد بين الحكومة الإيرانية وشركات النفط التابعة للحوثيين، بما فيها أركان مارس.
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مؤسسةٍ ثانية يوم الثلاثاء، وهي مصنع عمران للأسمنت، وهي مؤسسة يسيطر عليها الحوثيون.
وبحسب وزارة الخزانة، اعتبارًا من مارس 2025، وجّه الحوثيون الأسمنتَ المنتج من مصنع عمران للأسمنت إلى منطقة صعدة الجبلية في شمال اليمن (القاعدة السياسية والجغرافية للحوثيين)، كجزء من مسعى حوثي أكبر لتطوير وتحصين المخابئ العسكرية وتخزين الأسلحة والذخيرة.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أنّ الحوثيين قادرون على استغلال الثغرات الموجودة في سلّم العقوبات الأمريكية، وهي نقاط ضعفٍ من المرجّح أن يعالجها المسؤولون الأمريكيون أثناء تطوير المعلومات الاستخبارية المطلوبة.
فعلى سبيل المثال، وجد تحقيقٌ أجراه "مشروع الشفافية التقنية" أنّ تجار الأسلحة المرتبطين بالحوثيين كانوا يستخدمون 130 شبكة تواصل اجتماعي وشبكات اتصالات مشفّرة مقرّها اليمن، شملت "إكس تويتر" و"واتس أب بزنس"، كواجهة لمتجر عبر الإنترنت للجماعة، لبيع الأسلحة التي تمّ الاستيلاء عليها أو تمّ الحصول عليها بطريقة أخرى. وشملت المعدات المعروضة للبيع بنادق عالية القوة، وقاذفات قنابل يدوية، وأنظمة أخرى. بعض الأسلحة مختومٌ عليها "ملكية الحكومة الأمريكية"، ما يشير إلى أنّها كانت مستخدمةً سابقًا لدى الجيش الأمريكي، وربما تمّ تركها في ساحات القتال الأمريكية السابقة، مثل أفغانستان.
ولم توضّح حسابات التواصل الاجتماعي كيف حصل تجّار الأسلحة الذين يعرضون الأسلحة على الذخائر التي تحمل العلامة التجارية الأمريكية، وليس من الواضح من تقرير "مشروع الشفافية التقنية" كمية الإيرادات التي قد يجنيها الحوثيون من تجارة الأسلحة غير المشروعة هذه.
ومع ذلك، فإنّ هذا التحرّك يُظهر قدرة الحوثيين على العمل ضمن شبكات الاتصالات الغربية المعترف بها، لإحباط الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإضعاف موارد وقدرات جماعتهم.