تقارير
"العيد يكشف فقرنا".. أسواق الملابس المستخدمة متنفس الأسر النازحة والمعدَمة
وسط زحام الأسواق والمُولات الكبرى، تتّجه بعض الأسر بخطوات مترددة نحو أسواق بديلة، حيث تُعرض الملابس على الأرض في أكوام كبيرة.
هناك، ينتقي المتسوِّقون ما يُناسب أطفالهم، محاولين مطابقة المقاسات بأقلّ تكلفة مُمكنة.
ورغم أنها جديدة عليهم إلا أنها ملابس مستعملة، أو منخفضة السعر، من أسواق الحراج، في مشهد بات يعكس واقع الكثير من الأسر اليمنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
تشهد محافظة مأرب انتشارًا واسعًا لأسواق الملابس المستعملة، التي تزدهر بشكل خاص مع اقتراب عيد الفطر، وهو الموعد الذي اعتاد فيه اليمنيون على شراء ملابس جديدة لأسرهم؛ احتفاءً به، إلا أن تلك العادة أصبحت عبئًا في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد ككل، حيث أدى تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات الفقر في أوساط النازحين، إلى جانب غلاء الأسعار وضعف التدخلات الإنسانية، إلى تغيير نمط التسوَّق لدى كثير من الأسر.
ومع اقتراب موعد العِيد، يجد العديد من النازحين في محافظة مأرب، خاصة محدودي الدخل والمعدَمين، أنفسهم مضطرين إلى التوجّه إلى أسواق الحراج لشراء ملابس مستعملة لأطفالهم، ما يجعل هذه الأسواق في ذروة ازدحامها خلال هذه الفترة.
- 'العيد يكشف فقرنا'
تعيش النازحة عائشة ناجي (27 عاما) مع أسرتها، في محافظة مأرب، صراعا داخليا بين فرحة استقبال العيد وحزن الواقع.
ففي ظل وضعها المعيشي الصَّعب، تُجبَر عائشة على البحث عن ملابس العيد لأطفالها الثلاثة في كومة من الملابس المستعملة في سوق الحراج، وسط مدينة مأرب.
تسير عائشة بخطوات بطيئة بين أكوام الملابس المتراكمة في أحد أسواق الحراج؛ تبحث عن أي قطعة مناسبة لأطفالها، بقدر ما تحمله جيوبها الخاوية من نقود لشراء بعض الملابس المستعملة لإسعادهم بملابس جديدة عليهم.
تحاول عائشة، النازحة من محافظة الحديدة، إخفاء حزنها أمام أطفالها، وإقناعهم بأن هذه الملابس جميلة وجديدة.
تقول عائشة لموقع "بلقيس": "لا نستطيع شراء ملابس جديدة من المعارض بسبب قيمتها المرتفعة، ولذلك لجأت إلى الحراج الذي أجده أرحم بأوضاعنا لنلبِّس أطفالنا على قدر حالنا".
حال الكثير من الأسر اليمنية لا تختلف عن حال عائشة؛ فأغلبها تأخذ أطفالها بصمت إلى 'الحراج' لانتقاء ملابس مستخدمة، في الوقت الذي تأخذ فيه الأسر الميسورة أطفالها إلى الأسواق لانتقاء ملابس جديدة، رغم ارتفاع أسعارها.
تقول عائشة إنها بمبلغ 20 ألف ريال تستطيع شراء ملابس مستخدمة لأطفالها الثلاثة من سوق الحراج؛ فيما المبلغ نفسه لن يكفي لشراء بنطلون واحد لطفل من محال الملابس الجديدة.
وبصوت يملأه الحزن -مختصرة الحال التي وصلت إليها- تقول عائشة: "نحن فقراء نازحون في بيوتنا، مستورون دون أن يعلم أحد بحالنا، لكن أن يأتي العيد وتعلن أمام جيرانك بأنك فقير، ويعلم الناس بذلك من خلال ملابس أطفالك؛ هذا هو ما يؤلمنا كثيرا".
- 'فقر متعدد الأبعاد'
تشير عائشة إلى أنها اعتادت على كساء أطفالها من أسواق الحراج، قائلة: "أسواق الحراج باتت هي المتنفس الوحيد للفقراء مثلي؛ هذا السوق مهم وجوده بالنسبة لنا؛ لأنه يوفِّر ما يستر حالنا من الملابس، وحتى أثاث المنازل".
وأضافت: "أعرف الكثير من الأسر تشتري كسوة العِيد من الحراج، لكنهم لا تريد أن يعرف الآخرون عنها ذلك، وتخفي حتى عن أطفالها أنها اشترت لهم ملابس حراج أحيانًا".
تغادر عائشة السوق حاملة بيدها بعض الملابس المستعملة، والحزن يملأ قلبها، مدركةً أن فرحة العِيد لن تكتمل في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها، لكنها تحاول التمسُّك بالأمل من أجل مستقبل أفضل لأطفالها.
وبحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن نسبة الأفراد الذين يعانون من فقر متعدد الأبعاد في اليمن بلغت 82.7 بالمائة؛ أي أن ثمانية من كل عشرة أشخاص في البلد يعانون من الفقر.
- غلاء الأسعار
من جهته، يقول أحمد الكدم (مالك معرض لبيع الملابس المستخدمة) لموقع "بلقيس" إن عمله في بيع الملابس المستخدمة يزداد قبيل الأعياد، مشيرا إلى أن هناك إقبالا كبيرا على الشراء بسبب قُرب معرضه من مخيم الجفينة، أكثر من المعارض المنتشرة وسط المدينة.
ووفقًا لوصف الكدم، فإن أسعار الملابس في المعارض الجديدة مرتفعة بشكل كبير، مما يجعل من الصعب على النازحين ومحدودي الدخل شراء ملابس لأطفالهم، وبالتالي يضطرون إلى العودة إلى الحراج لشراء ما يناسبهم بأسعار زهيدة وعلى قدر حالهم.
وأضاف أن تجارته في بيع الملابس المستخدمة تستهدف الفقراء ومحدودي الدخل من النازحين والعمال والمهاجرين الأفارقة، حيث يجدون في هذه السلع فرصة لشراء ملابس بأسعار زهيدة وعلى قدر حالهم.
وأوضح أن تجارته في بيع الملابس المستخدمة لا تستهدف فقط الفقراء ومحدودي الدَّخل، بل أيضًا الأسر الميسورة التي تبحث عن فرص لشراء ملابس بأسعار زهيدة في أوقات خارج مواسم المناسبات والأعياد.
- عوامل متعددة
من جهته، أرجع عبد الله سلام (تاجر ومورِّد ملابس جديدة بالجملة في مأرب) لموقع "بلقيس" ارتفاع أسعار الملابس في الأسواق إلى عدّة عوامل؛ أبرزها: الضرائب المزدوجة التي تفرضها السلطات المتعددة، إضافة إلى الإتاوات المفروضة على الطُّرق، وارتفاع تكاليف النَّقل بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
وأوضح أن "هذه العوامل مجتمعة تسببت في رفع أسعار الملابس بشكل كبير، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة النازحين الذين يعيشون أوضاعًا معيشية صعبة".
وأضاف سلام: "هناك أزمة أخرى تفاقم الوضع، وهي عدم استقرار سعر الصرف، حيث تفقد العملة المحلية قيمتها بشكل متسارع، او متضارب صعودا وهبوطا، ما يجعل من الصعب على التجار تحديد أسعار ثابتة للبضائع".
يقول سلام: "بسبب التقلبات الحادة في أسعار الصرف، نضطر أحيانًا إلى تسعير الملابس بالرِّيال السعودي بدلاً من الرِّيال اليمني؛ لأنّ انهيار العملة المحلية قد يتسبب لنا بخسائر فادحة".
وأضاف: "بعض التّجار تعرَّضوا للإفلاس؛ لأنهم باعوا بضائعهم بسعر معيَّن، ثم فوجئوا بانخفاض كبير في قيمة الرِّيال اليمني، ما جعل أرباحهم أقلّ حتى من تكلفة الاستيراد نفسها".
- بدائل أرخص
وأشار إلى أن "هذا الوضع جعل الكثير من المواطنين يبحثون عن بدائل أرخص، مما انعكس سلبًا على حركة البيع".
وأردف: "في السابق، كان الناس يشترون ملابس جديدة لأطفالهم خلال الأعياد دون تردد، لكن اليوم أصبح الزبائن يقارنون الأسعار طويلًا قبل اتخاذ قرار الشراء، والكثير منهم يضطرون إلى تأجيل شراء الملابس، أو الاتجاه نحو الأسواق التي تبيع الملابس المستعملة".
واختتم سلام حديثه بالقول: "استمرار الحرب، وغياب الحلول الاقتصادية، يزيدان من تعقيد الوضع"، مشيرًا إلى أن "التجار يحاولون التكيّف مع هذه التحدِّيات، لكن الظروف الحالية تجعل الاستمرار في العمل أكثر صعوبة من أي وقت مضى".
ومع استمرار الأزمة وغياب الحلول، يبقى السؤال: كيف يمكن لأطفال الأسر الفقيرة النازحين أن يشعروا بفرحة العِيد وبالحياة الكريمة وسط هذه المعاناة المتكررة والمستمرة؟